الثورة – همسة زغيب :
“حين يُسكت الصوت في الواقع، يبقى الفضاء الرقمي ساحةً للحرية… أو ساحةً للعنف، ومن هنا، يصبح الدفاع عن النساء في العالم الافتراضي امتداداً لمعركة الكرامة في الحياة اليومية”.
العنف الرقمي امتداد للعنف الجسدي، كما أوضحت المحامية رهادة عبدوش في حديثها لصحيفة الثورة، فإن العنف الرقمي ليس أقل خطورة من العنف الجسدي، بل هو امتداد له في فضاء جديد يهدد خصوصية النساء ويقيد أصواتهن، فالإساءة عبر الإنترنت، سواء كانت ابتزازاً أو تشهيراً أو نشراً للصور الخاصة دون إذن، تُعد اعتداءً مباشراً على الكرامة الإنسانية، ولا يمكن اعتبارها مجرد إساءة عابرة.
العدالة لا تكتمل إلا بفضاء آمن
تشدد عبدوش على أن العدالة لا تكتمل إلا حين تكون البيئة الرقمية آمنة، مؤكدة أن مواجهة العنف الرقمي تتطلب قوانين رادعة وتعاوناً وثيقاً بين المؤسسات القانونية والمجتمعية.
فالمحامون، كما تقول، ليسوا مجرد مدافعين أمام المحاكم، بل أصوات داعمة للنساء في مواجهة التحديات الرقمية المتنامية، وحماة للحق في التعبير والوجود الآمن.
خطة النقابة لمواجهة العنف الرقمي
وضعت نقابة المحامين خطة عملية من ثلاث مراحل مترابطة، ومنها التبليغ والمتابعة القانونية عبر تقديم شكاوى رسمية استناداً إلى قانون الجرائم المعلوماتية وقانون حماية البيانات الشخصية، أو الدعم القانوني والمؤسسي من خلال محامين متخصصين والتعاون مع منظمات حقوقية لتوثيق الحالات، والمتابعة القضائية والرقابية لضمان صدور الأحكام وتطبيق العقوبات بحق المعتدين، بما يضمن عدم إفلات أي جريمة من المحاسبة.
حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف بكل أشكاله
تأتي ضمن إطار عالمي تقوده الأمم المتحدة، إذ تبدأ سنوياً في 25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتنتهي في 10 كانون الأول، اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وإنّ شعار هذا العام يركز على مواجهة العنف الرقمي، لكنه يذكّر أيضاً بأن العنف ضد النساء والفتيات يتخذ أشكالاً متعددة، منها جسدياً، ونفسياً، واقتصادياً وقانونياً.
جميع هذه الأشكال مترابطة وتشكل تهديداً مباشراً لحقوق الإنسان، ما يجعل مواجهتها مسؤولية جماعية تتطلب قوانين رادعة ومجتمعًا واعياً.
وبذلك، فإن حملة الـ 16 يوماً لا تقتصر على مواجهة العنف الرقمي وحده، بل تؤكد أن حماية النساء والفتيات تستلزم مواجهة شاملة لكل أشكال العنف، في الواقع وفي الفضاء الافتراضي على حد سواء.
مسؤولية المجتمع والمنصات الرقمية
تشدد عبدوش على أن القانون وحده لا يكفي، بل يجب أن يرافقه وعي مجتمعي يرفض الصمت أمام أي إساءة، إضافةً إلى التزام شركات التكنولوجيا بتأمين منصاتها وحماية المستخدمين، فمواجهة العنف الرقمي مسؤولية تبدأ من الأسرة، وتمتد إلى المؤسسات الوطنية والدولية، لتشكل شبكة حماية متكاملة.
النساء المختطفات والعنف الرقمي
تلفت عبدوش إلى أن النساء المختطفات في سوريا لا يواجهن فقط الاختفاء القسري، بل أيضاً حملات رقمية تستهدف قصصهن وعائلاتهن بالتشكيك والتضليل.
وهذا النوع من العنف يشكل “قتلاً رمزياً” للذاكرة والهوية، ويضاعف من معاناة الضحايا وعائلاتهن، ما يجعل التصدي له ضرورة أخلاقية وقانونية في آن واحد.
رسالة أخيرة
تختم عبدوش رسالتها بالتأكيد على أن أصوات النساء لا يجب أن تُسكت، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي، فالعنف الرقمي عنف حقيقي، والعدالة لا تكتمل إلا حين تكون الكلمة الحرة محمية بالقانون والمجتمع معاً، وحملة الـ 16 يوماً هي دعوة مفتوحة للجميع سواء من حكومات، مؤسسات، وأفراد، كي يتّحدوا في مواجهة كل أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وليبقى الشريط البرتقالي رمزاً عالمياً للكرامة والحرية.