الثورة – مها دياب :
يفتح الذكاء الاصطناعي التوليدي وعمله التنموي والإنساني آفاقاً واسعة أمام المجتمعات الخارجة من النزاعات والحروب لإعادة بناء الإنسان، وتحسين استجابته للكوارث، وتمكين الشباب عبر الابتكار الرقمي المتوافق مع احتياجاته المحلية.

صحيفة “الثورة” تحدثت مع عدد من الخبراء وممثلي المجتمع المدني، الذين يدركون أهمية توظيف عالم التقانة في صياغة استراتيجيات وطنية تضمن نجاح التحول التكنولوجي البناء مع ضرورة إبراز التجارب السورية الناجحة والنماذج الدولية الملهمة في تعزيز العمل التنموي والإنساني.
تحول رقمي تنموي
قدم الدكتور نبيل العودة، المتخصص في علم الاجتماع الرقمي، قراءة معمقة في ماهية الذكاء الاصطناعي التوليدي، موضحاً أنه يعتمد على تقنيات متقدمة مثل التعلم العميق والنماذج اللغوية الكبيرة، التي تتيح له تحويل المعلومات بين النص والصوت والصورة، وتوليد محتوى جديد بناء على أنماط البيانات.
وأشار إلى أن هذه التقنية أصبحت تدخل في صلب العمل التنموي، من خلال تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاحتياجات، واتخاذ قرارات استراتيجية في البيئات المعقدة، وهذا يمثل نقلة نوعية في أدوات التخطيط، ولكنه يطرح تحديات أخلاقية وتربوية غاية في الخطورة على الأطفال والمراهقين، في حال الاعتماد الكامل عليه، لما قد يسببه من تراجع في القدرات الذهنية، وتبلد في مهارات التفكير النقدي، والكتابة، والحوار.
ولفت إلى ضرورة الانتباه لظاهرة التوحد الناتج عن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، داعياً إلى إشراف الأهل وتوجيه الأطفال نحو استخدام رشيد ومدروس للتكنولوجيا.
التعليم المسؤول
وشدد العودة على ضرورة تدريب المعلمين والموجهين التربويين والاجتماعيين وتأهيلهم لاستخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية، وأكد على ضرورة إدخاله ضمن المناهج التربوية في المؤسسات التعليمية، لتواكب التحولات الرقمية، وتدمج بين التعليم النظري والتدريب العملي، كما أشار إلى أن التعلم الذاتي سمة العصر، وأن الطلاب يجب أن يتحولوا إلى باحثين مستقلين باحثين عن المعرفة، مستفيدين من المصادر المفتوحة والمنصات الرقمية.
وذكر العودة أن تقارير الأمم المتحدة، بينت أن التخصصات الأكثر طلباً تشمل الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات، بالتالي توجيه الطلاب نحو هذه المجالات، وتوفير برامج تدريبية تؤهلهم لسوق العمل، وأن الذكاء الاصطناعي يجمع بين التكنولوجيا الطرفية، والتحولية، والاستخدام كأداة لتحسين الأداء ورديف العقل البشري.
تطوير استراتيجية العمل

استعرض علاء البكور، المدير التنفيذي لمنظمة بنفسج الانسانية، تجربتهم في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجيات العمل، وإنشاء “بوتات” ذكية لإدارة المتطوعين، وتوثيق الخدمات، وتنظيم خارطة الاستجابة.
وكون المنظمة في عدة محافظات، منها: دمشق، حمص، اللاذقية، إدلب مع خطة للتوسع نحو حلب وغيرها ومع شبكة تضم أكثر من مئة وعشرين منظمة وفريقاً تطوعياً، بالتالي من خلاله سجلنا أكثر من خمسين ألف ساعة تطوعية، واعتماده في أنظمة الإنذار المبكر، والاستجابة للطوارئ، بما يضمن سرعة التواصل والوصول في تقديم الخدمات الإنسانية والاستثمار الأمثل للموارد.
وتحدث عن إدخال المهارات الرقمية ضمن خطة الدمج بين التعليم النظري والعملي، وتستهدف تدريب أكثر من أربعة آلاف طالب وطالبة، في مراكز موزعة على عدة محافظات، هذا المشروع هدفه إنشاء جيل رقمي يشارك المجتمع في تقييم العمل الإنساني والترويج له.
نموذج تواصل رقمي
تحدث مدير إدارة الجودة والتطوير في مؤسسة سند الشباب أحمد الرقماني عن تجربة المؤسسة في التحول الرقمي، ونقل عملها إلى نموذج شبه كامل يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، كونها تخدم مناطق واسعة من سوريا.

وأشار إلى أن التواصل مع الشباب يتم بشكل رئيسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنشر المؤسسة فرص التدريب والتوظيف، وتستقبل طلبات الشباب المهتمين بالتطوير المهني أو العمل المستقل.
وتقدم تدريبات عملية مبنية على دراسة احتياجات السوق، ونقاط ضعف الشباب، وتشمل خدماتها التدريب التمكيني، ودعم المشاريع الريادية، والمنح الدراسية.
كما توفر مساحات شبابية مجهزة بالموارد اللازمة لتطوير المهارات، واستثمارها في بناء مسارات مهنية مناسبة، والتدريبات تقدم بناء على دراسة احتياج دقيقة، تستمع فيها المؤسسة إلى الشباب، وتربط بين ما يحتاجونه وما يطلبه السوق، بهدف بناء جسر حقيقي بين التعليم الجامعي ومتطلبات الواقع، والعالم الرقمي.
تعزيز العمل الإنساني
أما مسؤول إدارة البيانات في منظومة الأمم المتحدة توفيق نحلاوي، فأشار إلى الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تعزيز العمل الإنساني، من خلال تقنيات تستخدم في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالكوارث، مثل التغيرات المناخية، وتخطيط الاستجابات، مستعرضاً تجربة الدفاع المدني السوري في تأسيس وحدات متخصصة للاستجابة السريعة.
وأكد على أهمية التحقق البشري من نتائج الذكاء الاصطناعي، من خلال وجود آليات مراجعة بشرية موازية، تضمن دقة التحليلات، ولتجنب الأخطاء والانحرافات، وضرورة التوزيع العادل للموارد.
وذكر أهمية الاستفادة من التجارب الدولية، مثل ألمانيا والولايات المتحدة، في بناء مجتمعات مدنية قوية، قادرة على قيادة التحول الرقمي.
ربط التكنولوجيا بالعمل الإنساني
إن ربط الذكاء الصناعي بالعمل التنموي والإنساني يعزز الفعالية والكفاءة، ويطور مهارات التعلم الذاتي، وتمكين المجتمع المدني بأن يكون قادراً على الاستفادة والتعامل مع التحول الرقمي، وبناء شبكات تعاون واسعة، وتبني أعلى معايير الشفافية والمساءلة لضمان نجاح أي مشروع تقني، وأداة فاعلة لإعادة الإعمار والتنمية وبناء قدرات الشباب.