الثورة – مريم إبراهيم:
افتتحت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات، مركز رعاية الأحداث في طرطوس الأسبوع الماضي بعد إعادة تأهيله، تمهيداً لوضعه في الخدمة خلال الفترة المقبلة، في إطار خطة عمل تعتمدها الوزارة لإحياء بنية معاهد رعاية الأحداث في سوريا التي خرج عدد منها من الخدمة خلال سنوات الحرب.
وكانت الوزارة قد أنجزت أيضاً تجهيز معهد الوليد للإصلاح في قدسيا بريف دمشق، بالتعاون مع الجهات الشريكة، لضمان جاهزيته قبل إعادة تشغيله، وتؤكد الوزارة أن إعادة تفعيل هذه المراكز تمثل خطوة مفصلية لتحويلها من أماكن احتجاز مغلقة إلى مؤسسات تأهيلية تستهدف إعادة دمج الأحداث في المجتمع.
وتشير الوزارة إلى أن المعاهد المختصة برعاية الأحداث، وفي مقدمتها معهد خالد بن الوليد (لمن هم فوق 16 عاماً) ومعهد الغزالي في قدسيا (لمن هم بين 10 و16 عاماً)، تهدف إلى إصلاح الجانحين من خلال التعليم الأساسي والمهني، وبرامج التربية الأخلاقية والبدنية، إلى جانب دورات تدريبية تشمل مهن الحلاقة والزراعة والخياطة وغيرها، بما يساعد الأحداث على اكتساب مهارات عملية عند خروجهم.
وفي وقت سابق، بحثت الوزيرة قبوات مع وفد من الاتحاد الأوروبي آليات دعم مراكز الأحداث، حيث خُصص مبلغ 1.5 مليون يورو لتغطية الاحتياجات الأساسية في هذه المراكز، مع إمكانية توجيه جزء من التمويل لدعم مراكز مكافحة التسول، عبر توفير تجهيزات لوجستية وتنفيذ دورات مهنية تستهدف تمكين الأطفال واليافعين.
دور إصلاحي بديل للسجن
تؤكد الباحثة الاجتماعية سمر هلال في حديث لـ”الثورة” أن معاهد تأهيل الأحداث تؤدي وظيفة اجتماعية أساسية، تقوم على توفير بيئة بديلة عن السجن لمن هم دون سن 18 عاماً، من خلال برامج تعليمية ومهنية وثقافية تساعد على إعادة تشكيل البناء النفسي والاجتماعي للحدث، مشددة على أهمية المتابعة اللاحقة بعد خروج الحدث لضمان استكمال عملية إعادة الدمج.
وتوضح هلال أن هذه المعاهد تقدم برامج تدريبية في عدد من المهن لمساعدة الأحداث على الاستعداد لسوق العمل، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي وإعداد تقارير دورية للمحاكم المعنية بشأن إمكانية إعفاء الحدث من جزء من العقوبة أو تعديل التدابير المتخذة بحقه.
وأشارت هلال إلى أن غالبية الأحداث المودعين في تلك المراكز تورطوا في جرائم مثل السرقة وتعاطي المخدرات والقتل وأفعال منافية للحشمة، وأن أقصى عقوبة قد يواجهها الحدث وفق القانون لا تتجاوز 12 سنة.
كذلك، تلفت هلال إلى أن الظروف الاقتصادية والحرب ساهمتا في زيادة أعداد الأحداث، في ظل غياب بيئات أسرية مستقرة لدى بعضهم، ما دفعهم إلى ارتكاب أفعال كانت سبباً في دخولهم هذه المعاهد، مضيفة أن شريحة واسعة من الأطفال الموجودين في هذه المراكز لم تختَر مصيرها، بل دفعت إليها الظروف.
التأهيل المهني ضرورة رغم التحديات
ترى الخبيرة التربوية نجود المعطي أن الاستثمار في طاقات الأحداث ضرورة اجتماعية، وأن المعاهد الحالية -رغم معاناتها من نقص الكوادر والتجهيزات- تمثل المكان الأكثر قدرة على تقديم برامج التأهيل، مؤكدة أهمية تحديث خطط التدريب وتوسيع مهن التعليم المعتمدة، بما يساعد الأحداث على مواصلة حياتهم بعد خروجهم.
وأوضحت المعطي أن بعض المعاهد نجحت في تنفيذ مبادرات عملية، مثل المشروع الزراعي في معهد خالد بن الوليد، حيث قام النزلاء بزراعة مساحات محيطة بالمعهد بهدف اكتساب مهارة مهنية والمساهمة في دعم جعالة الطعام.
كما أشارت إلى ضرورة تقييم مستمر لعمل هذه المعاهد، وضمان تفعيل دورها الإصلاحي بشكل فعّال، باعتبار أن الشريحة التي تستضيفها تمثل طاقات قابلة للاستثمار إذا توفرت الرعاية المهنية والنفسية المناسبة.
وتسعى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى إعادة وضع معاهد رعاية الأحداث على مسارها الصحيح عبر تأهيل البنى التحتية وتطوير برامج التدريب والدعم النفسي، بالتوازي مع تعزيز الشراكات الدولية، وبين التحديات اللوجستية والضغوط الاجتماعية، تبدو هذه المعاهد أمام فرصة جديدة للتحول من أماكن احتجاز مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية تساهم في إعادة دمج الأحداث وفتح مسارات حياة أفضل لهم.