الثورة – ناديا سعود :
تشهد المستشفيات الحكومية في دمشق ازدياداً في شكاوى المواطنين المتعلقة بصعوبة الحصول على بعض الأدوية والخدمات الطبية، رغم أن العلاج المجاني يشكل إحدى ركائز النظام الصحي في البلاد.
وفي وقت يضطر فيه بعض المرضى إلى شراء مستلزمات علاجهم من القطاع الخاص، تؤكد وزارة الصحة أن نقص بعض الأصناف يعود إلى مجموعة عوامل معقدة تعمل حالياً على معالجتها ضمن خطة إصلاح واسعة.
رحلة علاج مكلفة
تقول سعاد خميس، التي ترافق زوجها في رحلة العلاج، إنها مضطرة لإجراء جزء من الفحوص في مخبر خاص نتيجة عدم توفرها في المستشفى الحكومي، مضيفة: “نضطر أيضاً لشراء بعض الأدوية من الخارج.. نعرف أن الظروف صعبة، لكن نأمل أن يتحسّن الوضع قريباً”.
أما حسام العيد، والد طفل قيد العلاج، فيشير إلى أن بعض المستلزمات البسيطة غير متوافرة أحياناً داخل المشفى، ما يدفعه لشرائها من الصيدليات القريبة، مضيفاً أنه رغم الضغط كبير على المستشفيات، إلا أنه يأمل في توافر المواد الأساسية مستقبلاً.
فيما يوضح محمد عارف، المصاب بالصدفية، أن الانقطاعات المتكررة للدواء البيولوجي تقلقه، مضيفاً أن هذا الدواء أساسي لحالته، وعدم انتظام توفره يسبب اضطراباً في العلاج.
ويكشف خالد حيدر، وهو مريض زراعة الكلية، عن معاناته مع نقص بعض العيارات الدوائية، حيث يتوفر جزء من العلاج، لكن بعض العيارات غير موجود، داعياً إلى تقديم توضيحات لسبب غياب تلك الاحتياجات وتأمينها بشكل منتظم.
ورغم إجماع المرضى الذين تحدثت إليهم “الثورة” على تقدير الجهود الحكومية، إلا أنهم يؤكدون أن مستوى التوفر الدوائي لا يزال بعيداً عن الحد المقبول، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود المعتمدين على المشافي الحكومية.
عوامل متداخلة ومعقدة
أفاد مدير الخدمات في وزارة الصحة، الدكتور واصل الجرك، بأن النقص الدوائي ليس ظاهرة بسيطة، بل نتيجة مجموعة من العوامل المتراكبة، موضحاً أن تعديل عتبات الشراء بعد التحرير جعل إجراءات التعاقد أكثر صرامة، بهدف الحد من الفساد، لكنه أدى في المقابل إلى إطالة عمليات التوريد.
وأضاف الجرك أن بعض الأصناف غير متوافرة أساساً في السوق المحلية، وأن استيرادها يواجه صعوبات بسبب العقوبات، إلى جانب عزوف عدد من المزودين عن دخول المناقصات نتيجة آلية الدفع وحدود السحب المصرفي، ما أدى إلى انخفاض العرض.
كما يشير إلى ارتفاع الضغط على المشافي الحكومية بعد عودة السكان إلى مناطقهم وتوسع الخدمات، وهو ما رفع الطلب على الأدوية والمستلزمات مقارنة بالمخزون المتاح، لافتاً إلى أن هذه الظروف تضطر المرضى أحياناً لشراء أدويتهم من الصيدليات الخاصة بأسعار مرتفعة.
إجراءات للحد من التسرب وضبط التوزيع
رداً على المخاوف المتعلقة بتسرب الأدوية من المستشفيات إلى السوق السوداء، يؤكد الجرك أن الوزارة بدأت بتنفيذ سلسلة إجراءات “رقابية دقيقة” تهدف لضمان وصول الأدوية إلى مستحقيها.
وتشمل تلك الإجراءات تعزيز الرقابة الإدارية داخل المشافي، واعتماد آلية توزيع تعتمد على الاستهلاك الفعلي، إلى جانب تشكيل لجان متابعة ميدانية للمستودعات، ومحاسبة المتجاوزين وفق القوانين النافذة، فضلاً عن تفعيل نظام تتبع إلكتروني لحركة الدواء.
ويعتبر الجرك أن هذه الإجراءات ستسهم تدريجياً في الحد من سوء التوزيع ومنع التسرب، خاصة مع ارتفاع أسعار الأدوية وزيادة مخاطر تداولها خارج المؤسسات الرسمية.
خطة وطنية لتحسين التوفر الدوائي
وفيما يخص الأدوية النوعية والمزمنة، يشير الجرك إلى وجود خطة وطنية قيد التنفيذ تتضمن التعاقد مع شركات محلية لإنتاج بدائل آمنة للأصناف المفقودة، وإعادة توزيع المخزون المركزي وفق مؤشرات الحاجة الفعلية في المحافظات.
كما تعمل الوزارة على فتح قنوات توريد جديدة بالتعاون مع منظمات دولية، وتخصيص جزء أكبر من الموازنة لتأمين الأدوية المزمنة والنوعية، ويترافق ذلك مع رقابة شهرية على توافر الأصناف، وجولات تفتيشية مفاجئة على المستودعات والمشافي، مع محاسبة أي جهة تقوم بتموين غير مشروع أو تخزين مخالف.
تكشف الشكاوى المتزايدة والضغوط التشغيلية على المشافي الحكومية عن حاجة النظام الصحي لإصلاحات عميقة ومستدامة، وبينما تعد وزارة الصحة بخطوات تنفيذية تدريجية، يظل نجاح أي خطة مرهوناً بتجاوز العقبات التعاقدية والتمويلية، وتحسين إدارة المخزون، وضمان العدالة في توزيع الأدوية.