الثورة – وعد ديب
تتسع الفجوة في سوق الصرف بين الأسعار الرسمية والموازية، ما يعكس ضغوطاً نقدية واقتصادية متزايدة تؤثر على حياة المواطنين والأسواق المحلية.
وبينما يحافظ مصرف سوريا المركزي على تثبيت سعر الصرف الرسمي منذ أشهر، تتأرجح أسعار الدولار في السوق الموازية قرب مستويات مرتفعة بعد فترة استقرار نسبي، ما يطرح تساؤلات حول السياسات النقدية الحالية والإجراءات المتاحة لضبط الأسواق وإعادة الثقة بالليرة السورية.
ويواصل مصرف سوريا المركزي تثبيت سعر صرف الدولار في النشرة الرسمية عند 11,055 ليرة وسطياً، مع هامش حركة سعرية يبلغ 7 بالمئة، وهي النسبة التي يمكن للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي ومؤسسات الصرافة إصدار نشرات أسعار الصرف وفقاً لها.
وفي السوق الموازية، تجاوز سعر الدولار 12 ألف ليرة للمرة الأولى منذ أشهر، وذلك بعد فترة استقرار نسبي قرب مستويات 11 ألف ليرة.

عوامل تضغط على الليرة
يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن أزمة السيولة النقدية تمثل العامل الأبرز في تحريك السوق الموازية، فالعجز عن توفير السيولة، إلى جانب السماح بدفع بعض الغرامات والضرائب بالدولار، دفع المتعاملين إلى البحث عن العملة الصعبة، ما أدى إلى ارتفاع سعرها في السوق، خاصة مع غياب معروض كافٍ من الدولار قادر على امتصاص الطلب المتزايد.
ويضاف إلى ذلك حالة عدم الانتظام في الحوالات الخارجية وتفاوت قيمتها بين منطقة وأخرى، في وقت يسعى فيه عدد من التجار إلى تشجيع الناس على إرسال الحوالات من الخارج، لا سيما خلال موسم الأعياد الذي يشهد ارتفاعاً في تحويلات السوريين من أوروبا، ما جعل القطع الأجنبي هدفاً يسعى إليه الجميع.
ويشير الكريم إلى أن السياسات الحكومية تسعى إلى تشجيع الحوالات الأجنبية عبر تخفيض سعر الليرة السورية، وذلك بهدف تمويل أعمالها في ظل تنفيذ العديد من المناقصات الحكومية الخارجية.
ويتزامن ذلك مع انتشار الحديث عن احتمال تغيير العملة، وتأخر صرف الرواتب، وتدهور الواقع المعيشي، وهي عوامل دفعت المواطنين إلى اعتبار الدولار أكثر أماناً من الليرة، خاصة مع تراجع الثقة بسياسات الدولة المالية والنقدية.
ويقول الكريم إن ذلك أدى إلى زيادة احتفاظ الأفراد بالدولار وتقليص عرضه في السوق، مما ساهم في رفع السعر الموازي، في حين يحدد التجار أسعارهم بالليرة استناداً إلى ما يحصلون عليه من شركات الصرافة، سعياً لتأمين القطع اللازم لاستمرار نشاطهم التجاري.
أسعار متعددة
يلفت الكريم إلى أن تعدد أسعار الصرف يعمّق الفجوة بشكل أكبر، إذ يوجد السعر الرسمي المعتمد من المصرف المركزي، وسعر الحوالات المعتمد في شركات الصرافة والذي يمثل عملياً السعر الموازي، إضافة إلى سعر الدولار المستخدم في تسعير السلع، وهو في الواقع سعر أرصدة السوريين المجمدة في البنوك المحلية.
ويشير إلى إمكانية اعتبار هذا السعر بمثابة “السعر الحذر” الذي يلجأ إليه التجار عند تسعير بضائعهم لحماية أنفسهم من تقلبات السوق.
بحسب الكريم، خلق هذا التعدد بيئة خصبة للمضاربة، خاصة في ظل غياب حملات رقابية فعّالة تحدّ من التداول الشعبي للدولار، كما أن العقوبات المفروضة على سوريا تُعد عاملاً إضافياً يغذي الأزمة، إذ تجعل تدفق الدولار إلى الداخل مرتبطاً بفترات سماح غير مستقرة، وفي حال توقفها تتجدد أزمة شح الدولار بشكل أكبر.
التأثير والحلول
أما عن تأثير تذبذب سعر الصرف على الأسواق، فيراه الكريم مباشراً وشديد الوضوح، فالتجار، خشية أي تغير مفاجئ، يلجأون إلى رفع الأسعار بشكل دائم، خاصة أن معظم السلع الأساسية تعتمد على مواد مستوردة، وكل ارتفاع في السعر الموازي يضعف القوة الشرائية لليرة السورية ويجعلها أقل فعالية في التداول، الأمر الذي يدفع الناس إلى تفضيل الاحتفاظ بالدولار.
ويلفت إلى أنه مع استمرار هذا المسار، تتسع موجة التضخم وتتراجع القدرة الشرائية للأسر، فيتسع نطاق الفقر، بينما يتراجع الطلب الفعلي ويزداد الركود، وترتفع معدلات البطالة، كما تتسع حالة الفوضى في التسعير بين منطقة وأخرى نتيجة تضارب القرارات الحكومية واللوائح الصادرة عن المنافذ البرية والبحرية.
يعتبر الكريم أن اعتماد الدولار في التسعير عبر أكثر من سعر، حتى إن كان بشكل غير رسمي، لا يعكس السعر الفعلي ويضعف الثقة، الأمر الذي يستدعي إعادة تنظيم آلية الدفع والسماح به بالدولار أو بالليرة وفق رغبة المواطن، بما يقلل الاعتماد على القنوات غير الرسمية.
ويضيف أن الحاجة أصبحت ملحّة للمصارحة بشأن نية استبدال العملة من عدمه، لأن الضبابية تدفع الناس إلى الهروب نحو الدولار، منوهاً إلى ضرورة اتخاذ قرار واضح بشأن الأرصدة المجمّدة، مقترحاً تحويلها إلى قروض على المصرف المركزي بفائدة لتحريك السوق والحد من الحاجة إلى ما يُعرف بـ”السعر الحذر”.
ويؤكد الكريم أن إعادة هيكلة البنك المركزي والمصارف العاملة في البلاد، وتحديث القوانين المنظمة لعملها، ستكون خطوة أساسية لاستعادة دورها في الاقتصاد الوطني على المدى البعيد.
