الثورة – ربا أحمد:
معرض دمشق الدولي بوابة واسعة لاستضافة العالم في سوريا، ومرآة عاكسة لإنتاج أبناء سوريا من تجار وصناعيين ومستثمرين ومزارعين، كما أنه شكل يداً اقتصادية جامعة للإنتاج السوري والعالمي عبر التاريخ.
فكيف يمكن استثمار هذا الدور الاقتصادي العريق للمعرض، من قبل أبناء محافظة طرطوس اليوم بمختلف أطيافهم؟
الدكتور الأكاديمي سلمان ريا، بين أن معرض دمشق الدولي واحد من أبرز العلامات الفارقة في تاريخ سوريا الاقتصادي والثقافي، فقد مثّل منذ انطلاقته، منتصف القرن الماضي، منصة وطنية رحبة تلتقي فيها الزراعة بالصناعة، ويتجاور فيها المنتج الوطني مع المستورد والمستثمر، ويجد فيها المزارع والصانع باباً مشرّعاً نحو أسواق العالم.
لم يكن المعرض مجرد صالة للعرض والبيع، بل كان فضاءً حضارياً متكاملاً، يحمل إلى جانب النشاط الاقتصادي أبعاداً فنية وثقافية، رسّخت في الذاكرة العربية صورة دمشق كعاصمة للفن والاقتصاد معاً، إذ ارتبطت به أسماء خالدة كالرحابنة وفيروز، وجعل منه السوريون أيقونة سنوية تجمع المتعة والمعرفة والعمل والإبداع.
وأضاف د. ريا: إن سنوات الحرب وما رافقها من حصار وضغوط، أضعفت هذا الدور، فانكفأ المعرض وتضاءلت مكانته، شأنه شأن الاقتصاد السوري الذي أصابه الوهن.
ومع ذلك، فإن عراقة هذا الصرح لا تسمح بموته، فالموقع الجغرافي لسوريا، وما يتيحه من تواصل بري وبحري وجوي، ما زال يؤهلها لأن تكون مركز عبور اقتصادي وثقافي، والمعرض هو البوابة الأوسع لإحياء هذه المكانة واستعادة بريقها.
وأشار إلى أن ربط الزراعة بالصناعة عبر معرض دمشق الدولي يفتح آفاقاً استراتيجية للتنمية المستدامة، فالمحاصيل الزراعية السورية، ولاسيما في محافظة طرطوس، التي تتميز بإنتاجها الوفير من الحمضيات والزيتون والتبغ، يمكن أن تجد في المعرض ساحة لتسويقها وتوقيع عقود تصديرها وربطها بصناعات تحويلية حديثة كصناعة العصائر والزيوت والمعلبات.. وهنا تتجلى أهمية الساحل السوري، إذ يشكّل ميناء طرطوس منفذاً حيوياً قادراً على تحويل ما يُعرض في دمشق إلى بضاعة متدفقة نحو العالم.
كما يتيح المعرض فرصة لعرض الصناعات الوطنية الأخرى، من النسيجية إلى الدوائية والهندسية، وربطها مباشرة بالمستوردين والشركات المشاركة من الخارج، بما يعيد للمنتج السوري موقعه في الأسواق الإقليمية والدولية.
ولفت إلى أن ما ينطبق على الاقتصاد، ينطبق على المجتمع أيضاً، فالمعرض ليس مجرد تجارة وأرقام، بل هو حافز لاستعادة الثقة بالذات الوطنية، وإشارة إلى قدرة سوريا على النهوض من بين الركام.
فإذا ما أُعيد تنظيمه برؤية اقتصادية عميقة تستحضر مفاهيم التنمية المستدامة، فإنه قادر على تحريك السوق الزراعية، واستنباط فرص استثمارية جديدة، وتنشيط السياحة الاقتصادية، وربط الساحل السوري بالعالم عبر مشاريع لوجستية حديثة.
إنه ليس ترفاً، بل ضرورة، لأن التنمية لا يمكن أن تقوم من دون منصات وطنية جامعة، تعرض الإنتاج وتفتحه على آفاق جديدة.
وفي النهاية، أكد أن استعادة الدور التاريخي لمعرض دمشق الدولي، تشكل رافعة لإعادة صياغة دور سوريا في محيطها، فهو ملتقى اقتصادي وثقافي قادر على أن يعيد للبلاد مكانتها، ويحوّل ذاكرتها العريقة إلى مشروع مستقبلي، يوازن بين حاجات الداخل وتطلعات الخارج، بين الزراعة والصناعة، بين الإنتاج المحلي والمستوردين والمستثمرين.
إن دمشق إذ تفتح أبواب معرضها من جديد، إنما تفتح أبواب الأمل لسوريا كلها، ولطرطوس والساحل على وجه الخصوص، ليكون المعرض جسراً يربط الأرض بالبحر، والماضي بالمستقبل، ويجعل من التنمية المستدامة واقعاً لا شعاراً.