خبراء: “يتم حشد المكونات السورية على طاولة العاشر من آذار”

الثورة – عزة شتيوي:

يرمي قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، حجراً سياسياً في مياه الجمود الذي يحيط بمفاوضاته مع دمشق وانسداد أفق شروطه، ويخلط في تصريحاته لوسائل إعلام أوراق اتفاق العاشر من آذار، محاولاً وضع “أثقال” من عيار ما وصفه بـ”الأقليات” في كفته التفاوضية، وتوسيع قاعدته السياسية عبر الدعوة إلى مشاركة مكونات سورية على طاولته مع دمشق، بحجة أنه ليس وحده في ميدان المطالبة باللامركزية وتقسيم سوريا، حسبما يراه الخبراء السياسيون وأبرزهم، فراس علاوي.

هذا الطرح نتج بعد ما أكد عبدي في لقائه الأخير على الشاشات الإعلامية، حين قال إنه من الضروري أن يحضر ممثلون عن “الدروز” و”العلويين” اجتماعات “قسد” مع دمشق، وإن ما تطالب به “قسد” من إدارة ذاتية “روجآفا” في شمال شرق سوريا هو ذاته ما يجب تطبيقه في السويداء والساحل السوري.

“قسد”، وبحسب تصريحات عبدي، لن تندمج في وزارة الدفاع السورية إلا من بوابة “اللامركزية” التي تعني الانفصال في قاموس النيات السياسية لما تسمى “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا.

فتفاصيل وشكل الحكم في سوريا، سواء أكان مركزياً أم ذاتياً، هي اختبارات “قسد” الأساسية لنجاح اتفاق العاشر من آذار أو فشله، حسب حديث علاوي لصحيفة “الثورة السورية”.

ما التالي؟

تحاول “قسد” وفق تقدير علاوي، مع اقتراب الموعد النهائي لتنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس، تخريب أجواء المفاوضات والتحشيد ضد دمشق التي يبدو أنها تملك أوراقاً سياسية قوية تربك “قسد”، لذلك تسعى الأخيرة إلى إضعاف تلك الأوراق والضغط على دمشق بما تسميه “ورقة الأقليات” بهدف التعطيل، في ما يشبه الابتزاز السياسي للحكومة السورية من قبل “الإدارة الذاتية” التي تلعب على وتر الأقليات بهدف استجرار عطف المجتمع الدولي.

ناهيك عن أن “قسد” تحاول اليوم توسيع قاعدتها الشعبية واستعراض حجمها السياسي بإضافة أوزان من مختلف الأطياف السورية، ليظهر مظلوم عبدي ممثلاً ليس لـ”قسد” فقط، بل لعدد من مكونات الشعب السوري، وهذا، في تقدير إدارته، قد يحرج دمشق أمام مطالبة “قسد” باسم هذه المكونات بنظام لامركزي يقود بالضرورة إلى تقسيم البلاد، إضافة إلى ما سبق، فإن دعوة “قسد” لمجموعات سورية أخرى لحضور المفاوضات تبدو محاولة لتعميم مطلب اللامركزية أو الانفصال على كل البلاد، عبر مجموعات لا تمثل إلا نفسها.

ولعل هذه الخطوة هي محاولة من “الإدارة الذاتية” التي يقودها مظلوم عبدي لإظهار نفسها على أنها “المخلص الوطني” الذي يمثل حقوق السوريين، متناسية أن “قسد” تبتلع ثروات للشعب السوري وتسيطر على خزان غذائه في الجزيرة السورية.

تأتي دعوة عبدي في وقت تشهد فيه مناطق مثل السويداء وبعض الأحياء في الساحل احتجاجات بعضها مفتعل وفق علاوي، ما يشير إلى أن لـ”قسد” مصلحة في استمرار هذه التوترات وتوظيفها لتمرير مشروعها، خاصة أن مثل هذه التوترات تحظى باهتمام دولي.

وهنا يحاول مظلوم عبدي تقديم نفسه كشريك ملتزم بالحل الشامل الذي يضمن حقوق الجميع، ليحافظ على ما تبقى من دعم دولي له بدأ يخسره أمام إنجازات دمشق الدبلوماسية، وسحب ذريعة مكافحة الإرهاب من يده بعد انضمام سوريا كدولة إلى “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب”.

وحول هذا الموضوع، يقول الباحث والمحلل السياسي فراس علاوي، إن قائد “قسد” مظلوم عبدي بدأ يدرك أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم استقرار الحكومة السورية وسيطرتها على الجغرافيا السورية، وبالتالي يحاول عبدي الضغط لإبقاء “قسد” على حالها والحفاظ على مشروعها غير المتفق مع الرؤية السورية، خاصة أنها حتى اللحظة مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية التي لا تنوي التخلي عنها بشكل مطلق.

ومن هنا جاء تصريح مظلوم عبدي، الذي دعا فيه إلى رفع سقف المفاوضات مع الحكومة السورية من جهة، وإلى إرسال رسالتين مزدوجتين من جهة أخرى: الأولى إلى دمشق والثانية إلى واشنطن، مفادهما أن “قسد” تمثل مكونات سورية أخرى، وبالتالي إعطاء زخم أكبر لـ”قسد” في الداخل السوري كورقة للمفاوضات مع الحكومة السورية وتحسين شروط التفاوض لعبدي.

اللامركزية في قاموس “قسد”تضع “قسد” مصطلح “اللامركزية” كشرط أساسي للتفاوض وتطبيق اتفاق العاشر من آذار، إلا أن هذه اللامركزية، التي تبدو في ظاهرها نظاماً للحكم، تحمل في تفاصيل تطبيقها سكين التقسيم لسوريا والمنطقة، خاصة في هذا التوقيت الحساس من عمر سوريا السياسي، الذي تدرك دمشق خطورته، ولا سيما إذا ما بدأت سكين التقسيم من مناطق الشمال الشرقي، وفق المحلل السياسي.

وهذا أيضاً، ما أكد عليه الرئيس أحمد الشرع في عدة لقاءات، منها حواره مع المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية “CIA” الجنرال ديفيد بترايوس، في قمة “كونكورديا” في نيويورك في أيلول/سبتمبر الماضي، حيث قال الرئيس السوري إن مشروع “اللامركزية” الذي تطرحه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال وشرق سوريا “يعني التقسيم”، وقد يعرض المنطقة “لحرب واسعة”.

وأشار الرئيس الشرع إلى أن أي عنوان لإبقاء كيان على شاكلة “قسد” في شمال شرق سوريا سيعرض العراق وتركيا إلى مخاطر، مشدداً على ضرورة “حصر السلاح بيد الدولة” لحماية سوريا من النزاعات، مؤكداً أن “حقوق المكون الكردي مصانة” وأن اتفاقية 10 آذار هي المرجعية للحل مع “قوات سوريا الديمقراطية”.

تقول الحكومة السورية، إن اتفاق العاشر من آذار هو الحل والمرجعية، لذلك وبحسب علاوي، لا يحق لـ”قسد” أن تعبث بالأسس التي بني عليها هذا الاتفاق، أو أن تعلن نفسها ممثلاً عما تسميه “الأقليات”، أو تقوم بدعوة مكونات إضافية إلى الاتفاق.

فـ”قسد” لا تمثل إلا نفسها، وهي لا تمثل المكون الكردي كاملاً، بل فئة محدودة من هذا المكون، الذي يشكل نسبة تقارب 25% من سكان مناطق شمال وشرق سوريا، بينما يشكل العرب الأغلبية بنسبة تقارب 75%.

تضع “قسد” شرط “اللامركزية” أمام اندماجها في الجيش السوري، ما يظهر أن الخلاف ليس على مبدأ الدمج، بل على شروطه وتفسيراته، التي من ضمنها بقاء هيكلها القيادي الحالي الإداري والعسكري كقيادة إقليمية ضمن الجيش السوري المستقبلي، والإشراف على الأمن الداخلي وحماية الحدود في مناطق سيطرتها ضمن صيغة أقرب إلى الانفصال.

في المقابل، تدرك دمشق أن مطالب “قسد” بـ”اللامركزية العسكرية والإدارية” هي غطاء لمآرب أخرى تمهد لتقسيم البلاد، ويتمثل موقف دمشق في رفض أي صيغة تمنح مناطق سيطرة “قسد” وضعاً خاصاً يتعارض مع مبدأ “الدولة السورية الموحدة” التي لا تقبل القسمة.

وبالتالي، فإن تطبيق الاتفاق يعني لدمشق الدمج الكامل وغير المشروط لانضمام مقاتلي “قسد” كأفراد إلى صفوف الجيش السوري، وبسط السيادة الكاملة، وعودة المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية الحكومية للعمل بشكل طبيعي في جميع أنحاء شمال وشرق سوريا، وإلغاء كافة هياكل “الإدارة الذاتية” القائمة حالياً، وأي حل دون ذلك قد يهدد وحدة البلاد.

وتتجه معظم التحليلات السياسية إلى أن الخلاف في قراءة الاتفاق سياسياً بين “قسد” ودمشق هو جوهر الخلاف وحالة الجمود الراهنة.

حيث يؤكد الباحث السياسي فراس علاوي، أن هناك خلافاً كبيراً جداً بين دمشق و”قسد” حول مفهوم اللامركزية؛ فـ”قسد” تريد لامركزية سياسية وحكماً ذاتياً تدير من خلاله شمال شرق سوريا سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وهذا يتنافى مع نظرة الحكومة السورية إلى اللامركزية الإدارية، التي تكون بشكل مختلف، يتجلى في إعطاء صلاحيات واسعة إداريا مع الحفاظ على المركزية في القرار العسكري والأمني والسياسي.

ويضيف علاوي: من هنا يأتي الخلاف على تطبيق اتفاق العاشر من آذار، ونحن نعلم أن كل اتفاق بين طرفين مختلفين قد ينتج قراءات مختلفة لكل طرف حسب مصالحه؛ فـ”قسد” تريد جر الاتفاق لمصلحتها من خلال تطبيق نموذج من اللامركزية يعزز وجودها في المنطقة، وبالتالي سيطرتها عليها، خاصة أن المنطقة غنية اقتصاديا، وبالتالي ستكون ورقة رابحة في الاقتصاد في حال تم الحديث عن اللامركزية السياسية.

في حين ترفض الحكومة السورية التقسيم تحت غطاء اللامركزية، وتسعى لاستعادة السيطرة على الجغرافيا السورية بشكل كامل، مع الحفاظ على اللامركزية الإدارية وقانون الإدارة المحلية الذي يعطي صلاحيات واسعة للمجالس الإدارية والمجالس المحلية في المحافظات، وبالتالي قدراً من الاستقلالية في الحالة الإدارية، مقابل المركزية في القرار السياسي والاقتصادي والقرارات السيادية في دمشق.

في الربع الساعة الأخيرة

تبدو المحادثات بين دمشق و”قسد” في حالة ركود مع اقتراب موعد مهلة تطبيق الاتفاق نهاية العام، ورغم وجود إطار للحل ضمن الاتفاق، فإن الخلافات العميقة حول شكل الدولة (المركزية مقابل اللامركزية) وآليات دمج “قسد” تعرقل التقدم، خاصة من قبل “قسد” التي تماطل، رغم كثرة تصريحاتها عن الاندماج داخل الجيش السوري.

في المقابل، تتريث دمشق لتجنب الخيار العسكري الذي تستبعده في الوقت الحالي، وفق المستشار الإعلامي لرئاسة الجمهورية، أحمد زيدان، فسوريا في مرحلة حساسة تحاول فيها الأصابع الخارجية العبث بأمنها، ورغم سعي الحكومة السورية إلى “صفر مشاكل”، إلا أن الجهات المستفيدة من عدم الاستقرار السوري كثيرة، وخاصة في الشمال والجنوب.

وهنا يقول الباحث السياسي فراس علاوي إن جمود المفاوضات يأتي من عدم رغبة كل طرف في تقديم تنازلات واسعة للطرف الآخر، وأيضاً من اختلاف تفسير الاتفاق، وبالتالي فإن هذا يجمد المشهد ويحقق مآرب لبعض الجهات الإقليمية كإيران، وهذا واضح وأشير إليه أميركياً على لسان مسؤولة الأمن الداخلي الأميركي، التي تحدثت عن وجود عناصر من النظام المخلوع في صفوف “قسد”.

ويرى علاوي أن هذا يجب أن يقابل بتحرك دولي يبعد الأصابع الإقليمية عن سوريا، وينظف طاولات التفاهم السوري السوري من المصالح الخارجية.

ليبقى الحل مرهونا بضغوط دولية أكبر، أو بحدوث تغييرات ميدانية تدفع بالاتفاق نحو التنفيذ الذي يصب أولاً وأخيراً في صالح السوريين.

آخر الأخبار
فوضى أجور صيانة الأعطال المنزلية.. المواطن يدفع الثمن واتحاد الحرفيين يعد بالإصلاح عندما تكون المنتخبات الوطنية وسيلة وليست غاية! أولى أمطار دمشق تكشف ضعف جاهزية شبكات التصريف خبراء: "يتم حشد المكونات السورية على طاولة العاشر من آذار" العنف ضد المرأة.. جروح لا تندمل وتحدٍّ ينتظر الحلول مندوب سوريا الدائم في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: مرحلة جديدة من التعاون واستعادة الحقوق السورية جولة المفاجآت الثقيلة في دوري أبطال أوروبا مواجهات قوية في الدوري الأوروبي الذكاء الاصطناعي التوليدي .. أنسنة رقمية أم تكامل تنموي؟ مع ولادة اتحاد الكرة الجديد كيف ترى خبراتنا الرياضية مستقبل الكرة السورية؟ فعاليات اقتصادية تطالب بتكافؤ العلاقة التجارية بين سوريا والأردن كرنفال رياضي ثقافي بذكرى التحرير بحمص كأس العرب (FIFA قطر 2025) وفرصة المشاهدة عن قرب نقص الأدوية في المشافي الحكومية.. وزارة الصحة تكشف الأسباب وتطرح خطة إصلاح لقب (حلب ست الكل) بين حمص الفداء والأهلي سوريا تتسلّم رئاسة مجلس وزراء الإعلام العرب في الجامعة العربية اجتماع سوري دولي على هامش الدورة 93 للإنتربول في مراكش المغربية التدريبات الإسرائيلية في الجنوب.. هل يضيّع نتنياهو فرصة الاتفاق الأمني؟ الأسواق الشعبية في دمشق بين الحاجة الاقتصادية وتحديات الرقابة وفد من "المركزي" يزور معهد الدراسات المصرفية وأكاديمية الفنتك الأردنية