الثورة – مجد عبود:
يشهد عالم كرة القدم الأوروبية صعوداً لافتاً لجيل جديد من المدربين الشباب، الذين انتقلوا من أرض الملعب إلى مقاعد القيادة، دون فواصل زمنية طويلة، ويبرز في الآونة الأخيرة اسمان بشكل خاص في هذا المشهد: فينسنت كومباني الذي يتولى قيادة بايرن ميونيخ الألماني، وسيسك فابريغاس الذي يخوض تحدياً مختلفاً مع نادي كومو الإيطالي الصاعد حديثاً إلى دوري الدرجة الأولى، وبين مشروع ضخم في ميونيخ، وطموح كبير في كومو، تبرز تجربتان تحملان الكثير من الجرأة والرؤية الفنية الحديثة.
نجاح كومباني
نجح فينسنت كومباني، رغم الجدل الذي رافق تعيينه، في وضع بصمته سريعاً داخل واحد من أكبر أندية أوروبا، وبعد مسيرة قصيرة مع أندرلخت وبيرنلي، إذ برز بأسلوب لعب هجومي قائم على الاستحواذ، وجد كومباني نفسه أمام اختبار قيادة فريق اعتاد على منصات التتويج.
منذ استلامه المهمة، عاد بايرن ميونيخ إلى حالة من الثبات الفني والنتائجي، مع منظومة تعتمد على البناء من الخلف والضغط العالي وتناقل الكرة بانسيابية واضحة، يُعد المدرب البلجيكي امتداداً لمدرسة الحداثة في التدريب، إذ يمزج بين صرامة المنظومة والانضباط التكتيكي وبين النزعة الهجومية المنظمة.
ويبدو أن الإدارة البافارية استقرت بشكل كامل على مشروع كومباني، إذ تم تمديد عقده حتى عام (2029) في إشارة واضحة إلى الثقة برؤية المدرب وقيادته، كما لقي الرجل دعماً واسعاً داخل غرفة الملابس، إذ أشاد اللاعبون بروح القوة التي ينقلها وبالوضوح الكبير في التعليمات والمهام.
ويعتمد كومباني على مرونة تكتيكية تسمح للفريق بالتحول بين عدة تشكيلات أثناء المباريات، أبرزها (4-2-3-1) و(4-3-3-1)مع مشاركة فعّالة للأظهرة في البناء الهجومي، ويظهر الفريق أكثر تماسكاً في المرحلة الدفاعية، مع ضغط عالٍ يجبر الخصوم على ارتكاب أخطاء في مناطق خطرة، هذا الأسلوب أنتج نتائج إيجابية محلياً، وأعاد الجماهير إلى الاطمئنان على قدرة الفريق على الهيمنة داخل ألمانيا، إضافة إلى تقديم كرة حديثة قادرة على مجاراة كبار القارة.
فابريغاس مشروع تحدٍّ في كومو
على الضفة الأخرى، يخوض سيسك فابريغاس تجربة مختلفة تماماً، لكنها لا تقل طموحاً عن اللاعب الإسباني السابق، الذي بدأ رحلته التدريبية من داخل نادي كومو ذاته، إذ تولى فرق الفئات العمرية قبل أن يُكلّف بقيادة الفريق الأول، ومع الصعود التاريخي إلى الدوري الإيطالي وجد فابريغاس نفسه أمام فرصة لإثبات قدرته على صناعة مشروع متكامل.
يقدم كومو تحت إشرافه كرة هجومية، تعتمد على الشجاعة في مواجهة الفرق الكبرى، والضغط المتقدم، والبناء الذكي، واستخدام الأظهرة المقلوبة، هذا الأسلوب الجريء جعل الفريق إحدى المفاجآت السارة في بدايات الموسم، وفتح الباب أمامه لتحقيق نتائج مهمة سواء في الدوري أم في الكأس.
لا يُحسب لفابريغاس الأسلوب الفني فقط، بل يحسب له كذلك تأثيره الكبير على اللاعبين، فقد باتت لقطات حديثه معهم قبل المباريات تحظى بانتشار واسع، لما فيها من روح قيادية وحماس ودقة في توجيه الرسائل.
ويوضح المدرب الإسباني في مواقفه وتصريحاته حرصه على المستوى الأعلى، إذ عبّر علناً في أكثر من مناسبة عن عدم رضاه حتى عند تحقيق نتائج إيجابية، تأكيداً على رغبته في بناء فريق ينافس بثبات.
ويبدو نادي كومو مقتنعاً بمشروع مدربه الشاب، لاسيما في ظل الطموحات المالية الكبيرة التي يمتلكها النادي، والرغبة في دخول منافسة جدية مع كبار السيرا (A) خلال السنوات المقبلة.
ورغم اختلاف حجم الناديين، يجمع بين كومباني وفابريغاس عنصران أساسيان: الجرأة في اتخاذ القرار، والقدرة على نقل رؤيتهما الفنية من الملعب إلى التدريب بسرعة لافتة، وإذا كان كومباني يقود فريقاً مطالباً دائماً بالبطولات، فإن فابريغاس يقود مشروعاً صاعداً يسعى إلى تثبيت مكانته بين الكبار، لكن كليهما يشكل جزءاً من موجة جديدة في التدريب الأوروبي، تعطي قيمة أكبر للمدرب القريب من عقلية اللاعبين، والقادر على الدمج بين العلم التكتيكي والخبرة الشخصية داخل أرض الملعب.
بين بايرن ميونخ العملاق وكومو الطموح، يصنع فينسنت كومباني وسيسك فابريغاس مساراً جديداً للمدربين الشباب في أوروبا، تجربة الأول قائمة على إعادة الهيمنة وتطوير الأداء داخل منظومة اعتادت النجاح، بينما يقوم الثاني ببناء مشروع واعد من الصفر، وفي كلتا الحالتين، يبدو أن مستقبل التدريب الأوروبي سيكون أكثر شباباً، وأكثر جرأة، وأكثر قرباً من نبض اللاعبين ولغة الملعب.