“قماط وكفن”.. صراع الحياة والموت

الثورة – رنا بدري سلوم:

بين “القماط والكفن”، بين البداية والنهاية، وبين صرخة الميلاد وأنين الرحيل، تدور فلسفة الحياة كما رآها الكاتب والناقد المسرحي إسماعيل خلف في مسرحيته الجديدة “قماط وكفن”، سينوغرافيا وإخراج هاشم غزال وأداء رغداء جديد وهاشم غزال ,والتي تُعرض ضمن فعاليات مهرجان محمد الماغوط بدورته الخامسة في اللاذقية، برعاية نقابة الفنانين ومركز فنون الأداء.

العنوان وحده يشي بصراعٍ أزليٍّ بين الوجود والغياب، بين أول خيط من الضوء وآخر لحظة من العتمة.

تأمل في ثنائية الوجود

القماط -كما هو معروف- هو القماش الذي يُلفّ به المولود عند قدومه إلى الحياة، فيما الكفن هو القماش الذي يُلفّ به الإنسان عند رحيله، من هذه الثنائية وُلدت فكرة المسرحية، إذ يتجلّى الصراع الأبدي بين الحياة والموت، في مشهدٍ يستدعي أسئلة جلجامش القديمة: لماذا نموت؟ وأين يوجد العالم الذي لا رحيل فيه؟ وكأننا نردد مع زوربا صرخته الوجودية نفسها: لماذا؟ هذه التساؤلات الإنسانية بثّها نصّ “طقوس الأبيض” للكاتب العراقي محمود أبو العباس، الذي استلهم منه إسماعيل خلف عمله المسرحي الجديد، ليقدّم معالجة معاصرة بعنوان “قماط وكفن”، تُختصر فيها رحلة الوجود بين الميلاد والفناء.

صراع مختزل

يوضح خلف في حديثه لـ”الثورة” أن المسرحية تقوم على اختزال الصراع في شخصيتين أساسيتين: الزوج والزوجة، اللذان يرمزان إلى حفّار القبور والقابلة، وهما مهنتان متناقضتان في جوهرهما؛ فالأول يشهد كل يوم رحيل أناسٍ عن الحياة، بينما تواكب الثانية ميلاد القادمين إليها.

ورغم التناقض، يجمع بينهما فقدان الأبناء ورحيلهم المبكر، فيعيشان في فراغٍ وسؤالٍ دائم: لماذا؟ يصف خلف العمل أنه فلسفة إنسانية خاصة، تنتهي إلى أن الحب هو السرّ، ذلك الحب الذي يبدأ مع صرخة الإنسان الأولى، ويظل صداه ممتداً حتى صرخته الأخيرة.

فالحبّ، في رؤيته، هو ما يمنح للحياة معناها ويجعل الموت مجرّد انتقالٍ لا فناء.

اللغة والبناء المسرحي

يقول خلف: “اعتمدتُ في بناء النص على الطقس المسرحي، وجعلتُ لغة الحوار تميل إلى الشاعرية، لأن الفكرة ليست فردية بل هاجس إنساني مشترك بين جميع الناس بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، سعيتُ إلى أن يرتقي الحوار إلى مستوى الفكرة، بعيداً عن اللغة اليومية البسيطة، واستعنتُ في بعض المقاطع بقصيدة حفّار القبور للشاعر بدر شاكر السيّاب.”

في جانب الحبكة، حرص خلف على كسر تقليدية البناء المسرحي، فلم يلتزم بالنموذج الكلاسيكي “بداية – وسط – نهاية”، بل اعتمد أسلوب الفلاش باك أو الخطف خلفاً، ليبقى المتفرّج في حالة تساؤل دائم: وماذا بعد؟ بهذا الأسلوب، يفتح العمل أفقاً للتأمل في الدائرة الوجودية الكبرى التي لا تنتهي.

دعوة إلى الحياة

يختتم خلف حديثه قائلاً: “قد تكون محاولة مضنية أحياناً في تفكيك رموز النص، لكنها في جوهرها دعوة للحياة، ولطَيّ صفحة الموت والمآسي.

وكأننا في النهاية ننشد مع تشيخوف: سنرتاح.. سننظر إلى بؤسنا وشقائنا بابتسامةٍ وفرح.”

“قماط وكفن” ليست مجرد مسرحية عن ثنائية الحياة والموت، بل هي مرآة تعكس عمق التجربة الإنسانية، وتعيدنا إلى السؤال الأول الذي لم يجد جواباً بعد: لماذا نولد إن كنا سنرحل؟ عملٌ يلامس الوجدان بعمقه الفلسفي وشاعريته البصرية، ويؤكد أن المسرح ما زال قادراً على أن يطرح أسئلة الوجود الكبرى بصوتٍ إنساني نابض بالحياة.

آخر الأخبار
بسبب نقص التمويل.. الأمم المتحدة ستقلص عديد قواتها في العالم دمشق وأنقرة.. خيارات بديلة وحلول عملية لمواجهة استفزازات "قسد" اتفاق "وقف الحرب" على غزة يدخل حيز التنفيذ سوريا تبدأ فصلاً جديداً في حربها على تجارة المخدرات طريق التعليم للجميع.. آلاف الشهادات غير السورية تدخل السجل السوري توقعات النمو شرطها رؤية اقتصادية جديدة "جمعية حماية المستهلك": التجار لو ربحوا 90 بالمئة يشعروننا بالخسارة مبادرة طب الطوارئ.. قرار الحسم بأصعب اللحظات مجلس الشعب الجديد... سوريا على سكة بناء الدولة الحديثة "التربية والتعليم": كرامة المعلم وأمن الطالب خط أحمر "المشروع العاشر" يتضامن مع الطفل المخطوف سوريا على خريطة "ميتا".. هل تجتاز اختبار الجاهزية؟ عودة الإعلانات الممولة ستسهم في تحفيز سوق العمل الإعدام على أنغام فيروز وأم كلثوم.. دراسة بحثية في فرنسا للطالبة سارة العويد أنامل تبدع في معرض منتجات المرأة الريفية بريف دمشق "حملات التبرع".. جسور تضامن وأمل مستمر رواتب المتقاعدين معاناة متفاقمة.. و"العقاري": إجراءات من خارج الصندوق استرداد الأصول المنهوبة.. الطريق إلى اقتصاد عادل وبداية عهد من الشفافية إعادة تشغيل منشأة توينان الغازية.. خطوة لإنعاش قطاع الطاقة استقالات في وزارة الشباب والرياضة.. هل هناك خلافات أم هروب للأمام؟ الفشل الإداري.. قرارات بلا رقابة و"تصفيق" يعلو على المحاسبة