العنف ضد المرأة.. جروح لا تندمل وتحدٍّ ينتظر الحلول

الثورة – فردوس دياب:

بدأت السيدة عليا (45 عاماً) الحديث عن معاناتها الطويلة مع زوجها الذي يكبرها بأكثر من عشرين عاماً، حين قرر أهلها على الرغم من انها طفلة وعمرها 15 عاماً، “التخلص منها” عبر تزويجها قسرياً لأحد وجهاء البلدة “طعماً في أمواله”، ولا تزال تتعرض منذ ذلك الوقت إلى الإهانة والضرب والتوبيخ أمام أبنائها وجاراتها وأهلها، على حد قولها لـ”الثورة”.

إنها صورة واحدة من قصص واقعية تروي جزءاً من معاناة بعض النساء اللاتي تعرضن للعنف بطريقة أو بأخرى خلال حياتهن، والمدخل للحديث عن هذا الموضوع يأتي بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة “25 نوفمبر / تشرين الثاني” والذي قد يبدو أوسع بكثير، خاصة عندما نتحدث عن العنف الذي يصعب وصفه وقد طال المرأة السورية خلال سنوات الحرب الماضية، إذ تعرضت الكثير من النساء لشتى أنواع التعذيب والعنف من قبل النظام المخلوع.

ضحية الإرث لما قبل التحرير

عن واقع المرأة في مرحلة ما بعد التحرير، أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني في تصريح خاص لصحيفة الثورة، أن المرأة السورية بعد التحرير، لا تزال تعاني من الإرث والتراكمات السابقة لمرحلة ما قبل التحرير، موضحاً أن ذلك يحتاج الى وقت وجهد كبيرين، فالإرث ثقيل ولا تزال هناك نساء بالخيام مشردات قصرياً، وكذلك نساء يعانين من الصدمة النفسية بسبب فقدان أزواجهن في السجون نتيجة قتلهم تحت التعذيب، وهناك نساء يعانين من تبعات القوانين التي أثرت سلبياً على حقوقهن بالسكن وغيره.

وقال عبد الغني: “هذا الإرث الثقيل من الانتهاكات ضد المرأة بحاجة الى جهود كبيرة جداً، لأن انعكاساتها لا تطال النساء فقط وإنما المجتمع بأسره”، ودعا إلى إشراك المرأة بشكل أكبر بالنشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفق الكفاءات والخبرات، وهذا يتطلب العمل على القوانين السابقة التي فيها تمييز وإجحاف بحق المرأة.

نحو 30 ألف امرأة قُتلت منذ بداية الثورة

أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، تحت عنوان “في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة: تعزيز مشاركة النساء في المرحلة الانتقالية في سوريا لضمان حقوقهن وإنصافهن”.

وسلّط البيان الضوء على الانتهاكات الواسعة التي تعرّضت لها النساء والفتيات في سوريا منذ آذار/مارس 2011، بهدف دعم مسارات العدالة الانتقالية، وتعزيز آليات المساءلة، وضمان حماية حقوق النساء والفتيات خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بعد سقوط النظام المخلوع في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.

وتبرز التقارير الدور المحوري الذي أدّته النساء خلال سنوات النضال من أجل التغيير السياسي، مقابل ضعف تمثيلهن الحالي في مواقع صنع القرار والمؤسسات القيادية، وأكدت أنَّ غياب المشاركة النسائية الكافية يشكل تحدّياً رئيساً أمام ضمان حقوق النساء وإنصافهن في عملية الانتقال السياسي وبناء الدولة.

وقد وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان منذ آذار/مارس 2011 حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 مقتل 29,358 أنثى، مع مسؤولية النظام المخلوع عن 76 بالمئة من إجمالي الضحايا، ونسبة 23 بالمئة من الضحايا من الأطفال الإناث.

وسُجِّل عام 2013 كأعلى عام في حصيلة القتل بحق الإناث، فيما جاءت محافظات حلب، ثم إدلب، فريف دمشق في المرتبة الأعلى من حيث عدد الضحايا، كما وثقت الشَّبكة 10,257 أنثى، لا يزلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، ورأت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أنَّ المرحلة الانتقالية في سوريا تمثل فرصة أساسية لتعزيز حماية النساء والفتيات وضمان مشاركتهن الفاعلة، خاصة في ظل حجم الانتهاكات التي تعرضن لها منذ عام 2011.

التمييز واللا مساواة

في حديثهن للثورة، تروي سارة (18 عاماً)، الفتاة الوحيدة لأهلها بين أربعة أخوة شباب، كيف تتعرض للتنمر والتوبيخ والضرب من قبل أخوتها الذين يعاملونها كالخادمة في المنزل، أما سلمى (35 عاماً) فروت حكايتها بغصة وندم كبير، لأنها قبلت الزواج برجل يصغرها بنحو ثمانية أعوام، يقوم بإهانتها بشكل متكرر من خلال توجيه بعض الكلمات الساخرة لها، مثل “أنت بعمر أمي، شو المقلب يلي أكلتو”، كما يهددها بالطلاق والزواج من أخرى تصغره سناً، مضيفة: إنها تضطر لتحمله من أجل أبنائها.

ضمن هذا الإطار التقت صحيفة الثورة الاختصاصية في الصحة النفسية ماري اندراوس، التي استلهت حديثها بالتأكيد أن “العنف ضد المرأة” يعد الأكثر انتشاراً داخل البلدان العربية، وتبلغ نسبته 37 بالمئة وفق الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

وفيما يتعلق بمسببات العنف ضد المرأة، بيّنت اندراوس أنها تكون نتيجة تفاعل عدة عوامل “بيولوجية ونفسية واجتماعية واقتصادية”، وقد يؤدي عامل واحد فقط إلى اندلاعه، ويزداد تأثيره حين تتفاعل هذه العوامل معاً، وتذكر منها، فشل الزوجين في التواصل وحل المشاكل، وشعور الرجل بالنقص أو فقدان الثقة بنفسه فيلجأ لممارسة العنف، وعدم قدرته على التعامل مع الإهانات أو الاستفزازات من الزوجة، أو تحويل الغضب من العمل والأسرة إلى العنف داخل المنزل، كما أن العنف قد يكون سلوكاً متعلماً من الطفولة، أو نتيجة للنزعة السادية لدى الرجل، ويعود ذلك إلى التنشئة على قيم عنيفة تولّد شخصية ضعيفة.

سنّ قوانين لحماية حقوقهن

وأكدت الاختصاصية النفسية اندراوس أنه يمكن الحد من العنف ضد المرأة من خلال تعاون المجتمع والحكومة، فعلى المستوى الحكومي، يجب سنّ قوانين صارمة ضد العنف، وتوفير حماية حقيقية للنساء عبر مراكز إيواء وملاجئ آمنة، وتسريع إجراءات المحاكمات، وتدريب الشرطة على التعامل بحساسية مع الضحايا، أما بالنسبة للمجتمع فمن خلال نشر التوعية حول حقوق المرأة وأضرار العنف، وتشجيع قيم المساواة، ودعم النساء اقتصادياً واجتماعياً ليصبحن قادرات على حماية أنفسهن، كما يحتاج المجتمع إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، من خلال برامج العلاج والإرشاد الأسري.

وأوضحت أن هناك سلسلة من التحديات التي تواجه النساء الناجيات من العنف، فغالباً ما يترددن في طلب المساعدة خشية فقدان أطفالهن أو التعرض للوم والضغط من الأسرة والمجتمع، كذلك يعانين من ضعف الوصول إلى الدعم القانوني والنفسي نتيجة محدودية مراكز الحماية والخدمات المتخصصة، مضيفة: إن العنف ضد المرأة يترك آثاراً عميقة تتجاوز الضحية لتطال الأسرة والمجتمع بأسره.

ترسيخ قيم المساواة والاحترام

أما عن تزايد العنف الرقمي ضد المرأة وكيفية مواجهته، فبينت اندراوس أن العنف الرقمي ضد المرأة يشهد ارتفاعاً ملحوظاً مع انتشار الهواتف الذكية ومواقع التواصل، إذ تتعرض الكثير من النساء للابتزاز الإلكتروني، والملاحقة الرقمية، وانتهاك الخصوصية، ونشر الصور دون إذن، إضافة إلى التحريض والتهديد عبر الإنترنت، ويعود هذا التزايد إلى سهولة الوصول للضحية، وضعف الوعي بالأمان الرقمي، وغياب تشريعات صارمة تجرّم هذا النوع من العنف بشكل واضح.

وللمواجهة، تحتاج النساء إلى تعزيز مهارات الحماية الرقمية، مثل تأمين الحسابات وكلمات المرور، والإبلاغ الفوري عن التهديدات، إلى جانب دور أكبر للجهات المعنية في تطبيق القوانين وتطوير وحدات متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية، كما يُعدّ نشر الوعي المجتمعي وتثقيف الشباب بمخاطر الإساءة الرقمية خطوة أساسية للحد من هذا النوع من العنف.

آخر الأخبار
أولى أمطار دمشق تكشف ضعف جاهزية شبكات التصريف خبراء: "يتم حشد المكونات السورية على طاولة العاشر من آذار" العنف ضد المرأة.. جروح لا تندمل وتحدٍّ ينتظر الحلول مندوب سوريا الدائم في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: مرحلة جديدة من التعاون واستعادة الحقوق السورية جولة المفاجآت الثقيلة في دوري أبطال أوروبا مواجهات قوية في الدوري الأوروبي الذكاء الاصطناعي التوليدي .. أنسنة رقمية أم تكامل تنموي؟ مع ولادة اتحاد الكرة الجديد كيف ترى خبراتنا الرياضية مستقبل الكرة السورية؟ فعاليات اقتصادية تطالب بتكافؤ العلاقة التجارية بين سوريا والأردن كرنفال رياضي ثقافي بذكرى التحرير بحمص كأس العرب (FIFA قطر 2025) وفرصة المشاهدة عن قرب نقص الأدوية في المشافي الحكومية.. وزارة الصحة تكشف الأسباب وتطرح خطة إصلاح لقب (حلب ست الكل) بين حمص الفداء والأهلي سوريا تتسلّم رئاسة مجلس وزراء الإعلام العرب في الجامعة العربية اجتماع سوري دولي على هامش الدورة 93 للإنتربول في مراكش المغربية التدريبات الإسرائيلية في الجنوب.. هل يضيّع نتنياهو فرصة الاتفاق الأمني؟ الأسواق الشعبية في دمشق بين الحاجة الاقتصادية وتحديات الرقابة وفد من "المركزي" يزور معهد الدراسات المصرفية وأكاديمية الفنتك الأردنية طرح العملة السورية الجديدة بين متطلبات الإصلاح النقدي وتحدّيات التطبيق 59 بالمئة من الشبكة الحديدية خارج الخدمة.. وخطط لتأهيل محور الفوسفات وإعادة الربط الإقليمي