بين سوء إدارة الإسكان وفسادها ضاعت أحلام الشباب بالمسْكَن

الثورة: تحقيق – سهيلة اسماعيل:

أراد الشاب “أحمد .أ” شراء منزل صغير في مدينة حمص بعد مضي عدة سنوات على استلامه وظيفة في إحدى الدوائر الحكومية في المدينة كي يرتاح من دفع أجور النقل المرتفعة بين بلدته الواقعة في ريف حمص الغربي والمدينة،

لكنه لم يستطع بسبب ضعف الدخل، وارتفاع أسعار العقار. ومع أنه لم يبحث في الأحياء المنظمة عمرانياً، التي فيها سندات تمليك، بل كانت رحلة بحثه في مناطق السكن العشوائي بمناطق المخالفات، لكنه فشل بالحصول على مسكن، لأن مرتبه الشهري لا يكاد يكفيه لتأمين متطلبات الحياة اليومية لأسرته.

الشاب أحمد هو مثال لكثيرين غيره، ولن نبالغ، ولن نأتي بجديد إذا قلنا: إن تأمين منزل، حتى لو كان بالأجرة ينطبق عليه الكلام ذاته في محافظة حمص، (مدينة وريفاً) حتى غدا الأمر أشبه بحلم صعب التحقيق، لا سيما بعد عودة آلاف المهجرين إلى منازلهم، ما جعل الشباب وأهاليهم في حيرة من أمرهم، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، وهم نسبة تشكل الغالبية الكبرى من المواطنين.

فشل كبير

نستعرض في هذا التحقيق معاناة عدة مواطنين خلال رحلة بحثهم الشاقة عن منازل تؤويهم.. يلاحظ المتابع أنه، وعلى مدى سنوات، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلّ لمشكلة تأمين سكن لائق لمواطنيها،

سواء من خلال الاتحاد العام للتعاون السكني، الذي تمّ حله، قبل نحو ست سنوات، ذلك الاتحاد الذي كانت تتبع له نحو ثلاثة آلاف جمعية سكنية على امتداد مساحة سوريا، كذلك لم تستطع مشاريع السكن الشبابي الإسكان العسكري السابقة إيجاد حلّ للمشكلة وبعد أكثر من عشرين عاما على إطلاق مشاريع السكن الشبابي ما زالت عشرات آلاف الشقق في طور البحث عن الأرض! لذلك كان المواطنون المسجلون على شقق في إحدى الجهات المشار إليها يتندرون قائلين: “ربما نورث الشقة لأحفادنا ما دام الحصول على شقة سكنية يتجاوز الـ 30 عاماً”، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قسماً من المستفيدين من خدمات الاتحاد وجمعياته أو من مشروع السكن الشبابي ليسوا بحاجة فعلية للشقق التي سجلوا عليها.

الأسعار تتجاوز قدرتنا

رجاء .م، موظفة منذ التسعينيات، تحدثت عن عدم قدرتها على شراء منزل صغير في حي عكرمة، وكادت تبكي لأنها قضت نصف عمرها وهي تستأجر منزلاً تلوَ الآخر لأنها لم تستطع الاستقرار في منزل تعود ملكيته لها، فالأسعار لا تتناسب مع دخلها، وهي حسب ما أخبرتنا بحثت في أكثر من حي، وكانت تصدمها الأسعار المرتفعة ارتفاعاً جنونياً، وأكملت حديثها قائلة إنها حصلت على قرض من المصرف العقاري، لكنه لم يكن كافياً، ولم يساهم في حلّ مشكلتها لأن أسعار العقارات ترتفع بين ليلة وضحاها. وعبّر رائد.ع عن انزعاجه لأنه يكاد يصل إلى سنّ التقاعد، ولم يحالفه الحظّ في شراء منزل في حي باب تدمر، وهو الآن يقطن في الحيّ نفسه ويدفع مليوني ليرة سورية أجرة منزل صغير ومرتبه الشهري لا يتجاوز المليون ونصف ليرة سورية…!! أما محمد.أ،

وهو موظف، فتساءل عن دور الجمعيات السكنية والجهات المخولة بتأمين شقق سكنية للمواطنين الراغبين بالاستقرار فيها، فهو يسكن في شقة صغيرة في حي ضاحية الوليد، ولديه ولدان يريد أن يؤمن لهما شقتين سكنيتين، لأنهما أصبحا في سنّ الزواج، لكن الأسعار المرتفعة للعقارات تقف عائقاً أمامه، مع أن ولديه يعملان في القطاع الخاص ويتقاضيان راتباً شهرياً معقولاً نسبياً مقارنة برواتب موظفي القطاع العام، لكنه لن يكفي لشراء شقة صغيرة في حيّ من أحياء مدينة حمص المخالفة.!!!. وأضاف أنه سيلجأ إلى استئجار شقتين لهما، وهو ليس حلّاً مناسباً، لكن ليس بالإمكان أفضل مما كان. بينما رأت هدى .د أن الحصول على شقة صغيرة كان في الماضي أمراً متاحاً، أما الآن ومع ارتفاع أسعار مواد البناء وصعوبة المعيشة في ظل الظروف الحالية فأصبح الأمر مستحيلاً، ما سينعكس سلباً على الحياة الاجتماعية لغالبية المواطنين.

مثل أي سلعة

يرى أصحاب المكاتب العقارية في أحياء حمص أن سوق العقارات في حمص، وفي أيّ مدينة سورية أخرى يخضع كغيره من أسواق المواد الأخرى لمبدأ العرض والطلب المعروف. وكانت بدايتنا من حيّ الإنشاءات، حيث قال صاحب أحد المكاتب العقارية: قد لا نستطيع أن نفصل بين ارتفاع أسعار العقارات وأسعار المواد الأخرى، فهي مثل أي سلعة تخضع لحركة السوق، وقد شهد سوق العقارات في حمص في الآونة الأخيرة بعض الركود، وربما يعود السبب إلى ارتفاع أسعار العقارات التي يقابلها ضعف القوة الشرائية للمواطن، والهوة الكبيرة بين دخل المواطن والأسعار الرائجة، والجميع يعرف أن سبب ارتفاع أسعار العقارات يتعلق بغلاء مواد البناء والإكساء.

كما تتعلق الأسعار بالموقع الجغرافي للعقار، حيث تزداد الأسعار كلما اقتربنا من مركز المدينة والأسواق التجارية كشارع الدبلان والحمرا والغوطة، و حيّ المحطة وغيرها، بينما تقلّ في ضواحي المدينة كالمهاجرين وضاحية المجد وعكرمة الجديدة، وجميع هذه الأمور ليس لنا علاقة بها، ومن مصلحتنا كمكاتب عقارية أن تنشط حركة سوق العقارات لكي نعمل.

واعتبر فايز .خ صاحب مكتب عقاري في حي وادي الذهب أن ارتفاع أسعار العقارات في محافظة حمص عادي جداً إذا ما قورن بأسعار المواد الغذائية والحاجات الضرورية، وأضاف: إن من يشتري بيتاً جاهزاً أوفر له من شراء بيت على الهيكل، لأن كلفة الإكساء مرتفعة جداً، إضافة إلى ارتفاع أجور اليد العاملة، وكلها أمور ساهمت في تحليق أسعار العقارات. أما بالنسبة لأجور العقارات فهي الأخرى شهدت ارتفاعاً فوصلت أجرة ملحق في الطابق الرابع، مؤلف من غرفة واحدة مع منتفعاتها إلى 700 ألف ل.س.

جمعيات للتندر..!!

المهندس اسماعيل .ا وهو أحد العاملين السابقين في مجال الجمعيات السكنية، قال: يوجد في حمص 142 جمعية تعاونية للسكن والاصطياف، وهناك 103 جمعيات منها مخصصة بـ 152 مقسماً للسكن ضمن التوسع الغربي في حي الوعر في القطاعين الرابع والسادس، وكانت الجمعيات التعاونية السكنية تنفذ أبراجاً سكنية وفق مراحل متفاوتة على أن يتمّ تنفيذ البنى التحتية لتلك المواقع، (تنفيذ طرقات، أرصفة، حدائق، صرف صحي، كهرباء، مياه).

وقد باشرت فعلاً إحدى الشركات الخاصة بتنفيذ المرحلة الأولى منذ عام 2009 ورست عقود المرحلة الثانية على الشركة العامة للطرق والجسور، وباشرت عملها حتى 31 -12- 2011 حيث توقفت عن العمل بسبب بدء الثورة. و تمّ استئناف المشروع في العام 2016، لكن مع ارتفاع الأسعار توقفت الشركة لإجراء تحديد وتعديل للأسعار وشُكلت لجان بهذا الخصوص، وتم تعديل الأسعار وفق الأسعار الرائجة، وكان من أهم مطالب الجمعيات تأمين مقاسم وأراض للبناء من القطاع العام بسعر الكلفة كمجلس المدينة والبلديات والوحدات الإدارية، أو المؤسسة العامة للإسكان حينذاك.

لا يستطيع المراقب لسوق العقارات أن يثني على دور فعال للجمعيات في حل أزمة السكن، فقد تمّ إنجاز 152 مقسماً للسكن في مراحل متفاوتة وبنسبة إنجاز 70%، أما بخصوص الأسعار فتحددها المساحة والمنطقة وهي بشكل عام مرتفعة مقارنة بالماضي القريب، مع أن هناك الكثير من المواطنين استفادوا من الجمعيات وحصلوا على مساكن رخيصة الثمن.

المضحك المبكي

كانت بعض الجهات المخولة بتأمين مساكن للراغبين من المواطنين على مستوى القطر ترفع شعار: ” تأمين منزل لكل أسرة واجب وطني..” وهو شعار براق وفضفاض إذا تعمقنا في عمل تلك الجهات، ومنها الجمعيات السكنية، نجد أن الفساد نخرها، حيث كان أعضاء مجالس الإدارات وأقرباؤهم أولى من غيرهم بالتسجيل، ولهم الأدوار الأولى، وهكذا نستطيع أن نصف الأمر بالمضحك المبكي، إذا عرفنا ما يجري وراء الكواليس من اتخاذ الجمعيات والمشاريع السكنية الكبرى نافذة جديدة لجني الأرباح من قبل أسماء وأشخاص محددين.

ورد تصريح على لسان رئيس مجلس مدينة حمص السابق في أحد الاجتماعات المتعلقة بعمل الجمعيات، اعتبر فيه أنها ساهمت في الفترات السابقة مساهمة إيجابية في تأمين مساكن لائقة للمواطنين وخاصة الجمعيات الخاصة، أما الآن فقد أفُل دورها وربما يعود ذلك لطول المدة الزمنية اللازمة للإنجاز أو بسبب غلاء الأسعار، وأضاف: هناك أمثلة واقعية في مدينة حمص، مثل المساكن الغربية ومساكن غرب طريق دمشق، وكان مجلس المدينة يقدم تسهيلات للجمعيات السكنية، حيث خصص 1000 هكتار… لكن الواقع يقول: إن الحكومات السابقة أوقفت، منذ حوالي ربع قرن، توزيع الأراضي المجانية أو بأسعار رمزية لجمعيات التعاون السكني بسبب الفساد الذي نخر بنيتها، وآلية عملها، وهذا الأمر جعل الفساد يستشري أكثر، و أثبتت الكثير من الوقائع أن رؤساء الجمعيات كانوا يشترون الأرض بسعر ويسجلونها على الورق بسر أعلى، ويذهب فارق السعر من جيوب المكتتبين إلى جيوب مجالس إدارة الجمعيات!.

آخر الأخبار
نقل دمشق: إجراءات لتسهيل نقل الملكية وتخفيض للرسوم "لوبان" إشارات الجمال سوريا بوابة إلى المتوسط ومركز للتنمية البحرية الصناعية والسياحة الأغذية المصنّعة.. لذّة سريعة وعبء صحي مؤجّل توازن الحياة بين العمل والأسرة.. رؤية إنسانية في زمن الضغوط تأهيل مدرسة عربين السابعة وتعبيد وتزفيت طريق السليمة - التل أهالي حي التضامن يشكون تراكم القمامة، و"النظافة" تعد بالحل ! التشاور مع الصناعيين ضمانة لاتخاذ قرارات متوازنة تعزز النمو خبراء يطالبون بإنقاذ قطاع النحل وتسويق تعاوني للعسل السوري هيئة التميز والإبداع لإعداد جيل يقود المستقبل التعرض للجوار بالإيذاء في القانون.. حفظ الحق لتماسك المجتمع مقهى النوفرة ينبض بذاكرة دمشق العمل الإنساني.. عندما يكون بأيادٍ أمينة اقتصاد على النار.. مطاعم دمر الشعبية بين الحفاظ على السمعة والخسائر بين سوء إدارة الإسكان وفسادها ضاعت أحلام الشباب بالمسْكَن مونديال الناشئين.. فوز فرنسا وخسارة السعودية الزراعات الاستوائية تتوسع.. والمزارع يغامر بسلّته الغذائية محطات المعالجة بطرطوس.. تأهيل وصيانة لرفع التلوث عن مصادر المياه بعد سنوات الغياب.. المعلّم رمضان يعود إلى حلب ليزرع الأمل والعلم لقاءات متكافئة في الجولة الرابعة من الدوري الأوروبي