الثورة – إخلاص علي:
بعد سنوات طويلة من الحرب والعقوبات، هل يمكن للاقتصاد السوري أن ينتعش حقاً، بينما تغلب كفة الواردات مثيلتها من الصادرات بشكل ساحق؟.
فرغم نمو الأخيرة بنسبة 39 بالمئة في النصف الأول من 2025، إلا أن هذا الارتفاع يبقى متواضعاً أمام حجم الواردات المتسارعة – التي تضاعفت ثلاث مرات على الأقل منذ 2024، ما يضغط على ميزان المدفوعات والاحتياطيات الأجنبية المحدودة عند 200 مليون دولار، مع إنفاق إضافي كبير على استيراد السيارات والسلع الاستهلاكية.

أضعاف الصادرات
في حديثه مع “الثورة”، عبر أحمد الدالاتي، تاجر في سوق الحميدية بدمشق، عن إحباطه بالقول: بعد عقود من العمل في سوق مغلق ومحمي وجدنا أنفسنا فجأة في قلب تحدٍّ غير متكافئ، الانفتاح الاقتصادي شرّع الأبواب أمام منتجات مستوردة من كل أنحاء العالم بأسعار تنافسية وأساليب تسويق حديثة، لنكتشف بعدها أن خبرتنا الطويلة في الإنتاج لم تعد كافية وحدها للبقاء، في ظل ارتفاع التكاليف المحلية بنسبة تصل إلى 50 بالمئة بسبب نقص الطاقة والمواد الخام.
بينما طالب محمد الشامي، تاجر آخر في دمشق، الحكومة بتبنّي خطة واضحة لدعم الإنتاج المحلي وإلا ستستمر هذه المنافسة غير المتكافئة في تدمير الاقتصاد المحلي الذي تعتمد عليه آلاف العائلات.
وفي السياق ذاته، أظهرت البيانات الشهرية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة في الأردن نمواً كبيراً في النشاط التجاري مع سوريا خلال 8 أشهر، فقد بيّنت الأرقام أن صادرات الأردن إلى سوريا ارتفعت بنسبة تقارب 400 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي وبلغت 214 مليون دولار، في حين إن مستوردات الأردن من سوريا خلال الفترة ذاتها بلغت 95 مليون دولار وبزيادة قدرها 100بالمئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي.
حتى الآن لا يسمح الجانب الأردني بدخول الكثير من المنتجات السورية إلى أسواقه، فهل يتم تصحيح الميزان التجاري بين البلدين وفتح الأسواق الأردنية أكثر أمام المنتجات السورية؟.
معضلة تُبطئ التعافي
يُحلل الباحث الاقتصادي فادي ديب الوضع بقوله: هذه المعضلة ليست مصيرية، لكنها تُبطئ النمو المتوقع بنسبة 1-2 بالمئة إذا استمرت، خاصة مع ارتفاع الواردات التي تبتلع الاحتياطيات الأجنبية المحدودة عند 200 مليون دولار.
واقترح أن يتم تأسيس مؤسسة وطنية حقيقية تُعنى بتأهيل الصناعيين وتطوير مهاراتهم لتحويل أزمة الانفتاح الاقتصادي إلى فرصة حقيقية لنهضة صناعية سورية حديثة.
وأضاف خلال حديثه لـ”الثورة”: يجب على الوزارة فرض رسوم جمركية تدريجية ودعم الإنتاج المحلي عبر برامج تمويل، لتحويل الواردات إلى فرص تصديرية، مع التركيز على إصلاحات مؤسساتية فورية مثل تنظيم سوق الصرف لمنع التذبذب وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية لتصدير المنتجات الزراعية والصناعية، وإلا ستُعمّق الفقر الذي يصيب 90 بالمئة من السكان.
الصمت الرسمي
وللحصول على توضيحات رسمية راسلت “الثورة” وزارة الاقتصاد والصناعة عبر مكتبها الصحفي، والذي وجّهَنا بدوره إلى اتحاد المصدرين؛ وتم التواصل معهم وإرسال أسئلة مفصلة واستفسارات حول سياسات ترشيد الواردات وآليات المراقبة، ولم نتلقّ حتى لحظة نشر هذا التحقيق أي رد عن الأسئلة المرسلة، رغم تكرار الطلبات.
هذا الصمت يُثير تساؤلات حول الشفافية، خاصة في سياق تقرير البنك الدولي الذي يتوقع نمواً اقتصادياً متواضعاً بنسبة 1 بالمئة فقط، مع تحذير من أن الواردات غير المنظمة تُعيق الإمدادات والاستثمار.
في الختام، يبقى الأمل معلقاً بجهود مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق نمو مستدام يفوق التوقعات المتواضعة بنسبة 1بالمئة، ويُعزز القدرة الإنتاجية، ما يُسهم في بناء اقتصاد قوي يعكس إرادة الشعب السوري في التعافي، قبل أن يتحول الضغط التجاري إلى عقبة دائمة أمام الانتعاش المنتظر.