ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم :
لا تبدو الإضافات النوعية التي قدمها القرار الأممي 2170 موضع نقاش، ولا تنطوي على نقاط خلاف فعلية، يمكن أن تصلح مادة للجدل في المدى المنظور إذا صدقت النيات وسط هذا النزوع الدولي والسباق الغربي المحموم للحديث عن مكافحة الإرهاب.
لكن هذا لا يمكن له أن يحجب الكم الهائل من الأسئلة المؤجلة أو المستقبلية المنتظرة، على ضوء ما تشي به الأحداث والتطورات، في وقت تبدو فيه الخيارات مفتوحة على كم من التجارب غير المشجعة، وتدعمها في السياق ذاته جملة من المؤشرات الموازية التي تنطلق من عواصم غاصت في أوحال الإرهاب دعماً واحتضاناً وتمويلاً.
فالتجارب التي واجهتها دول العالم مجتمعة كانت تعاني من نكوص غربي دائم ومترافق في أغلب الأحيان بفائض من النفاق السياسي الموازي له، والمتفوق عليه في المساحة والاتساع، حيث يصعب التعويل الفعلي على الخطاب الغربي عموماً كأساس لقراءة المشهد الدولي وقد وجد أرضية مشتركة لمكافحة الإرهاب.
في حين تبدو المؤشرات أكثر سلبية من التجارب ذاتها، وبالتالي من العبث الحديث عن إمكانية تعاون حقيقي يمكن أن تقدم عليه تلك الدول المتورطة في دعم الإرهاب، حتى لو أعلنت ذلك، بل حتى لو ذهبت إلى أبعد من ذلك، بدليل أن إعلان الالتزام من الكويت والسعودية بالقرار الدولي لم يترافق بأي خطوات حقيقية على الأرض، ولا يزال الخطاب السياسي والإعلامي متمترساً في خنادق التحريض على الإرهاب شكلاً ومضموناً.
وعلى المنحى ذاته تسير الكثير من الدول الغربية التي ما فتئت تتحدث عن دعم ما بات مصطلحاً افتراضياً على أرض الواقع، وما تسميه في أدبيات نفاقها معارضة سورية تحولت بدورها إلى نوع منقرض بعد المتغيرات الأخيرة في المنطقة، حيث فرنسا تكشف عن نوع الأسلحة التي زودتها بها، فيما كيري يجتر المصطلح ذاته، وينفخ في الأسطوانة المشروخة عن دعم المعارضة «المعتدلة»!!
بهذه المعطيات، سواء كانت مؤشرات أم تجارب، يصعب تخيل قيام تحالف دولي حقيقي ضد الإرهاب، وأكثر التمنيات قرباً من الواقع ستكون جملة من فقاعات المواقف التي لن تتجاوز المنابر التي أطلقت من أجلها، وسرعان ما ستطويها أحزمة النفاق الموازية لها في الغرب ومن على المنبر الأممي.
لكنها على المقلب الآخر تبدو مضطرة للمجاهرة من جديد بالرغبة في مكافحة الإرهاب، حين ستصطدم -وفي وقت لم يعد بعيداً- بأحزمة من التداعيات الناتجة عن تفشي الإرهاب على نحو أكثر اتساعاً، بما يشكله من ظواهر تفرض إحداثياتها وترمي بثقلها في مرمى المصالح الغربية المتعثرة، وتضيف إلى تعثرها نقاط تبعثر إضافية، حيث لا تكفي حينها التمنيات الوقائية، ولا الإجراءات الاستباقية ولا المتاجرة بمكافحة الإرهاب لتعميق الأطماع داخل المنطقة.
المعادلة المقابلة لذلك كله، والقابلة للنقاش، وربما للترجمة على أرض الواقع تنطلق من فرضية صحيحة عززتها التطورات الأخيرة بأن مكافحة الإرهاب تعتمد أولاً وأخيراً على إرادة أبناء المنطقة، والتنسيق والتعاون بأي بعد بما فيه الدولي لا بدّ أن ينطلق من أرضية التفاهم الإقليمي على مواجهة الإرهاب، ودون ذلك قد يكون عبثاً إضافياً وإضاعة للوقت.
فرضيات المعادلة المجهولة الأطراف حتى اللحظة لا تبدو صعبة الحل، وجميع المجاهيل الداخلة في تركيبتها تنحو باتجاه إيجاد بدائل قابلة للصرف السياسي، وفي مقدمتها أن الإرهاب استعر نتيجة ممارسات دول في المنطقة كانت أدوات احتضانه، ووسائل دعم وتمويل له، وستبقى تلك الدول في الكفة ذاتها، برغبة منها أم قسراً عنها، وبالتالي ليس هناك ما يكفي من الوقت لانتقالها من كفة إلى كفة، بقدر ما يتطلب تعاوناً وثيقاً يتجاوز الأطر التقليدية المعمول بها، ويتخطى حواجز القنوات المعتمدة في الظرف الحالي.
مكافحة الإرهاب وإحداثيات التحالف المأمول بحكم الحاجة، أو اعتماداً على القرار الأممي، تبدو متناقضة مع خرائط المواجهة التي تديرها حتى اللحظة شهوة الأطماع الغربية المستيقظة على وقع الإرهاب، والتعويل على عامل الوقت لتغيير تقاطع المصالح الغربية مع الإرهاب أو لإفساح المجال أمام اختلاف تطابقها، لا يمكن أن تحدث الانعطافة المنتظرة.
فالمواجهة مع الإرهاب تأخذ بعداً دولياً تتوزع داخله وعلى هوامشه جبهات الصراع بشكل منفصل وصريح، ولا يزال الغرب يراهن فيها على الإرهاب ليرجح الكفة ولو مؤقتاً أو افتراضياً، وخطط تسليحه وتمويله واحتضانه لا تزال تفرخ من أدراج الاستخبارات الغربية العشرات من البدائل الإضافية, ودور التنظيمات الإرهابية الأصيلة منها أو البديلة والمستنسخة هو العامل المشترك الذي لا يغيب عن إحداثيات التفكير الغربي!!.
a.ka667@yahoo.com