“وقت مستقطع”.. على المسرح الحقيقة تتعرى والأقنعة تسقط  

الثورة – متابعة – همسة زغيب:  

اشتعلت الأنفاس وتكشّفت الأرواح في عرضٍ مسرحيّ يعرّي الذات ويعيد تعريف الكرامة على خشبة سينما السلمية اليوم الساعة السابعة مساء، بعنوان “وقت مستقطع”، من تأليف جوان جان، وإخراج واجب الدرزي، وبطولة علي عبد الحميد وخالد محفوض، ضمن فعاليات مهرجان محمد الماغوط المسرحي الخامس.

قدّمت العمل فرقة سين للفنون المسرحية بدعمٍ من وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقا، ولم يكن مجرد عرضٍ، بل تجربة وجدانية عميقة، احتضنها جمهور متنوع من عشّاق المسرح ومن المهتمين بالشأن الثقافي، وتفاعلوا مع النص والأداء الصادق.

مرآة داخلية

بدأ العرض منذ اللحظة الأولى وكأنه مرآة تنقلب نحو الداخل، تعكس صراع الإنسان مع ذاته، وتكشف هشاشته حين تُسقط عنه الأقنعة.

تتأرجح الشخصيات بين التبرير والذنب، وبين الحاجة والكرامة، في نصٍّ يطرح سؤالاً وجودياً صارخاً: من نحن حين نُجرَّد من كل ما يسترنا؟

الديكور البسيط والإضاءة المدروسة منحا الخشبة طابعاً نفسياً، حيث تحوّلت المساحة إلى فضاء داخلي تتردد فيه أصداء الوجع والبحث عن الذات.

التزام وجودي

في تصريحٍ خاص ل ” الثورة” عبّر الممثل علي عبد الحميد عن رؤيته العميقة للمسرح، قائلاً:

“المسرح ليس هواية أو ترفاً، بل التزام وجودي يشبه المعشوقة التي لا نخونها. يمنحنا فرصة لنكون صادقين كفضاء وحيد مع أنفسنا ومع الناس”.

وأضاف: “رغم قساوة الظروف المعيشية، بقينا أوفياء للخشبة، لأنها المكان الذي نعيد فيه بناء الإنسان، ونطرح فيه الأسئلة التي لا يجرؤ أحد على طرحها.

الممثل الحقيقي لا يُقاس بعدد الأعمال، بل بأهمية وجودة العمل المقدَّم، إضافة إلى مدى صدق ما يقدّمه وأثره في الوعي الذي يتركه في المجتمع”.

قدّم عبد الحميد أداءً داخلياً عميقاً، جسّد فيه شخصية رجلٍ يعيش على هامش المجتمع، تتأرجح روحه بين الانكسار والتمسك بما تبقّى من كرامة.

ولديه العديد من المشاركات في الدراما السورية، منها: بلا غمد، خان الدراويش، وادي السايح، ومؤخراً عاصي الزند.

مرآة للجمهور

أما الممثل خالد محفوض، بخلفيته الأكاديمية في الغناء الأوبرالي والتمثيل، قدّم شخصية تتأرجح بين البقاء والضمير، وأوضح: “ما أغراني في النص أنه يعرّي الإنسان من كل أقنعته. الشخصية التي أؤديها ليست شريرة ولا خيّرة، بل نتيجة مجتمعٍ قاسٍ يخلط بين البقاء والضمير”.

وأضاف: “أحببت أن أكون صوتاً لتلك الشريحة المهمّشة، لا لإدانتها بل لفهمها. هدف العمل تقديم أوجاع الناس بشكلٍ صامت. أحببت أن أكون صوت أحدهم، بمثابة صرخة داخلية لتجسيد الألم دون مبالغة، وجعل الشخصية مرآةً للجمهور نفسه”.

وتخلّل العرض مقاطع شعرية وموسيقا مؤثرة، منها:

“شرٌّ طاغٍ يسكنني

أحاول أن أروضه

لكنه يخرج مني

كوحشٍ هائج…”

هذه الكلمات لم تكن مجرد نصّ، بل نبض داخلي امتدّ إلى الموسيقا المصاحبة، التي عزفت على وتر الحنين والخذلان، وجعلت من العرض تجربة وجدانية كاملة، حيث امتزج الأداء بالحالة النفسية، وتحول المسرح إلى مساحة تأمل، لا مجرد خشبة عرض.

المسرح بعد التحرير

قاد المخرج واجب الدرزي العمل برؤية إخراجية متماسكة ركّز فيها على البعد الداخلي للشخصيات، وقال في تصريح مقتضب بعد العرض: “المسرح بعد تحرير سوريا يجب أن يكون منبراً للمساءلة، لا للزينة. نحن بحاجة إلى فنٍّ يواجه، لا يجمّل”.

وقد بدا ذلك جلياً في كل تفصيلة إخراجية، من حركة الممثلين إلى توزيع الإضاءة، حيث كان الهدف تعرية الإنسان لا تزيينه.

“وقت مستقطع” ليس مجرد عرضٍ مسرحي، بل تجربة إنسانية تتناول الصراع الداخلي، وتطرح أسئلة وجودية حول الهوية والضمير، وتدعو إلى فهم المهمّشين لا إدانتهم.

الفنّ لا يزال ينبض في مدينة السلمية على الرغم من كل التحديات.

لقد أثبتت فرقة سين أن المسرح السوري قادر على أن يكون منبراً للصدق، وأن الإنسان حين يواجه ذاته يصبح أكثر إنسانية.

آخر الأخبار
"اللاعنف".. رؤية تربوية لبناء جيل متسامح انفتاح العراق على سوريا.. بين القرار الإيراني والتيار المناهض  تحدياً للدولة والإقليم.. "حزب الله" يعيد بناء قدراته العسكرية في جنوب لبنان سوريا بلا قيود.. حان الوقت لدخول المنظمات الدولية بقوة إلى سوريا قوات إسرائيلية تتوغّل في ريف القنيطرة الاقتصاد السوري يطرق أبواب المنظومة الدولية عبر "صندوق النقد" القطاع المصرفي عند مفترق طرق حاسم إسرائيل في حالة تأهب قصوى للقاء بن سلمان وترامب الآباء النرجسيون.. التأثير الخفي على الأطفال والأمهات بناء الثقة بالحكومة من بوابة التميز في خدمة المواطن مشروع الهوية التنموية.. تحديات وفرص رفع معدلات القبول يشعل جدلاً واسعاً بين طلاب المفاضلة الجامعية "تجارة وصناعة" دير الزور تسعى لإطلاق مشروع تأهيل السوق المقبي البحث العلمي في جامعة اللاذقية.. تطور نوعي وشراكات وطنية ودولية حين يختار الطبيب المطرقة بدل المعقم محادثات أميركية ألمانية حول مشروع توريد توربينات غاز لسوريا قطر والسعودية وتركيا.. تحالف إقليمي جديد ضمن البوصلة السورية  الرؤية الاستراتيجية بعد لقاء الشرع وترامب.. "الأمن أولاً ثم الرخاء" ترامب يعد السوريين بعد زيارة الشرع.. كيف سينتهي "قيصر"؟ تغيرت الكلمات وبقي التسول حاضراً!