الثورة – حوار لميس عودة:
تحمل مراسيم العفو الرئاسية في دلالاتها الكثير من الأبعاد الجوهرية فهي في أولى معانيها تعكس اقتداراً عالياً ومسؤولية سامية ومكرمة مضافة من السيد الرئيس بشار الأسد، وتجسيداً لنبل التسامح في فتح المجال أمام الخطائين بعد إصلاحهم ليعودوا وينصهروا في المجتمع كمواطنين فاعلين يسهمون في بناء وطنهم، وتتيح الفرص لمن غرر بهم ليكفروا عن خطاياهم من دون مساءلة أو محاسبة لمعاودة انخراطهم في بوتقة الوطن، والإسهام مع باقي المواطنين في صونه وإعادة إعماره.. في دلالات مرسم العفو رقم 36 وانعكاساته كان لصحيفة الثورة الحوار التالي مع الباحث المتخصص في الجيوبولتيك والدراسات الإستراتيجية الدكتور حسن أحمد حسن.
*هناك مقولة تفيد بأن العفو من شيم الكرام هذا صحيح، ولكن ألا يمكننا القول هنا: إن العفو من منابع القوة والاقتدار فعندما تمتلك الدولة عناصر قوتها وتمكنها تتسامح وتعفو وتفسح المجال للخطائين بعد إصلاحهم للعودة عن الخطأ والجريمة ليكونوا فاعلين إيجابياً؟.
صحيح إن العفو من شيم الكرام، لكن العفو لا يكون عفواً إلا مع الاقتدار، وبغير ذلك يفقد جوهره، وقد قالت العرب قديماً:
مكارم الأخلاق في ثلاثة منحصرة
لين الكلام والسخاء والعفو عند المقدرة
مرسوم العفو رقم 36 لعام 2023م الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد بتاريخ 16/11/2023م يشمل حزمة كبيرة من الجرائم والجنايات والمخالفات والجنح، وهو أحد مراسيم العفو المتعددة التي أصدرها سيادته منذ بداية الحرب المفروضة على سورية، حيث صدر المرسوم رقم /61/ لعام 2011 بتاريخ 31/5/2011 وتتالت بعد ذلك مراسيم العفو حتى في أكثر الظروف الضاغطة على امتداد سنوات الحرب المفروضة على الدولة السورية، وهذا يؤكد قدرة الدولة على الاستجابة المسؤولة والواعية للتحديات مهما كبرت، كما يدل على الحكمة والحرص على جميع أبناء الوطن، وبعد النظرة الاستشرافية المدركة أن الكثيرين ممن ضلوا الطريق وارتكبوا ما يعاقب عليه القانون، ويسيء إلى المجتمع السوري وشخصية المواطن السوري المعروف بحبه ونقاء انتمائه لوطنه إنما وقعوا تحت تأثيرات متعددة، ومن الحكمة مساعدتهم قانونياً في تجاوز ما اقترفوه، وتمهيد الطريق للعودة إلى حضن الوطن بعد توفير البيئة القانونية التي تضمن لهم عدم المساءلة وتعفيهم من العقوبة المترتبة بكليتها أو بجزء منها، فبوصلة الدولة تبقى متجهة دائماً لتحقيق السلم الأهلي والأمن المجتمعي بالصفح عمن أخطؤوا ليعودوا أفراداً مقبولين في المجتمع والبيئة التي يعيشون فيها، ويستطيعون متابعة حياتهم اليومية من دون أي خوف أو توتر وخشية من أي ملاحقة ومحاسبة على ما ارتكبوه من أفعال جرمية أو جنائية يحاسب عليها القانون.
إن الوقوع في الخطأ من طبيعة البشر، وترك من ارتكبوا الأخطاء تحت تأثير المحاسبة وتنفيذ العقوبة المقررة قانوناً على الأفعال الخاطئة والمتناقضة مع القانون يعني بقاءهم بعيداً عن الانخراط الطبيعي في المجتمع، والمساهمة في تصحيح أي اختلالات تطرأ على مسار تحصين الدولة والمجتمع، والعكس صحيح لأن العفو عمن أخطأ يعني عودة أولئك بعد انقشاع الغمامة التي كانت تحجب بصرهم وبصيرتهم لأسباب عدة ذاتية وموضوعية، وبكل تأكيد العودة لا تكون إلا في حال الشعور بالأمان، وتوفر الرغبة الذاتية للاستفادة من أحكام مراسيم العفو، وهذا بحد ذاته يشكل عاملاً مساعداً يمنح المجتمع إمكانية فرز الشوائب والمعوقات المؤثرة على سلامته بتضافر جهود الجميع لما فيه خير الوطن وأبنائه، ومن هنا تتجلى أهمية العفو العام الذي يزيل الصفة الجرمية عن الإثم المرتكب وفق الأحكام التي يتضمنها المرسوم كما يزيل الصابون والمنظفات عن الثوب أي أوساخ لحقت به وشوهت منظره فيعود ناصعاً براقاً كغيره، وكذلك يعود المشمولون بأحكام العفو لممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي يمنحهم الشعور بالأمان ويعطيهم الحافز ليكونوا أعضاء منتجين ومساهمين في الدينامية المجتمعية، فالوطن بحاجة لجهود الجميع لضمان إعادة ترميم ما خلفته الحرب وتداعياتها، وهذه مسؤولية كبرى تتقاسمها الدولة والمجتمع بآن معاً لخلق جيل جديد لديه المناعة الذاتية التي تضمن فشل أي استهدافات مستقبلية.
*يعكس العفو معاني التسامح والتجاوز المسؤول كوسيلة ناجعة لتنظيم السلوك الإنساني وتعميمه في المجتمع..
ما انعكاسات ذلك على المجتمع برأيك؟.
من الخطأ بمكان تصور أنه يوجد دولة أو مجتمع ما في العالم خالٍ من الأفعال الجرمية والجنائية، ناهيك عن الجنح والمخالفات، ومن المسلم بصحته أن “كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون” فالعقوبة ليست هدفاً بحد ذاتها، ولا يجوز أن تكون هدفاً، وإنما وسيلة لتحقيق هدف أسمى يتضمن صيانة الحقوق، والتقيد بالقوانين التي تنظم حياة الفرد والمجتمع بآن معاً.
ولكل مجتمع من المجتمعات البشرية خصوصيته وطرائق تفكيره التي تحدد طرائق السلوك لدى أبنائه.
ومن الضروري المواءمة بين مكونات المجتمع بغض النظر عن وجود أفراد قد يخالفون القوانين المرعية، ويقدمون على أفعال تنعكس سلباً على غيرهم، وتضر بمصلحة الدولة والمجتمع، وهذا يجعلهم عرضة للمساءلة والمحاسبة على أفعالهم، فكل شخص مسؤول عن سلوكه وفق منطق القانون الذي ينظم حياة الأفراد والدولة والمجتمع، ومن المهم التأكيد هنا على أن مراسيم العفو العام لا تلامس الحقوق الشخصية التي تبقى مصونة بشكل كامل، ولذا تضمن المرسوم أن أحكام التخفيف للجنايات التي تسببت بضرر شخصي لا تطبق إلا إذا أسقط الفريق المتضرر حقه الشخصي.
أما ما يتعلق بالحق العام فهو شأن خاص بالدولة، ومن حقها التنازل وفق ما تراه مناسباً عن حق ملاحقة المخالفين والمرتكبين أعمالاً جرمية أو جنائية، ومحاسبتهم على أفعالهم المتناقضة والقوانين المرعية السائدة، وعندما تتسامح الدولة ويصدر مرسوم عفو عام فهذا يؤكد حرص الدولة على اعتماد التسامح والمسامحة وسيلة لإصلاح من ضل الطريق وفقد بوصلة التوجه الصحيح، والأخذ بيده بدلاً من الضرب عليها لضمان عودته كعضو فاعل في المجتمع، بدلاً من أن يبقى ملاحقاً لتنفيذ عقوبة مستحقة على جرم مرتكب، مع الأخذ بالحسبان أن الحروب عبر التاريخ تخلف العديد من الأزمات والسلوكيات المتناقضة والعرف المجتمعي العام، والمخالف للقوانين المرعية، ومن المهم اعتماد التسامح كرافعة أساسية للتخفيف من المفرزات السلبية الحتمية لأي حرب، وتسامح الدولة مع أبنائها دليل حرص ومحبة واهتمام، ويجب أن يقابل ذلك باندفاع ذاتي للاستفادة من مرسوم العفو، وإعادة وصل ما انقطع من علاقات شخصية وعامة، والعمل الجاد والمسؤول مع بقية أبناء الوطن لتعميم ثقافة التسامح والتواصل الخلاق واحترام الأعراف والقوانين، والتقيد بها ضمن الوسط المجتمعي الذي يزدهر بالمحبة والتعاون والعمل المشترك، بدلاً من العمل بالأحقاد والضغائن وثقافة الانتقام التي تنعكس سلباً على الجميع.
*هل تدلل مراسيم العفو برأيك على العلاقة القوية بين الدولة والمجتمع؟ وما الدلالات النفسية التي تتركها مراسيم العفو على المشمولين بالعفو وذويهم؟.
سؤال مهم جداً فتكرار صدور مراسيم العفو يدل على اليقين بأن هذه المراسيم لا تضعف الدولة بل تزيدها قوة، وتزيد المجتمع قناعة بأن عودة من خرج على السلطات الرسمية للدولة إلى كنفها كغيره من أبناء الوطن يساعد الدولة والمجتمع على الانتقال من الواقع القائم إلى غد أفضل، وهنا تتجلى المواطنة المسؤولة على حقيقتها، حيث الموازنة بين الحقوق والواجبات، وهذا ما لا يستطيع من تشملهم مراسيم العفو التمتع به إلا من خلال مضمون المراسيم التي تعني إطلاق سراح من دخلوا السجن لسبب أو لآخر وشملهم العفو، كما تعني تقديم الضمانة لمن لا يزال متوارياً أو فاراً أو مقيماً في مناطق ليست خاضعة لسيطرة الدولة أو خارج جغرافيتها، ويخشى العودة لأنه يعلم أن ما فعله يتطلب المساءلة والمحاسبة لأنه مخالف للقانون، وبصدور مرسوم عفو تُزَال الصفة الجرمية بكليتها وفق الأحكام والمواد التي يتضمنها كل مرسوم، وطالما أن الشعب يشكل الضلع الثالث في بنيان أي دولة: (أرض ــ شعب ــ مؤسسات السلطة) فعودة أي جزء من الشعب للانخراط في بنية الدولة والمجتمع يشكل رافعة لتماسك المجتمع وتعزيز هيبة الدولة وتمكين مؤسساتها الحكومية والشعبية من متابعة تنفيذ المطلوب منها وفق السياسة العامة للدولة.
النقطة الأخرى المتعلقة بالدلالات النفسية التي تفرزها مراسيم العفو يمكن القول: عندما يكون الفرد محكوماً بالتوتر والقلق والاضطراب النفسي فإن قدرته على التفكير الصحيح تصبح في حدودها الدنيا، وتدني القدرة على التفكير الموضوعي المستند إلى الواقع والمحاكمة العقلية تفقد صاحبها إمكانية اتخاذ القرار الصحيح، وهذا يعني زيادة احتمال تكرار الأفعال الخاطئة ورفع سقوفها التي قد تقود إلى مستويات أعلى من الجرائم والجنايات والجنح والمخالفات والعكس صحيح، فعندما تتم تنحية عوامل الاضطراب والقلق والتوتر يصبح المواطن قادراً على إعادة التفكير بسلوكياته بعيداً عن المؤثرات السلبية الخارجية التي لعبت دوراً كبيراً في دفع العديد من أولئك للوقوع في الخطأ عن جهل، أو عن سوء تقدير العواقب، أو تحت تأثير الاضطراب وغياب الصمود النفسي والثبات الانفعالي، واليوم أصبح واضحاً وجلياً أن الدولة السورية بكل مكوناتها كانت مستهدفة على امتداد أكثر من اثني عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، وكانت مكرسة لتعصف بالدولة السورية تمهيداً لاعتمادها منصة متقدمة لتفتيت بقية دول المنطقة وتشظية المجتمعات والشعوب، ومن الطبيعي أن بقاء الدولة بفضل صمود شعبها وتضحيات جيشها وحكمة قائدها ودعم أصدقائها سيترك دلالاته وتداعياته، وسيساهم في توضيح حقيقة الاستهداف الممنهج، ويسلط الأضواء الكاشفة على الحقيقة العدوانية وحجم التضليل الهائل الذي تعرض له المواطن السوري والرأي
العام الداخلي والإقليمي والدولي.
ولا شك أن قدرة الدولة السورية على الصمود تزيد من الثقة بصوابية خياراتها التي اعتمدتها، وهذا يشكل قيمة مضافة وحافزاً نوعياً لمن ارتكبوا الأخطاء والأفعال المخالفة للقانون للمبادرة والاستفادة من أحكام مرسوم العفو الذي يمنح أولئك الكثير من الاستقرار النفسي والثقة بالدولة السورية وحرص جميع مكوناتها الرسمية على بلورة قرار قائد الوطن والتقيد الحرفي بتنفيذه، واحتضان كل من يقرر وضع حد لحالة القلق والتوتر والاضطراب بالعودة إلى الوطن، واستثمار مرسوم العفو الجديد لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة عنوانها المساهمة مع بقية أبناء الوطن لمتابعة تحرير ما بقي من جغرافيا تحت سيطرة الاحتلال التركي أو الأمريكي أو الإسرائيلي أو أي تنظيمات انفصالية وإرهابية مسلحة لا مستقبل لها ولا إمكانية لاستمرارها، ومحكوم عليها بالزوال عاجلاً أم آجلاً.
* ما أهمية هذا المرسوم والفئات التي شملها؟
صدور عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 16/11/2023 يعني منح كل من تشملهم أحكام المرسوم التشريعي رقم /36/ لعام 2023م. فرصة جديدة للعودة إلى حياتهم الطبيعية ضمن الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه بعيداً عن كل مشاعر الخوف والقلق من الملاحقة القانونية والتوقيف والمحاكمة، ولعل الجانب الأهم في المرسوم يتجلى بالمروحة الكبيرة من الجرائم المشمولة بدرجاتها المتفاوتة بدءاً بأشد الجنايات المعاقب عليها بالإعدام، وانتهاءً بالمخالفات البسيطة، إضافة إلى تدابير الإصلاح والرعاية بالنسبة للأحداث، وباختصار شديد يمكن القول إن عدد الجرائم المستثناة من التشميل بالعفو قليلة، وتكاد تقتصر على الجرائم الكبرى والخطيرة كجرائم الخيانة التجسس، أو تلك الجرائم التي نتج عنها وفاة شخص أو أكثر إضافة إلى عدد من الجرائم الأخلاقية المرفوضة في العرف المجتمعي السوري، وطبيعة الشعب السوري لا تقبل أن تشمل بالعفو كجرائم الاغتصاب وما شابهها.
السمة الأبرز في هذا المرسوم الجديد للعفو العام تتجلى في التركيز على الجوانب الإنسانية والمجتمعية، وما له علاقة بالإرث القيمي والأخلاقي للمجتمع السوري، حيث شمل العفو كامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمصاب بمرض عضال، وكامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة لمن صدر بحقه حكم مبرم ممن بلغ عمره السبعين عاما إذا كان جرمه مشمولاً بالعفو، وهذه جوانب إنسانية واجتماعية مهمة جداً.
النقطة الأخرى التي يجب الإشارة إليها هنا متعلقة بالهدف الإصلاحي للمرسوم، وكأنه يقول لمن أخطأ: تشميلك بالعفو يجب أن يدفعك للإقلاع عن الخطأ الذي ارتكبته، أي أن المنطلق بالعفو مستند إلى نظرة إنسانية إصلاحية، ولذلك شمل العفو متعاطي المخدرات، ولم يشمل الاتجار بها ولا الترويج لها، ولا نقلها أو تقديمها للآخر انطلاقاً من أن المتعاطي ضحية، وهو شخص مريض ويحتاج إلى المعالجة والمساعدة، ومن شأن تشميله بالعفو أن يحمل ذاك المريض ويدفعه نحو ترك تلك الممارسة الخاطئة، والأثر المجتمعي الذي قد يترتب على ذلك كبير، ويمكن أن يبنى عليه الكثير الإجراءات الكفيلة بتخليص المجتمع من العديد من الظواهر السلبية وتداعياتها المرتبطة بموضوع المخدرات.
إضافة إلى الجانب الإصلاحي والتوجيهي في أحكام المرسوم هناك الجانب التحفيزي، ويظهر هذا الأمر بوضوح في الفقرة الخاصة بالخطف وحجز الحرية، فالعقوبة المترتبة على ذلك كبيرة وجنائية، ومع ذلك شملها المرسوم بالعفو إذا قام الخاطف بتسليم المخطوف بشكل آمن، ومن دون طلب أي فدية، بغض النظر عن خلفية الخطف انتقامية كانت، أو للحصول على فدية.
العفو عن جرائم الفرار الداخلي والفرار الخارجي بالنسبة للعسكريين إذا سلّم الفارّون أنفسهم خلال ثلاثة أشهر بالنسبة للفرار الداخلي وستة أشهر بالنسبة للفرار الخارجي، وهذا يعني أن العفو لم يقتصر على إسقاط العقوبة، بل منح أولئك مهلة زمنية لترتيب أمورهم، والمبادرة للاستفادة من أحكام مرسوم العفو.
بإيجاز ووضوح يمكن القول: إن مرسوم العفو العام رقم 36 لعام 2023م. يتضمن عفواً كلياً عن كامل العقوبة لعدد من الجرائم المحددة بدقة في نص المرسوم، كما يتضمن عفواً جزئياً عن نصف العقوبة في الجنح المتعلقة بالوظيفة العامة، وآخر عن ثلث العقوبة الجنائية المؤقتة، إضافة إلى استبدال عقوبات بعض الجرائم بأخرى مخففة: الإعدام تستبدل بالسجن المؤبد، والسجن المؤبد تستبدل بالمؤقت لمدة عشرين عاماً، والاعتقال المؤبد تستبدل بالاعتقال المؤقت لمدة عشرين عاماً، وهناك شرط أساسي ليستفيد طالب الاستبدال، وهو أن يكون الفريق المتضرر قد أسقط حقه الشخصي عن الجاني.
* من التسويات إلى المصالحات إلى مراسيم العفو الكثيرة التي تؤكد عمق الرؤية للقيادة السورية لتوثيق روابط التآخي بين السوريين وإقفال ملفات الاتجار بمفرزات الحرب عليهم التي استهدفت قبل كل شيء شق الصف السوري وتمزيق النسيج التاريخي المتين والفريد..
هل تأتي من هنا مكارم العفو العديدة التي أصدرها السيد الرئيس والتي كان فيها تخصيص للفارين داخلياً وخارجياً لتسليم أنفسهم وتسوية أوضاعهم؟
** المتابع لتفاصيل الحرب التي واجهتها سورية منذ آذار 2011 وحتى اليوم يدرك أن ما واجهته الدولة السورية تعجز دول عظمى عن مواجهة بعض بعضه، وما كان لسورية أن تحافظ على صمودها ومقومات وجودها واستمراريتها إلا بفضل التكامل الخلاق بين الثالوث السوري الذهبي: الشعب الوفي، والجيش الأبي، والقائد الاستراتيجي الذي قاد السفينة بحكمة واقتدار، وواجه أعتى العواصف والأعاصير، واستطاع أن يثبت للعالم أجمع أن سورية لا تؤخذ بتهديد أو وعيد، ولا يصادر قرارها بترغيب أو ترهيب، وهي لا تساوم على قناعاتها، ولا تتخلى عن ثوابتها ومبادئها التي تفتخر بها وتعتز، ولأن الدولة السورية تدرك أن الحرب المفروضة عليها مركبة ومزمنة قررت مواجهة فصول الحرب وتداعياتها برباطة جأش وبعد نظر ورؤية إستراتيجية تأخذ بالحسبان التحديات والفرص والمخاطر والتهديدات، ومن هنا يمكن القول: إن المصالحات والتسويات التي اعتمدتها الدولة السورية كانت أحد أشكال المواجهة الواعية والمسؤولة في خوض غمار الحرب المركبة المفروضة، وبفضل ذلك تم تطهير مناطق جغرافية واسعة من الإرهاب التكفيري المسلح بمختلف مسمياته وأشكاله ومرجعياته، كما تم توفير الكثير من الدماء الطاهرة التي كانت ستسفح لو لم يتم اعتماد التسويات والمصالحات، والأمر ذاته يمكن أن ينسحب على مراسيم العفو المتعددة التي أصدرها السيد الرئيس وكان لها الأثر الكبير والبالغ في تحصين الوعي المجتمعي السوري وتأمين حمايته من عملية الكي الممنهجة التي أسقط في أيدي أصحابها، وهم يرون بأم العين كيف تتجاوز الدولة السورية الأفخاخ والمطبات، وتخرج في كل فصل من فصول المواجهة أكثر قوة، وأشد عزيمة، وأعلى همة وتصميماً على المتابعة وبذل كل جهد ممكن لتحرير كل شبر من براثن الاحتلال بمختلف مسمياته وأشكاله.
إن المرسوم الجديد للعفو الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد يمنح فرصة غالية وثمينة لكل من وقع في المحظور، ومن حقه أن يستفيد من أحكام المرسوم، ويعود إلى بيئته المجتمعية مواطناً قادراً على المساهمة الفاعلة في ترسيخ أصالة الهوية الوطنية السورية ومواجهة كل ما قد يتفتق عنه خبث الذهنية الصهيو – أمريكية من فصول جديدة لن يكون نصيبها إلا الفشل كسابقاتها التي تحطمت تباعاً على صخرة الصمود السورية لتبقى دمشق عاصمة الياسمين، وعنوان العزة والكرامة والسيادة رغم أنوف طواغيت الكون.