سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية… مسار لا رجعة عنه

الثورة – أسماء الفريح:

أعادت سوريا قبل أيام قليلة تفعيل بعثتها الدائمة لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) في لاهاي، كما أعلنت عن تعيين الدكتور محمد كتوب ممثلا دائما للبلاد لدى المنظمة.

هذه الخطوة جاءت بعد اعتماد اللجنة الأولى التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بدعم دولي واسع، قرارا يبرز مرحلة التعاون الإيجابي والمتقدم بين الجمهورية العربية السورية والمنظمة، وفق ما أكدت وزارة الخارجية والمغتربين مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، موضحة أنه نتاج جهود دبلوماسية حثيثة جرت خلال الأشهر الماضية.

وذكرت الوزارة آنذاك أن القرار رحب بجهود الحكومة السورية وتعاونها الكامل والشفاف مع المنظمة، ودعا إلى تقديم الدعم الدولي لها، كما سلط الضوء على التزام سوريا بالعمل البناء في سياق الجهود الهادفة إلى تعزيز الشفافية وإعادة بناء الثقة.

وكانت المنظمة قد علقت عضوية سوريا فيها عام 2021، لاستخدام النظام المخلوع المتكرر الغازات السامة ضد المدنيين، وشمل التعليق الحقوق والامتيازات وحق سوريا في التصويت داخل المنظمة.

ودعت قطر خلال أعمال الدورة الـ109 للمجلس التنفيذي للمنظمة في تموز/يوليو الماضي إلى “التفاعل الإيجابي مع الواقع الجديد في سوريا واتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة حقوق وامتيازات سوريا كطرف فاعل في المنظمة”.

السوريون ضحايا الأسلحة الكيميائية

منذ أن ثار الشعب السوري ضد الظلم والاستبداد قبل نحو أربعة عشر عاما، عمد النظام المجرم إلى استخدام أبشع الطرق في محاولة لإسكاته وثنيه عن قول كلمة الحق التي صدحت في جهات الأرض الأربع، حتى إنه لم يتوانَ عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين العزل، فكان ضحاياها بالآلاف بين أطفال ونساء ورجال.

الدكتور كتوب قال في لقاء تلفزيوني، إن الأسلحة الكيميائية التي استخدمها النظام المخلوع تمتد جذورها إلى السبعينيات، واستمر استخدامها حتى الأيام الأخيرة قبل التحرير، موضحا أن آخر استخدام موثق كان في الخامس من كانون الثاني/يناير 2024 في قرية خطاب بريف حماة.

ووفقا لمدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، نضال شيخاني، فإن عدد حالات استخدام الكيميائي بلغ 256 حالة موثقة حتى شهر آب/أغسطس الماضي.

وأشار إلى أهمية إعادة فتح ملف هذه المجازر في دوما والغوطة وسوريا عموما، بهدف نقل آلام المدن والبلدات التي طالتها هذه المجازر في أرجاء سوريا لضمان تقديم المتورطين إلى المحاكم وتحقيق العدالة.

وأوضح خلال لقاء في مدينة دوما أقيم بمناسبة الذكرى الـ12 لمجزرة الكيميائي في الغوطة، أن المركز وضمن مسعاه لتوثيق المجازر جمع عينات وأدلة كثيرة، واستجلب المئات من الشهود، حتى استطاع جمع 180 ألف ملف دفعت الأطراف الدولية لتغيير قناعاتها، واتخاذ موقف أكثر حزما من جرائم النظام المخلوع، وتجريم قيامه بقصف المدنيين بالكيماوي في الغوطتين الغربية والشرقية وحمص وخان شيخون وحلب 13 مرة.

بدوره ذكر عضو رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية، أحمد حزرومة، خلال فعالية جرت في داريا بريف دمشق في آب/أغسطس الماضي أيضا، أن الإحصائيات التي تم الوصول إليها فيما يتعلق باستخدام النظام المخلوع للأسلحة الكيميائية أكدت وقوع “217” ضربة كيماوية في مختلف المحافظات السورية.

التعاون بين سوريا والمنظمة

في أعقاب سقوط النظام المخلوع، أعربت سوريا عن استعدادها التام للتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من أجل إغلاق هذا الملف بالكامل.

وقال وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، في تغريدة على منصة “إكس” في آذار/مارس الماضي: “أشارك اليوم ولأول مرة في تاريخ سوريا في اجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي”.

وأضاف أن هذا الاجتماع يمثل التزام سوريا بالأمن الدولي ووفاءً لمن فقدوا أرواحهم اختناقا على يد نظام الأسد.

وتابع أن المشاركة تؤكد “مجددا التزام سوريا بحل هذه الأزمة التي ورثناها عن نظام الأسد وعانينا منها لمدة 14 عاما. من واجبنا أن نضمن عدم تكرار هذه الجرائم، وأن تتحقق العدالة لضحايا مجازر الأسد الكيميائية”.

واستقبل الرئيس أحمد الشرع والوزير الشيباني وفدا من المنظمة برئاسة فرناندو غونزاليز، المدير العام للمنظمة، في دمشق في الثامن من شباط/فبراير الماضي، حيث وصفت المنظمة الاجتماعات التي جرت بالمثمرة والمنفتحة، مؤكدة استعدادها لدعم سوريا في الإيفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

وصرح غونزاليز حينها بأن “الزيارة تمثل إعادة ضبط للأمور، فبعد أحد عشر عاما من العرقلة التي مارستها السلطات السابقة، أمام حكومة تسيير الأعمال فرصة لطي الصفحة والإيفاء بالتزامات سوريا بموجب الاتفاقية”.

كيفية التخلص مما تبقى من هذه الأسلحة؟

شدد الدكتور كتوب على أن مخلفات الأسلحة الكيميائية المنتشرة في بعض المناطق السورية تشكل خطرا كبيرا على المدنيين، مؤكدا أن سوريا اليوم دولة مسؤولة تتحمل التزاماتها الدولية وتعمل على التخلص من مخلفات تلك الأسلحة بعد أن تعرضت خلال حقبة النظام المخلوع لأكثر من مئتي هجوم كيميائي.

وأوضح أن الجيش السوري والجهات المختصة يعملون منذ اليوم الأول للتحرير على تأمين المواقع المشتبه بوجود مخلفات فيها وحمايتها من أي خطأ قد يهدد حياة المدنيين، وخاصة أن بعض المواقع تعرضت لقصف إسرائيلي.

وأشار كتوب إلى أن سوريا تعمل حاليا على استقطاب التعاون والخبرات التقنية من الدول الأعضاء، وأكد وجود تعاون واسع مع عدد كبير منها، مبينًا أن قائمة المواقع المشتبه بها تضم نحو 100 موقع، زارت الفرق الوطنية منها 23 موقعا حتى الآن، وذلك في عمل مستمر يتطلب جهود العديد من الوزارات، ولا سيما الدفاع والطوارئ والصحة والعدل.

وكانت سوريا قد رحبت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بتبني المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للقرار الذي قدمته إلى الدورة الـ110 للمجلس حول “التدمير المسرع لأي بقايا للأسلحة الكيميائية في سوريا”، حيث يمنح هذا القرار كلا من سوريا والمنظمة القدرة على التعامل مع أي بقايا للأسلحة الكيميائية في سوريا بشكل يتناسب مع الواقع والقدرات المتاحة، وبما يمكن من تجاوز العقبات لتخليص السوريين والعالم من هذه الأسلحة نهائيا.

ويطلب القرار المذكور من فرق التفتيش التابعة للمنظمة الاستمرار في التحقيق وجمع الأدلة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية، على أن تسهم هذه الجهود في دعم المسارات الوطنية للمساءلة، خلافا لما كان معمولا به سابقا حين اقتصرت مشاركة نتائج التحقيقات على أجهزة الأمم المتحدة.

كما أشارت إدارة المنظمة منذ مشاركة سوريا في اجتماعات الدورة 109 للمجلس التنفيذي للمنظمة في تموز/يوليو الماضي، إلى تعاون سوريا الفعال مع الأمانة الفنية للمنظمة، بما في ذلك تسهيل عمليات الانتشار الميداني، وتقديم الدعم اللوجستي، والمساهمة في وضع خطط تنفيذية مشتركة.

وأعرب أعضاء المجلس التنفيذي والمدير العام للمنظمة والدول المراقبة في مداخلاتهم عن دعمهم الكامل وتقديرهم للجهود السورية رغم الصعوبات، في خطوة تمثل قطيعة واضحة مع سنوات طويلة من العرقلة التي مارسها النظام السابق.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أعربت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إيزومي ناكاميتسو، خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي، عن تقديرها للتقدم الملحوظ الذي تحقق مؤخرا في ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا، مثمنة التعاون الكامل والشفاف للحكومة السورية مع المنظمة.

وأشارت إلى أن الطرفين يواصلان العمل المشترك لمعالجة القضايا العالقة، مبينة أن الأمانة الفنية للمنظمة وثقت في تقريرها الأخير وجود أكثر من مئة موقع في سوريا يُشتبه بارتباطها بأنشطة للأسلحة الكيميائية في عهد النظام المخلوع، إضافة إلى المواقع الـ26 المعلنة رسميا.

وقالت إن الأمانة الفنية تخطط لزيارة جميع المواقع السورية مع مراعاة الجوانب الأمنية واللوجستية، مشيرة إلى إرسال فرق المنظمة أربع مرات منذ آذار/مارس الماضي.

كما أشادت بريطانيا في تموز/يوليو بالتزام سوريا بتدمير ما تبقى من برنامج الأسلحة الكيميائية للنظام السابق، ودعت المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم المالي واللوجستي للمساعدة في إغلاق هذا الملف نهائيا.

مجازر مؤلمة

أكد الرئيس أحمد الشرع في آب/أغسطس الماضي، خلال استقباله عددا من الناجين من مجازر الكيماوي التي ارتكبها النظام المخلوع، أن هذه الجرائم ستبقى شاهدًا على معاناة السوريين وإصرارهم على نيل الحرية والكرامة، وأن محاسبة مرتكبيها وتحقيق العدالة حق لا يسقط بالتقادم.

في واحدة من أبشع المجازر، ارتكب النظام المجرم في 21 آب/أغسطس 2013 مجزرة دموية في الغوطة الشرقية بريف دمشق، ذهب ضحيتها أكثر من 1400 مدني بينهم 99 طفلا و194 سيدة، بعد أن استخدم صواريخ محلية الصنع مزودة برؤوس حربية تحمل غاز السارين بقدرة تصل إلى 60 لترا للصاروخ، أطلقها فجرا بينما كان الناس نياما.

وفي صبيحة ذلك اليوم، بدأ المئات بالتوافد إلى مشافي بلدات زملكا وعين ترما وعربين والمعضمية وهم يصارعون الموت، وتمكنت الفرق الطبية من إنقاذ قلة منهم بينما لفظ معظمهم أنفاسه بعد وصولهم، وامتلأت الردهات وبوابات المشافي بالجثث جراء استهدافهم بغاز الأعصاب.

ومن سخرية الأقدار، أن وقوع المجزرة تزامن مع وجود بعثة أممية كانت في سوريا للتحقيق في هجمات كيميائية سابقة للنظام المخلوع، حيث طلب المفتشون السماح لهم بالوصول إلى هناك بعدها بيوم، لكن، وكعادته، ظل النظام المخلوع يماطل حتى سمح لهم في 26 من ذات الشهر بزيارة معضمية الشام وحققوا فيها، ثم انتقلوا إلى زملكا وعين ترما في 28 و29 من تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد أكثر من شهرين من المجزرة. وخلص فريق التحقيق الأممي إلى وجود “أدلة واضحة ومقنعة” على استخدام غاز السارين.

كما كشف تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 2014 أنه “استُخدمت كميات كبيرة من غاز السارين في هجوم خُطط له جيدا لاستهداف مناطق مأهولة بالمدنيين، مما تسبب في خسائر بشرية كبيرة”.

وقال الطبيب أيمن عيسى، الذي كان أحد المنقذين خلال المجزرة وشاهدا عليها: “عند استهداف زملكا لم نتمكن من معرفة أن الاستهداف كيماوي إلا بعد ساعتين، وواجهنا صعوبات كبيرة في إنقاذ المصابين، حيث كانت المراكز الطبية تحت الحصار وشبه معدومة، ووقفنا عاجزين أمام آلاف المصابين والشهداء”.

وفي آب/أغسطس الماضي، نظمت رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية فعالية خاصة أحيت خلالها الذكرى الـ12 للمجزرة، وقد طالب المشاركون فيها بضرورة الكشف عن هوية المسؤولين عن المجزرة ليصار إلى محاسبتهم أمام القضاء.

آخر الأخبار
استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة خريطة الترميم المدرسي في سوريا.. 908 مدارس جاهزة وألف أخرى قيد الإنجاز دمشق تستضيف اجتماع لجنة النقل في "الإسكوا" لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي وزارة التربية تحدد مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادات العامة لدورة 2026 عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية... مسار لا رجعة عنه إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ"الثورة": دمشق تستعيد زمام المبادرة ... رئيس الأركان الفرنسي يؤكد ضرورة الاستعداد للحرب لبنان وسوريا يتجهان نحو تعاون قضائي مشترك تفعيل البعثة الدائمة.. كيف تطوي سوريا صفحة "الرعب" ومحاسبة مجرمي "الكيميائي"؟ الأردن يعزز التنسيق مع سوريا لمواجهة تحديات إقليمية ما وراء تصريحات ترامب "حزب الله مشكلة كبيرة".. إلى أين سيُدفع لبنان؟ أجواء فنزويلا خالية من الطائرات.. وعملية عسكرية مرتقبة عون: القمة السعودية - الأميركية تحمل إشارات إيجابية لعودة مسار السلام