الثورة – رفاه الدروبي
عاد الكاتب محمود عيسى بذاكرته إلى بدايات القرن الحالي، وبدء الثورة السورية ليدع يمينه تخط أياماً عصيبة من الاضطهاد والظلم والاعتقال جمعها في كتاب عنوانه “صفحات من طوفان مدينة حمص” لسردية كانت عبارة عن مذكرات تناولها في كتاب من القطع المتوسط، حمل بين دفتيه ١٤٥ صفحة الصادر عن دار نينوى وقعه في مقهى الروضة بدمشق.
تغطيته اعتصام حمص
الكاتب عيسى أشار لصحيفة الثورة إلى أنَّ الكتاب عبارة عن مقالات، وذكريات حصلت مع مجموعة من المناضلين رافقهم خلال اعتقالاته المتعددة ضد النظام البائد من الجنود المجهولين من عملوا من أجل سوريا وحريتها ومنهم ميشيل كيلو، الأب فرنسيس، المحامي أنور البني، صفوان طيفور، وغيرهم.
مبيناً أنَّه ابن مدينة بانياس يحمل شهادة الأدب الإنكليزي من جامعة اللاذقية، وجد في حمص ملجأ له كي يتخفى عن عيون العسس، وملاحقتهم باسم مستعار أطلقه على نفسه “عدنان حبيب سبأ”، والأسباب أنَّه معارض سياسي اتخذ موقفاً ضد نظام ديكتاتوري، فتنقل بين أحياء المدينة خشية اعتقاله، ورغم ذلك تمَّ إلقاء القبض عليه عدة مرات وأحدها كان بسبب إعلان دمشق بيروت عام ٢٠٠٠ مع ميشيل كيلو، وهناك استطاع الحصول على الشهادة الجامعية الثانية بالحقوق أثناء تواجده بالسجن، لافتاً إلى أنَّه أول من غطى اعتصام حمص وفضح ماحصل في حي باب السباع، وأدلى بمعلومات كل ماجرى لقنوات الفضائية، والنتيجة اعتقاله في السجن المركزي بحمص واصفاً إياه أنَّه كان من أصعب ما تعرض له .
تؤمن الإبداع السوري
بدوره الناشر أيمن غزالي أوضح أنَّ الدار لديها برنامجا مختلفاً عن برامجها السابقه لإيمانها بالإبداع السوري بشكل عام، والتجارب الشبابية الجديدة خاصة، وأبدى حرصهم مع نهاية الثورة وسقوط النظام البائد، ودخول البلد في مرحلة جديدة، للعمل على إخراج كل التجارب الممنوعة، وكان أصحابها لايتجرؤون على نشرها نتيجة توفر المناخ الملائم، واستطاعوا إصدار أكثر من تجربة لاقت قبولاً والغايه تقديم الإبداع لأفراد المجتمع المحرومين من القراءة للنوع ذاته، منوهاً بأنَّ الكاتب عيسى مناضلا سوريا وطنيا على مدى أربعة عقود قضاها في النضال الإنساني، والعمل التطوعي اعتبره من السوريين الشرفاء الأحرار من آمنت الدار بتجربته لتعرضه للاعتقال أكثر من مرة، ورفض الخروج من سوريا.
عتم الزنزانة
تناول الغلاف الأخير بداية اعتقاله في مدينة حمص يصف فيها مشاعره وأحاسيسه فيقول فيها “قبل منتصف الليل أصعدوني في سيارة” جيب” بعد أن وضعوا الأصفاد بيدي، وتحركت السيارة من مقر الفرع في حي الغوطة في اتجاه طريق الشام. كانت السيارة تسير جنوباً وقلبي يسير شمالاً، وكلما ابتعدت السيارة أكثر ازداد حزني، وطغى حضور أطفالي أكثر، والمصير المجهول الذي ينتظرني.
كانت السيارة تسير ببطء، وأصبح الطريق صعباً جداً بعد أن تجاوزنا قارة، وأصبح الضباب كثيفاً. نزلنا من السيارة بعد القسطل، وكنت أجلس في الوسط بين عنصرين أخذ السائق يتحدث عن بطولاته، في حين كنت غارقاً في تأويل احتمالات الاعتقال الجديد واستعيدُ في ذاكرتي يوم ٢٠٠٠/١١/١٦ عندما كنا خارجين من سجن تدمر.
كم المشاعر مختلفة ومتناقضة بعد الخروج من السجن آنذاك، والاعتقال الآن ستة أعوام تفصل بينهما ولا شيء جديد قد حصل ها هو ذا سجن عدرا، الذي طوانا سنين ولا يزال فيه العديد من الأحبة، وها هي ذي دمشق نائمة ومحايدة إلى كفرسوسة، ازداد وجيب قلبي حين دخلت السيارة من بوابة المجمع الأمني وسارت جنوباً ثم انعطفت إلى اليمين وتوقفت عند مدخل بناء غرف التحقيق والقبو.
فُتح باب الحديد ثم نزلتُ الدرجات إلى القبو، أمرني العنصر الذي استيقظ منزعجاً مني أن أخلع ثيابي ورباط الحذاء، وأقدِّم الهوية ثم أخذني إلى المنفردة الرابعة في السجن الشمالي وأدخلني ثم أغلق الباب. كانت المنفردة مستطيلة جنوب شمال، في أرضها بطانية فقط. خلعتُ حذائي ووضعت يدي تحت رأسي الذي أسندته إلى الحائط نظرت في عتم الزنزانة للمرة المئة، فتراءت لي صور من مرَّ عليها وسط العتمة تلمع عيونهم ولا تزال مرعبة وكريهةً وفتح “جرح الغياب! “.
