الثورة – ثورة زينية :
مع أول هطولات مطرية شهدتها دمشق هذا الموسم، ظهرت بوضوح تجمعات كبيرة للمياه في عدد من الشوارع والأحياء، ما أعاق حركة السير في بعض الطرقات وتسبب بعرقلة مرور المارة.
كشفت هذه المشاهد قصوراً في جاهزية شبكات التصريف، رغم إعلان المحافظة سابقاً عن تنفيذ حملات تنظيف للشوايات كجزء من الاستعداد لفصل الشتاء.
وكانت محافظة دمشق قد أكدت في بيان سابق أنها خصصت فرقاً تعمل على مدار الساعة لمعالجة الشكاوى الطارئة، وإعادة تأهيل أكبر عدد ممكن من الشوايات خلال فترة زمنية قصيرة، مشيرة إلى أن الأعمال تشمل رفع الأوساخ والأنقاض وتنظيف خطوط التصريف والتأكد من انسياب المياه، إضافة إلى فحص الغطاءات الحديدية للشوايات وكفاءتها.
خطوات متأخرة
تواصل مديرية الصيانة في محافظة دمشق حالياً حملات تنظيف الشوايات وخطوط التصريف لرفع القدرة الاستيعابية للشبكات والحد من تجمع مياه الأمطار، وفق مصدر في المحافظة، ورغم تأكيده أن أعمال الصيانة الدورية تُنفذ على مدار العام وتشمل معظم أحياء دمشق، إلا أن ما شهدته الشوارع دفع كثيراً من المواطنين للتشكيك بفعالية هذه الخطط، معتبرين أن التأخر في التنفيذ انعكس مباشرة على حياتهم اليومية وحركة المرور والسلامة العامة.
يقول رائد البحري من سكان حي الزاهرة إن تراكم الأتربة والأوساخ داخل الشوايات كان واضحاً منذ أشهر، وإن غياب المتابعة المستمرة أدى إلى انسداد العديد منها، ما تسبب بارتفاع منسوب المياه بسرعة مع أول هطول، بينما يرى ربيح السروجي أن المشكلة “متكررة كل عام دون إيجاد حل جذري”.
أما المهندس سامر الدقر، من سكان حي البرامكة، فيشير إلى أن حملات التنظيف تبدأ غالباً بعد بدء الموسم المطري وليس قبله، مؤكداً أن التأخر في التنفيذ يعد أحد أسباب عدم الاستجابة السريعة للمشكلات في مناطق مثل الميسات والبرامكة والحمرا والمزرعة وشارع الثورة، إضافة إلى الأحياء الطرفية التي تتشكل فيها التجمعات المائية سريعاً بسبب الانسدادات أو ضعف سعة الشبكات القديمة.
غياب التخطيط الاستباقي
يرى المهندس سليم الهندي، المختص في هندسة البنى التحتية، أن المشكلة الأساسية لا تكمن في التعامل مع الطوارئ، بل في غياب التخطيط الاستباقي والتقييم الدوري لحالة الشبكات، ويوضح أن كثيراً من خطوط التصريف في دمشق قديمة وتحتاج إلى تجديد أو توسعة، بينما تحتاج مناطق أخرى إلى إنشاء خطوط جديدة تتناسب مع التوسع العمراني خلال السنوات الماضية.
ويشير في حديثه لـ”الثورة” إلى أن تحسين كفاءة منظومة التصريف يتطلب خطة طويلة الأمد تشمل تحديث البنية التحتية، وتحديد “النقاط السوداء” التي تتكرر فيها التجمعات المائية سنوياً، وإعادة تصميم بعض المسارات بما يسمح بانسياب أفضل للمياه، داعياً إلى تعزيز الرقابة على مخلفات البناء والنفايات العشوائية، باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية لانغلاق الشوايات.
اختبار للبنى التحتية
يعدد الهندي أسباب انسداد الشوايات وتراجع قدرتها على التصريف، ومنها مخلفات الورش والأتربة المتراكمة والأوراق المتساقطة والنفايات المرمية في الطرقات، ما يؤدي إلى إغلاق مسارات المياه وتحويل الشوارع إلى برك مع كل هطول، إضافة إلى الأضرار المحتملة على البنى التحتية.
ولفت إلى أهمية دور المجتمع المحلي في دعم الجهود الخدمية، إذ يسهم التزام السكان بعدم رمي النفايات والأتربة في الطرقات مباشرة في منع الانسدادات وتخفيف الضغط عن فرق الصيانة، واقترح إعداد خطة صيانة سنوية تُعلن للناس بوضوح، وتتضمن جدولاً زمنياً لمناطق العمل، الأمر الذي يعزز الشفافية ويحسن ثقة المواطنين بالخدمات.
وفي المحصلة، يبقى فصل الشتاء اختباراً حقيقياً للبنى التحتية في العاصمة، وبينما تسعى المحافظة اليوم لتعويض ما فات عبر تسريع أعمال التنظيف في مختلف المناطق، يؤكد الهندي أن التحدي الأكبر يكمن في تجهيز الشبكات قبل الهطولات وليس بعدها، وأن الحاجة باتت ملحة لرؤية شاملة تعالج جذور المشكلة لضمان شتاء أكثر أماناً وشوارع خالية من التجمعات المائية.