ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
يفتح التصعيد الأميركي المزدوج في السياسة والميدان الأسئلة المحظورة حول السياسة الأميركية في المنطقة وخارجها وما تقتضيه من ترتيب وظيفي لأدوات الإرهاب، في وقت تستمر مبازرة الرئيس ترامب ومتاجرته الرخيصة في سوق التناحر الخليجي، وتقطف أولى خراجها من الجيب القطري، من دون أن تنتظر طويلاً.
الخطوة تعكس قراراً واضحاً بالاستثمار في تصدع المشيخات من جهة، ومحاولة الإمساك بخيوط اللعبة حتى آخرها في قضايا وملفات تتفاوت في درجة سخونتها من جهة ثانية، ومن غير أن تتردد في صب الزيت على النار حيثما خمدت أو كادت تخمد في ثالثة، وصولاً إلى إعادة توضيب الأدوار الوظيفية داخل منظومة الإرهاب من دول وأشباه دول وكيانات وتنظيمات وحتى مرتزقة.
فالدخول الأميركي العلني بسلاحه «المتطور» وإقامة نقاط تمركز داخل الأراضي السورية ليس لمواجهة داعش، ولا هو من أجل تدعيم تحالفها الكاذب والمخادع، بل يشكل انزلاقاً خطيراً في الممارسة الأميركية ويتنافى مع الحد الأدنى من الشرعية الدولية، كما يفتقد لشرعيته داخل المؤسسات الأميركية ذاتها، باعتباره خطوة أحادية وبقرار أميركي أحمق وأرعن، يكشف كذبة التباين في مستويات القرار الأميركي، لأن أي خطوة بهذا الاتجاه لا يمكن أن تتم من دون توافق على أعلى مستويات القرار الأميركي وبموافقة مختلف الجهات.
والأسئلة الصعبة المحققة تلقائياً من أي مقاربة بهذا الخصوص تأتي من المقارنة العملية مع مفهوم القرار الأميركي ومفاعيله السياسية وأدوات استخدامه ومنافذ ترجمته على الأرض، في وقت تنحدر فيه المواجهة الأميركية مع العالم بمختلف اتجاهاته إلى سياقات تبدو أصعب بكثير مما كان متوقعاً بما فيها الانسحاب من اتفاقية باريس، وليس انتهاء بإلغاء ما اتفقت عليه الإدارة السابقة مع كوبا، والعودة إلى سياسة الهيمنة والسطوة والتلويح بالقوة الأميركية لحل المشكلات والخلافات، وصولاً إلى الاحتمالات الأكثر مدعاة للقلق العالمي حيال مختلف التوجهات الأميركية بعد تآكل مصداقيتها، حيث تتحول في سياستها إلى دولة مارقة، أشبه بكيان ناشئ كل إدارة تنسف ما سبقها وتلغي ما يلحق بها، والأخطر أنها لا تقف عند حدود ولا تتعاطى مع أي سقوف.
في التقاطعات السياسية مع المشهد بمختلف فصوله المتداعية والقائمة على معايير تتجاوز حدود المقاربة المنطقية أو تلغيها من حساباتها بعناوينها كما في التفاصيل الجزئية، يبدو التصعيد الأميركي والعودة للتلويح بالعصا واستعراض عضلات القوة الأميركية عسكرياً وسياسياً مجرد قصف تمهيدي لا يكتفي بما أشاعه من خراب ودمار، بل يحضّر لجولة مواجهة ساخنة على المستوى العالمي لا تأخذ بصيغ العلاقات الدولية وما تمليه من تعاقدات شفهية أو مكتوبة مع إعادة تموضع في الأدوار الوظيفية للدول والتنظيمات والمرتزقة.
وهنا تبرز على الجانب الآخر معضلة التفاهمات مع أميركا، وكأنها أبعد من السراب ذاته، بدليل أن الاتفاقات وحتى التعهدات الموقعة لا قيمة سياسية أو أخلاقية لها لدى الإدارة الأميركية الحالية، فما بالك بتفاهمات غير مكتوبة والتي تبدو أقرب إلى رقعة من الأكاذيب المتداولة وسياق أشد خطورة يتورم فيه الوهم ويستطيل إلى حد الاستعصاء المرضي عند أي حديث عن المصداقية الأميركية.
فإذا كانت المليارات السعودية التي تجاوزت المئات لم تنفع في جذب الأميركي ليكون إلى جانبها بالمطلق، ولم تحسم وقوفه في كفتها بشكل كلي، فكيف لعشرات منها أن توقف التهديد الأميركي المبطن أو المعلن تجاه مشيخة قطر؟ حيث ما نراه ليس أكثر من رأس جبل الجليد في أطماع ترامب، ولا يعدو كونه عينة متواضعة من الصفقات التجارية التي تجاوزت صفة الرشوة السياسية وباتت أقرب إلى الجزية السياسية المتورمة، ليكون ترامب في الفتوى السعودية مرسلاً فعلياً لفرض الأتاوات وفق عقلية الكاوبوي الأميركي، لكن بنسخة محدثة أساسها منطق الربح والخسارة وتدويل مفهوم إدارة الشركة على السياسة الأميركية ذاتها.
الأخطر.. ما يتسرب من أحاديث عن مخططات يبدو أن السعودي يدخل إليها من باب ضريبة دفع الثمن المسبق أو كجزء من أعباء الصفقة السياسية غير المعلنة، أو كنسخة تجريبية من الدور الجديد والمهمة الوظيفية للإرهاب السعودي بطبعته المعدلة، بما فيها حالة تبديل القبعات، حين يقوم الأميركي بتمويل سعودي بنزع قبعة الدعم الإرهابي من هذا الفصيل ليضعها على رأس ذاك المرتزق، حسب أهواء وسياسات أميركية لا يؤتمن جانبها بما فيها تحالفاتها على الأرض، حيث من تدعمه اليوم ليس بالضرورة هو ذاته الأداة المعتمدة ليوم غد، ومن يجاهر بصداقته ويمارس العدوان دفاعاً عنه ليس هناك من ضمانة بألا يكون خصمه في وقت ليس ببعيد..!! بما فيهم أولئك الذين ينفخون بأوهامهم في كيانات مصطنعة، لم ولن تكون أكثر من حقل تجارب لأمزجة أميركية متقلبة ومنفلتة..!!
a.ka667@yahoo.com