الثورة – ترجمة محمود اللحام:
أعلن الرئيس جو بايدن يوم 21 تموز 2023، عن قرار ينذر بالسوء: رفع ويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)، إلى رتبة وزير، حيث جعل هذا القرار مدير وكالة المخابرات المركزية ضابط المخابرات الثاني في إدارة بايدن، إلى جانب مدير المخابرات الوطنية أفريل هينز.
يمكن للقرار أن يكون أكثر من مجرد لفتة رمزية لمكافأة حليف سياسي. في الواقع، قد تكون رسالة مفادها أن إدارة بايدن تخطط لأن تصبح أكثر انخراطًا في الشؤون الخارجية في المستقبل القريب، خاصة إذا كانت الحرب في أوكرانيا ستتصاعد من حرب بالوكالة إلى صراع عسكري أمريكي روسي.
كما يمكن أن يشير ذلك إلى أن الرئيس الأمريكي، الذي يواجه معدلات تأييد منخفضة في استطلاعات الرأي، توصل إلى استنتاج مفاده أن الطريقة الوحيدة لفوزه بولاية ثانية هي أن يقوم بحملة سياسية كقائد أعلى للقوات المسلحة.
وقد نجح هذا الأمر بشكل جيد مع الرئيس جورج دبليو بوش خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2004، بعد الغزو العسكري لحكومته للعراق في آذار2003 بذرائع واهية.
في الواقع، ثبت أنه من الأسهل على السياسيين الأمريكيين إعادة انتخابهم في انتخابات زمن الحرب.
من تاريخ موجز لوكالة المخابرات المركزية، فقد أنشأ الرئيس هاري س. ترومان (1884-1972) وكالة المخابرات المركزية في عام 1947. كان هدفه منذ البداية إنشاء مكتب صغير لجمع المعلومات الاستخباراتية لإبقاء الرئيس الأمريكي على اطلاع دائم بالشؤون العالمية.
لكن وكالة المخابرات المركزية أصبحت اليوم نوعاً من الحكومة السرية للشؤون الخارجية، داخل الحكومة الأمريكية. وتبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 100 مليار دولار، وهي تتجاوز ميزانيات ثلاثة أرباع دول العالم.
كانت إحدى مهام وكالة المخابرات المركزية بمرور الوقت، إلى جانب جمع المعلومات والتجسس، إجراء عمليات سرية، بما في ذلك الأعمال غير القانونية، لتعزيز المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم. وكثير من الأمريكيين لا يدركون أن مثل هذه العمليات السرية تنفذ باسمهم.
كتب الرئيس هاري س. ترومان، الذي أسس وكالة المخابرات المركزية، أنه يشعر بخيبة أمل شديدة من انحراف المنظمة.
في 22 كانون الأول 1963، بعد شهر واحد فقط من اغتيال الرئيس جون كينيدي، ظهر الرئيس السابق ترومان علانية في مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست، حيث كشف فيه أن لديه مخاوف جدية بشأن الدور المتنامي لوكالة المخابرات المركزية في حكومة الولايات المتحدة.
في الواقع، كان الرئيس السابق والمبادر لوكالة المخابرات المركزية يخشى أنه إذا تم تحويلها عن المهمة التي تم تكليفها بها في الأصل (جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية)، وأنها أصبحت سلاحاً عملياً وأحياناً أداة تستخدم في إدارة السياسة الحكومية.
كان استنتاج ترومان ملعوناً بنفس القدر: “هناك شيء ما حول طريقة عمل وكالة المخابرات المركزية يلقي بظلاله على موقفنا التاريخي وأعتقد أننا بحاجة إلى تصحيحه”.
ما كان يخشاه الرئيس ترومان وغيره من المفكرين الأمريكيين هو أن الولايات المتحدة ستصبح إمبراطورية عسكرية فوضوية يقودها غطرسة إمبريالية أنانية.
في الواقع، لا يمكن لإمبراطورية عسكرية في حالة حرب دائمة، مهما كانت مقنعة، أن تظل ديمقراطية، لأن هذا يتعارض مع قيم الحرية والديمقراطية في الداخل.
يتردد صدى كلمات الرئيس ترومان الحكيمة وتحذيراته اليوم، خاصة بعد الإعلان عن ترقية رئيس الولايات المتحدة الحالي مدير وكالة المخابرات المركزية إلى رتبة وزير.
لا يبدو أن الرئيس جو بايدن لديه المخاوف نفسها بشأن الخطر على الديموقراطية الأمريكية من إشراك وكالة المخابرات المركزية بشكل مباشر في تطوير السياسة الخارجية الأمريكية.
هذه ليست المرة الأولى التي نأى فيها بنفسه عن التقاليد الأمريكية. في الواقع، عند تشكيل حكومته، في عام 2021، تراجع عن تقليد تعيين مدني كوزير للدفاع عندما اختار بدلاً من ذلك تعيين الجنرال المتقاعد من الجيش لويد أوستن في هذا المنصب.
بمثل هذه القرارات، قد يكشف الرئيس جو بايدن عن تفضيلاته لأمريكا الإمبراطورية، على عكس ما قصده الرئيس هاري إس ترومان عندما أنشأ وكالة المخابرات المركزية. ربما يكون أكثر عسكرية وإثارة للحرب مما يدركه الكثيرون.
المصدر – موندياليزاسيون