الثورة – وداد محفوض:
تتزايد خلال السنوات الأخيرة في محافظة طرطوس نسبة المرضى الذين يقصدون الصيادلة، أو يلجؤون إلى الطب البديل للتداوي من الأمراض.
توجههم هذا، وعلى الرغم مما قد يحمله من مخاطر صحية محتملة، يأتي في رحلة بحث عن علاج أقل تكلفة، ولا سيما مع ارتفاع أجور المعاينات الطبية التي تصل إلى ما بين 50-100 ألف ليرة للمعاينة، وسط أوضاع معيشية صعبة.
في استطلاع لصحيفة الثورة، حول تلك الظاهرة، أكد عدد من المواطنين أنهم يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة، لا تمكن بعضهم من زيارة الطبيب، ومنهم والد الطفلة سالي أحمد.
عجز عن دفع المعاينة

إذ يبين أنه قصد إحدى الصيدليات في الحي الذي يقطنه بطرطوس بعد أن أصيبت ابنته بآلام في البطن والرأس والحلق، إذ قام الصيدلاني بقياس حرارتها وفحص حلقها باستخدام خافض لسان، ثم وصف لها ثلاثة أدوية، محدداً الجرعات المناسبة.
وبرر الأب عدم ذهابه إلى الطبيب بعدم قدرته على دفع أجرة المعاينة التي تصل إلى خمسين ألف ليرة سورية، وترتفع حسب اسم الطبيب وشهرته، مؤكداً أن عمله الحر يجعله يعيش وعائلته “يوماً بيوم”.
وبينت (مرفت. س) أم فادي، وهي ربة منزل وأم لأربعة أطفال، أنها تعتمد على الصيادلة لتحديد الأدوية اللازمة لعائلتها، وأن بعض الصيادلة يمتلكون خبرة واسعة في معالجة الأمراض الموسمية، كالرشح والإنفلونزا واضطرابات الجهاز الهضمي، ورأت أن الصيدلاني أحياناً قد يصحح وصفات الأطباء، ويقدم بدائل دوائية أكثر فاعلية وأقل تكلفة.
كادت تتعرض للإجهاض
في المقابل، أشارت نبيلة محمد 35 عاماً، وهي حامل، إلى أنها كادت تتعرض للإجهاض بعد تناول دواء وصفه لها صيدلاني تثق به لمعالجة ألم في الخاصرة، قبل أن تعلم لاحقاً أن الدواء يشكل خطراً على الحوامل، وأكدت أن طبيبها الخاص نبّهها إلى خطورة تناول أي دواء من دون استشارة طبية.
ويشير رئيف المحمد، 50 عاماً، إلى أنه يفضل التداوي بالأعشاب على الأدوية الكيميائية، وأنها أكثر أماناً على الصحة، فهو لا يزور الطبيب إلا في الحالات الحرجة، ويرى أن الفقراء لا يستطيعون الذهاب إلى الطبيب باستمرار، لأن الأطباء “لا يرحمون المريض”، على حد تعبيره.
ضعف الوعي الصحي
من جانبها، أوضحت الصيدلانية سارة أحمد، أن المشكلة لا تقتصر على الظروف الاقتصادية فحسب، بل تمتد إلى ضعف الوعي الصحي لدى المواطنين الذين يشخّصون حالتهم بأنفسهم، أو يعتمدون على نصائح الآخرين في التداوي.
وأكدت أن أكثر الطلبات شيوعاً في الصيدليات، تتعلق بأدوية الزكام ووجع الرأس والمغص للأطفال والكبار، مشيرة إلى أن استمرار تأثير ثقافة “المعرفة الخاطئة” المتجذرة بين الناس، يؤثر سلباً على صحتهم، و أنه لا يجوز للصيدلاني تجاوز دور الطبيب في التشخيص ووصف الدواء.
لا يلغي أهمية الاستشارة
من جانبه، يبين العطار إياد عبد الباري، أحد المعالجين بالأعشاب، إلى أن المواطنين يلجؤون إليه بسبب الثقة الكبيرة بالمواد الطبيعية، وسعيهم للابتعاد عن الأدوية الكيميائية لما لها من آثار جانبية، مؤكداً أن التداوي بالأعشاب آمن ومتوفر وأثبت فعاليته.
وأضاف عبد الباري: إن بعض الناس يفضلون الأعشاب، لأنها خالية من المواد الكيماوية وآمنة على الصحة على المدى البعيد، وخصوصاً في الحالات البسيطة، كآلام المعدة أو الزكام، مشدداً على أن التداوي الطبيعي لا يُلغي أهمية الاستشارة الطبية في الحالات الحرجة.
داخل عيادة الطبيب
بدوره، أكد طبيب الأسرة، الدكتور وسيم تفاحة، أن التداوي السليم، يجب أن يتم داخل عيادة الطبيب المختص، إذ يتحمل الطبيب مسؤولية التشخيص ووصف العلاج ومتابعة الحالة، مشيراً إلى أن هذا المسار هو الأضمن لصحة المريض.
وأوضح أن تراجع الأوضاع الاقتصادية، يدفع كثيرين للجوء إلى العطارين أو الصيادلة طلباً للعلاج بتكلفة أقل، وخصوصاً من فقدوا تغطيتهم التأمينية أو يعانون من ظروف طارئة.
وشدد على ضرورة اعتماد سياسة ضمان صحي شامل بشروط ميسّرة لجميع فئات المجتمع، لأن الحل -برأيه- يبدأ من دعم المواطن اقتصادياً ومعيشياً.
ونوّه الدكتور تفاحة بأن المشافي والمراكز الصحية الحكومية، تقدم خدمات جيدة ومجانية أو شبه مجانية، وتشهد إقبالاً واسعاً، ودعا إلى نشر الوعي للاستفادة منها، وعدم اللجوء إلى الصيدلاني إلا في الحالات البسيطة، مؤكداً أنه في حال تسبب الصيدلاني بضرر للمريض، يجب محاسبته قانونياً.
فاعلية بشروط
وأوضح أن طبّ الأعشاب له فاعلية مثبتة، لكن يجب أن يكون على يد متخصصين مرخصين، وأن تكون المستحضرات مرخصة، ومن شركات معتمدة لتفادي أي آثار سلبية، لافتاً إلى أن العديد من الشركات أثبتت نجاحها في هذا المجال.
وأكد د. تفاحة أن دور الطبيب يبقى أساسياً في التشخيص والعلاج، ولا سيما لمرضى الأمراض المزمنة، كأمراض القلب والكبد والكلى، وحالات الحمل، أو أي حالة تستدعي مراقبة مستمرة، مضيفاً: إن استقرار الوضع الاقتصادي، سيعزز التوجه نحو الضمان الصحي، بوصفه الملاذ الآمن للمريض.