الثورة – مها دياب:
أدى الارتفاع الأخير في أسعار الكهرباء إلى جعل الطاقة البديلة خياراً لا مفرّ منه في سوريا، ولا سيما مع بلوغ تكلفة إنتاج الكيلوواط الساعي مستويات تفوق قدرة الدولة على الاستمرار في الدعم، وشبكة كهربائية متهالكة لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من الطلب.
وبات التحول نحو مصادر الطاقة المستدامة الحل الأكثر واقعية، وفي هذا الإطار، أوضح الخبير في الطاقة المتجددة المهندس يزن لحام في لقائه مع “الثورة” أن قرار رفع الأسعار كان ضرورة اقتصادية بحتة، فالفجوة بين تكلفة الإنتاج الحقيقية، التي تتجاوز 1600 ليرة للكيلوواط الساعي، وسعر البيع المدعوم، خلقت نزيفاً مالياً كبيراً يعيق صيانة وتطوير البنية التحتية.
ويرى لحام أن رفع السعر وحده لا يعدو كونه اعترافاً بالأزمة، بينما يكمن الحل في تغيير نموذج التفكير بالكامل والانتقال إلى شبكة مرنة قائمة على مصادر طاقة لامركزية ومستدامة.
الطاقة البديلة بين الجدوى الاقتصادية والتطبيق العملي
يؤكد لحام أن الأثر الاقتصادي للتحول إلى الطاقة المتجددة فوري وواسع، وينعكس إيجاباً على المنتجين والمستهلكين.
فالأنظمة الهجينة التي تجمع بين الألواح الشمسية وبطاريات التخزين ومولدات الديزل الاحتياطية أثبتت قدرتها على خفض استهلاك الوقود الأحفوري بمعدلات تتراوح بين 50بالمئة و70بالمئة، ما يؤدي إلى انخفاض كبير في فاتورة الطاقة للمنشآت الصناعية والزراعية والسياحية.
ويضرب محدثنا مثالاً بتجربة أحد المصانع الغذائية في ريف دمشق، إذ أتاح نظام شمسي بقدرة 200 كيلوواط تغطية كامل حاجة المصنع خلال النهار، مع استخدام الفائض لشحن البطاريات، التي تغطي ساعات المساء الأولى، بينما يعمل المولد الاحتياطي فقط في الحالات الطارئة، وأسفر ذلك عن توفير بنسبة 40بالمئة من إجمالي تكاليف الطاقة ورفع الإنتاج بنسبة 25بالمئة.
ويشير لحام إلى أن خفض تكاليف الإنتاج ينعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية، ما يخفف العبء المعيشي عن المواطنين، ويعزز قدرتهم الشرائية، كما تمنح الطاقة البديلة المجتمعات المحلية قدراً أكبر من الاستقلالية عبر إنتاج جزء من احتياجاتها الكهربائية، الأمر الذي يسهم في استقرار التغذية على مستوى المناطق.
وعلى صعيد الخدمات، يتيح توفر الكهرباء المستقرة للمستشفيات تشغيل الأجهزة الحيوية دون انقطاع، ويفتح المجال أمام المدارس لاستخدام التكنولوجيا في التعليم، كما يضمن عمل مضخات المياه بكفاءة لتأمين مياه الشرب والري.
تحديات التحول ورؤية مستقبلية
يعتقد لحام أن الطاقة البديلة باتت قيد التطبيق وتتوسع بسرعة، بدءاً من الأنظمة المنزلية الصغيرة حتى المشروعات التجارية ومحطات الطاقة الكبيرة المرتبطة بالشبكة العامة، غير أن التكلفة الأولية تبقى إحدى أبرز العقبات، إلى جانب محدودية الشبكة الحالية المصممة لتدفق الطاقة في اتجاه واحد، ما يستدعي تطوير شبكة ذكية قادرة على إدارة تدفقات متعددة الاتجاهات، مشدداً على ضرورة تبسيط إجراءات الترخيص والربط، وتأهيل كوادر فنية لضمان جودة التنفيذ.
ويختتم حديثه بالتأكيد أن الطاقة البديلة تمثل المسار الاستراتيجي القادر على إخراج البلد من أزمة الطاقة وتحقيق تنمية مستدامة، فامتلاك سوريا أحد أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم يجعل من الطاقة الشمسية ثروة وطنية يجب استثمارها، ومع السياسات الحكومية الداعمة، وتشجيع التصنيع المحلي، وتعزيز البحث العلمي، يمكن لسوريا خلال عقد أن تتحول إلى دولة رائدة إقليمياً في الطاقة المتجددة.