الثورة : مها يوسف
صوت مجلس الشيوخ الأمريكي على مادة إلغاء قانون قيصر الذي فُرض على سوريا منذ عام 2019، والذي شكل أحد أبرز أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي على الدولة السورية خلال السنوات الماضية، هذا التطور يأتي تتويجاً لجهود دبلوماسية مكثفة بذلتها الحكومة الانتقالية في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد لإيصال صوتها إلى المجتمع الدولي، وشرح التداعيات الإنسانية والاقتصادية الخطيرة للعقوبات المفروضة على الشعب السوري.
يرى رئيس المجلس السوري الأمريكي فاروق بلال أن أهمية هذا القرار تكمن في كونه تحولاً جوهرياً في الموقف الأمريكي تجاه سوريا، مشيراً إلى أن الطريق إلى هذا التصويت لم يكن سهلاً، بل سبقه مسار طويل من المحاولات في أروقة الكونغرس والإدارة الأمريكية.
ويشرح بلال تفاصيل القرار قائلاً كما نعلم في 30 حزيران قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإصدار قرار تنفيذي لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قرارات تنفيذية صدرت منذ عام 2004 وحتى تاريخ القرار.
إلا أن هناك عقوبات كانت مرتبطة بقوانين أمريكية تحتاج إلى موافقة الكونغرس الأمريكي، وأبرزها قانون قيصر ، وكانت هناك محاولات عديدة لإلغائه وتعددت الصيغ المطروحة في مجلس الشيوخ حول كيفية الإلغاء.
أكثر الصيغ التي لاقت دعماً كانت تلك التي قدمها السيناتور لنزي كرام، والتي لم تلغِ قانون قيصر بشكل فوري بل أبقته لمدة سنتين ونصف، واضعة الحكومة السورية تحت المراقب وإعادة فرض القانون في حال عدم تنفيذ بعض الشروط المحددة.
ويضيف بلال تتطلب تلك الصيغة من الحكومة الأمريكية، وخاصة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، تقديم تقرير دوري كل ستة أشهر إلى الكونغرس يبيّن مدى التزام الحكومة السورية بهذه الشروط، وفي حال لم يتم تقديم التقرير أو لم ترَ واشنطن التقدم المطلوب، يمكن للكونغرس أن يعيد فرض العقوبات.
كان هذا أمراً خطيراً للغاية، لأن الإبقاء على القانون لعامين ونصف مع احتمال تغيّر الإدارة الأمريكية أو الكونغرس، كان سيُبقي سيف قانون قيصر مسلطاً على سوريا، لكن القرار الذي جرى التصويت عليه مؤخراً، بحسب بلال يُعتبر تاريخياً لأنه يرفع قانون قيصر بشكل كامل مع نهاية العام الجاري، من دون أي شروط مسبقة، ويشير إلى أن الوثيقة النهائية تتضمن فقط توصيات غير ملزمة للحكومة السورية في مجالات محددة، وهذه الفقرة هي الأهم في مشروع القرار الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ أمس، والذي أُضيف إلى حزمة ميزانية وزارة الدفاع لعام 2026.”
نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية
ويتابع بلال موضحاً أن هناك قراراً ثانياً مكملاً تم تضمينه في الحزمة ذاتها يشير إلى رغبة الكونغرس الأمريكي في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الحكومة السورية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينص على تقديم تقرير حول إمكانية إعادة افتتاح السفارة الأمريكية في دمشق، في خطوة يُنظر إليها على أنها تمهيد عملي لإعادة التواصل المباشر بين البلدين بعد قطيعة استمرت أكثر من عقد.
انعكاسات القرار
ويرى بلال أن هذا التطور يشكل نقطة تحول كبرى في الملف السوري، إذ يُتوقع أن تكون له انعكاسات إيجابية على مختلف قطاعات الحياة في سوريا.
فرفع العقوبات يعني تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتسهيل انسياب السلع والمواد الأساسية وتشجيع الاستثمارات وإعادة ربط الاقتصاد السوري بالأسواق العالمية.
كما أنه يفتح الباب أمام استعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الغربية، ويمنح فرصة جديدة للمؤسسات الوطنية للنهوض بعد سنوات من الحصار والمعاناة.
وختم بلال حديثه إن نجاح الدبلوماسية السورية في إيصال صوتها إلى دوائر القرار الأمريكية، وإقناع الكونغرس بضرورة إنهاء قانون قيصر، يُعد إنجازاً وطنياً واستراتيجياً يعكس التحول في الرؤية الدولية تجاه سوريا.
وهو دليل على أن السياسة الهادئة القائمة على الحوار والواقعية والمثابرة يمكن أن تحقق نتائج ملموسة حتى في أصعب الظروف الدولية.
ومع رفع العقوبات واستئناف الحوار الدبلوماسي، يبدو أن سوريا تتجه نحو مرحلة جديدة عنوانها التعافي والانفتاح وإعادة بناء الجسور مع العالم.