افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير نور الدين الإسماعيل:
إشادات واسعة بصورة لعنصر تابع لوزارة الداخلية في طرطوس، أثناء احتجاجات شهدتها المدينة، أمس الثلاثاء، على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدا العنصر واقفاً، منكساً سلاحه نحو الأرض، رافعاً رأسه إلى جانب المحتجين، أثناء حماية عناصر “الداخلية” للاحتجاج.
معظم المعلقين على الصورة أشادوا بتصرف العنصر الذي يمثل بقية زملائه في الالتزام بأوامر قادته بعدم التعرض للمحتجين، في حين اعتبر البعض أن ذلك هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه عنصر الأمن في أي بلد، إلا أن هذه الصورة لم تكن ضمن الوضع الطبيعي في سوريا ما قبل التحرير.
الاحتفاء بِردّ فعل العنصر لم يأتِ من فراغ، لأنه مثّل أول اختبار صعب ومعقد في سوريا الجديدة، حيث كان التعاطي مع الحالة بحكمة وموضوعية من قبل وزارتي الداخلية والإعلام، وهو ما يؤكد أن البلاد تسير في الطريق الصحيح، وأن حق المواطن في التعبير عن مطالبه ضمن الضوابط الوطنية، مكفول ومصان.
وسائل الإعلام السورية نقلت الاحتجاجات، يوم أمس، بموضوعية وشفافية، بعيداً عن التحيز أو التبني، في اختبار حقيقي للمرحلة الجديدة التي تعيشها سوريا، وهو أمر طبيعي في المنطق العام، إلا أنه في سوريا تحديداً يجب التوقف عنده، فقد كان التعاطي مع المظاهرات السورية عام 2011 أحد أهم الأسباب التي ساهمت في توسّع رقعة القتل والدمار، حيث كان الإعلام شريكاً في قتل السوريين ولم يكن بريئاً.
البعض يرى أنه لا يوجد داعٍ للمقارنة بين سوريا الأمس واليوم، لكن الحقيقة هي أنه لا بد من التذكير بالأمس حتى لا يتكرر غداً، وأن ندعم كل فعل إيجابي لنعزز ثقافة المواطنة الحقيقية بعد سنوات من القتل والتهجير والتشريد قمعاً للحرية وتشويهاً للمطالب، وأنه لا بد من فرض سياسة العمل بمنطق الدولة التي تحافظ على أمن مواطنيها.
في 18 آذار من عام 2011 واجه عناصر الأمن التابعون لنظام الأسد المخلوع مظاهرةً سلميةً في مدينة درعا بالرصاص الحي، ما أدى إلى ارتقاء أول شهيدين في الثورة السورية؛ محمود جوابرة وحسام عياش، ثم تتالى الشهداء من المتظاهرين السلميين طوال ستة أشهر، قبل أن يضطر عناصر من الجيش والأمن إلى الانشقاق، وتشكيل الجيش السوري الحر للدفاع عن المتظاهرين.
آلة القتل التي قادها نظام الأسد المخلوع لم تتوقف، بل زادت وتيرتها حتى سقوط نظام الأسد وتحرير سوريا، بعد مقتل ما يزيد على 230 ألف مدني موثقين بالاسم، وأكثر من 177 ألف مختفٍ قسرياً، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتدمير معظم المدن السورية وتهجير أغلبية سكانها.
وسائل الإعلام السورية، التي كانت تديرها الأفرع الأمنية التابعة للأسد المخلوع، حينها، وصفت المتظاهرين بالمندسين، قبل أن تطلق عليهم لاحقاً “الإرهابيين”، وفي أحسن الأحوال قالت إحدى المذيعات: “إنهم خرجوا ليشكروا الله على نعمة المطر”، في حالة من الاستغباء والإنكار التي لا مثيل لها في تاريخ الشعوب.
أربعة عشر عاماً من التضحيات التي قدمها السوريون من أجل التغيير وبناء الدولة الجديدة، برزت نتائجها المبشرة في صورة الأمس، وتعاطي وسائل الإعلام الرسمية مع الحدث، والتي كان ثمنها مئات آلاف الشهداء والمعتقلين والمختفين قسرياً، والكثير الكثير من القهر والألم والمعاناة.