إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ”الثورة”: دمشق تستعيد زمام المبادرة والملف أولوية أمن وعدالة وحقوق
خاص – الثورة:
في خطوة تُعدّ علامة فارقة في مسار إعادة تموضع سوريا داخل المنظومة الدولية لحظر انتشار الأسلحة غير التقليدية، أعادت وزارة الخارجية والمغتربين تفعيل البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) في لاهاي، وعيّنت الدكتور محمد كتوب مندوباً دائماً لسوريا لدى المنظمة. وجاء الإعلان على لسان وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني الذي ربط التعيين بفتح صفحة تعاون جديدة مع المنظمة وإنهاء إرث التلاعب والإنكار الذي خلّفه النظام المخلوع في هذا الملف.
وتأتي عودة البعثة السورية بعد فترة جُمّدت فيها التمثيلية الدائمة منذ تحرير سوريا في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث تولّت دولة قطر، بناءً على تنسيق رسمي، تمثيل مصالح دمشق داخل المنظمة ومتابعة الملف المعقّد المتعلق بمخلفات البرنامج الكيميائي لحقبة الأسد. وتؤكد تقارير المنظمة نفسها استمرار هذا التفويض القطري منذ مطلع 2025 إلى حين استعادة سوريا تمثيلها المباشر، وهو ما يفسّر مركزية الدور القطري في المرحلة الماضية.
وإذ تُستأنف الدبلوماسية السورية حضورها في لاهاي، يظل ملف الحقوق والامتيازات المعلّقة منذ مؤتمر الدول الأطراف عام 2021 في قلب المشهد؛ فقد كانت المنظمة قد علّقت حقوق سوريا في التصويت والترشح وتولي المناصب، على خلفية عدم امتثال النظام المخلوع لمتطلبات اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وارتباطه بضربات كيميائية موثقة. وبحسب المنظمة، فإن استعادة هذه الحقوق مشروطة باستكمال الإجراءات الفنية والقانونية المطلوبة وإغلاق القضايا العالقة في الإعلان السوري.

في هذا السياق، تبرز المقابلة التي أجرتها صحيفة “الثورة السورية” مع السفير محمد كتوب بوصفها أول إطلالة تفصيلية للمندوب السوري الجديد بعد تعيينه، يشرح فيها دلالات استعادة البعثة لعملها، وخريطة التعاون مع فرق تقصي الحقائق والتحقيق وتحديد الهوية، ومسار معالجة القضايا الفنية المتبقية، والجهود الجارية لطيّ إرث “البرنامج الكيميائي لحقبة الأسد” عبر مقاربة تجمع بين السلامة الوطنية والعدالة للضحايا والانخراط المسؤول في التزامات الاتفاقية الدولية، وإليكم النص الكامل للمقابلة التي أجرتها “الثورة” مع السفير كتوب من لاهاي:
* سعادة السفير، ما الذي يعنيه إعادة تفعيل البعثة السورية في لاهاي بالنسبة لسوريا في هذه المرحلة بالتحديد؟
– البعثة السورية كانت مجمدة منذ تحرير سوريا في 8 كانون الأول 2024، وتم حينها تفويض البعثة القطرية، مشكورين، بتمثيل مصالح الجمهورية العربية السورية. وقام الأشقاء القطريون في البعثة، وعلى رأسهم سعادة السفير الدكتور مطلق القحطاني، بجهود دبلوماسية كبيرة لدعم سوريا في ملف الأسلحة الكيميائية وتعزيز تعاون الحكومة السورية مع المنظمة. اليوم تستعيد سوريا عافيتها شيئا فشيئا، وتحاول الوقوف على أرضية صلبة بدأت ببنائها خلال العام المنصرم منذ التحرير، بجهد ودعم الأشقاء والأصدقاء، لتقوم باستلام زمام المبادرة وقيادة ملف الأسلحة الكيميائية بروح جديدة من التعاون مع المنظمة والدول الأعضاء.
* هل يمكن اعتبار هذه الخطوة إشارة إلى استعداد الحكومة السورية الجديدة لإعادة الانخراط الكامل في آليات المنظمة واستعادة حقوق العضوية كاملة؟
– سوريا، منذ التحرير، لم تتوقف عن الانخراط ضمن آليات المنظمة، ولكن كان التركيز في الفترة الماضية على تيسير وصول وعمل فرق التفتيش التابعة للمنظمة على الأراضي السورية، ووضع الآليات لبناء قدرات الفرق الوطنية لتستطيع تدمير مخلفات الأسلحة الكيميائية لحقبة الأسد. وبالتالي اعتمدنا في الجهود الدبلوماسية على التنسيق مع الأشقاء القطريين الذين ما زالوا حتى اللحظة يدعمون جهودنا. اليوم نعيد تفعيل البعثة وتكثيف الجهود الدبلوماسية لنحقق انخراطا أكبر، ولنستعد للعمل بشكل مكثف على استعادة الحقوق والامتيازات المعلقة منذ عام 2021 بسبب جرائم الأسد وعدم التزامه ببنود الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية.
* ما هي الرسالة التي تريد دمشق توجيهها للدول الأعضاء في OPCW من خلال هذا التعيين الآن؟
– الرسالة التي تحملها الجمهورية العربية السورية بشكل واضح هي: “ملف بقايا الأسلحة الكيميائية لحقبة الأسد هو بالنسبة لسوريا ملف سلامة وأمن للشعب السوري من مخلفات الأسلحة الكيميائية، ملف عدالة للناجين والناجيات والضحايا وذويهم ومساءة للجناة، وهو ملف التزام بمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية وتعاون سوريا الفعال ضمن النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة غير التقليدية”. وبالتالي سنبذل كل الجهود الدبلوماسية لدعم فرقنا الوطنية في مختلف الوزارات للقيام بما يلزم لحماية الشعب السوري من هذه المخلفات ولضمان الانتصاف للضحايا.
* هل هناك نية لدعوة فريق تقصي الحقائق (FFM) أو فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT) لزيارة سوريا مجددا، أم أن سوريا تعتبر أن الملف أغلق نهائيا؟
– فريق تقصي الحقائق عاد لزيارة سوريا بشكل مكثف منذ التحرير، بعكس ما كان عليه في عهد الأسد حيث عرقل النظام المخلوع وصوله لمواقع الضربات، بينما قام فريق التحقيق وتحديد الهوية بزيارة سوريا للمرة الأولى منذ تأسيسه بعد التحرير، حيث لم يعترف النظام المخلوع بهذا الفريق الذي أدانه في استخدام الأسلحة الكيميائية في عدة ضربات.
لقد تم دمج الفرق الثلاثة التي كانت تعمل على التحقيق والتفتيش في برنامج الأسد الكيميائي في فريق واحد، ومنذ زيارة المدير العام للمنظمة في شباط 2025 حتى اليوم قامت الحكومة السورية بتنظيم ست زيارات لفرق التحقيق، بينما بدأت الزيارة السابعة في بداية شهر تشرين الأول وهي مستمرة حتى اليوم في أطول زيارة لهذه الفرق منذ انضمام سوريا إلى المعاهدة في عام 2013.
وتهدف هذه الزيارة إلى تأسيس وجود طويل الأمد لفرق المنظمة في سوريا، ونعمل بشكل مكثف على وصولهم لمواقع الضربات وللمعلومات والشهود، وأيضا على بناء قدرات الفرق الوطنية بالتعاون مع المنظمة والدول الأعضاء لنستطيع التخلص من بقايا ومخلفات الأسلحة الكيميائية التي تشكل خطورة مضاعفة عن أي نوع آخر من مخلفات الحرب.
* سوريا كانت قد رفضت في السابق بعض تقارير IIT واعتبرتها منحازة. ما هو موقفكم اليوم من هذه التقارير، وهل أنتم مستعدون لمناقشتها مجددا داخل المنظمة؟
– يجب أن نكون واضحين هنا ونميز في التسميات. من رفض التقارير هو نظام الأسد وليس سوريا، ونحن نرفض كليا، وخاصة في هذا الملف، نسب أي تصرفات أو إجراءات للجمهورية العربية السورية. هذا العهد انتهى، وكل الجرائم والمخالفات قام بها نظام الأسد، وكل العرقلة لجهود المنظمة أتت من نظام الأسد. لقد استطعنا أن نحصل على قرار من المجلس التنفيذي للمنظمة لنغير التسمية على جدول أعمال المنظمة وبشكل دائم من “البرنامج الكيميائي للجمهورية العربية السورية” إلى “البرنامج الكيميائي لحقبة الأسد” لنجتنب أي سردية تغير الحقائق وتتجاهل مسؤولية الأسد ونظامه عن الجرائم وعن عرقلة جهود المنظمة.
موقفنا اليوم هو موقف تعاون وترحيب بالتقارير الصادرة. هناك تحديات بالطبع، ولكن يوجد فرق أساسي هنا، هو أن المسؤولية الجنائية لاستخدام الأسلحة الكيميائية ليست مسؤولية سوريا، بل هي مسؤولية نظام الأسد، بينما الجمهورية العربية السورية وحكومتها الجديدة ملتزمة بمسؤولياتها تجاه الاتفاقية التزاما كاملا بدءا من التحرير، وتعمل كل الجهود اللازمة لتدمير الأسلحة الكيميائية وتسهيل مسار التحقيقات.
* هل ستطلب سوريا رسميا إعادة النظر في قرارات تعليق حقوق التصويت والترشح (نيسان/أبريل 2021) في الدورة القادمة للمؤتمر العام؟
– هناك جهود حثيثة على هذا المسار بدأت بالفعل، وقد استطعنا أن نستصدر قرارا من المجلس التنفيذي للمنظمة في 8 تشرين الأول 2025 يحث الدول الأعضاء على مراجعة قرار تعليق حقوق وامتيازات سوريا بالترشح والتصويت. ونعمل على مسودة قرار آخر لاسترجاع الحقوق والامتيازات، ولكن هذا سيستغرق بعض الوقت.
* ما هي الخطوات العملية التي تنوي البعثة السورية اتخاذها خلال الأشهر الستة القادمة لإثبات التعاون الكامل مع الأمانة الفنية للمنظمة؟
– بداية، الانفتاح على التعاون وتقديم التسهيلات لعمل فرق المنظمة. نحاول الاستعانة بخبرات دول صديقة وشقيقة من أعضاء المنظمة لدعم العمل على الأرض في سوريا، وأيضا العمل ضمن البعثة. والتعاون الأهم يحصل فعليا داخل سوريا وبانخراط وزارات متعددة تعمل يدا بيد مع فرق المنظمة للبحث عن أي بقايا للأسلحة الكيميائية. نطمح لليوم الذي تستعيد فيه سوريا كامل امتيازاتها وتحول التحدي الكبير في ملف الأسلحة الكيميائية لحقبة الأسد إلى فرصة ودرسا مستفادا كي لا تستخدم الأسلحة الكيميائية بعد اليوم، ولن يتم ذلك إلا من خلال مسار مساءة واضح تتعاون فيه المنظومة الدولية مع القضاء الوطني في سوريا ومع مسار العدالة الانتقالية كي لا يتكرر ذلك في أي مكان.
* سوريا أعلنت تدمير كامل مخزونها الكيميائي تحت إشراف OPCW–UN في 2014. هل هناك أي بقايا أو مواد لم يتم الإعلان عنها من النظام المخلوع سيتم الكشف عنها الآن؟
– بالطبع، النظام السوري المخلوع، وحسب المعلومات المتوفرة لدينا، عاود تصنيع الأسلحة الكيميائية عام 2015، وقد سجل بعد انضمام سوريا إلى المعاهدة في عام 2013 ما يزيد على 163 ضربة كيميائية، وثبتت مسؤولية نظام الأسد عن ضربات أودت بحياة عدد كبير من المدنيين مثل ضربة خان شيخون في عام 2017 وضربة دوما في عام 2018، وبالتالي ادعاء النظام السابق بتدمير المخزون كان كاذبا.
ما نجده حتى الآن هو آثار لبقايا أسلحة كيميائية، وهناك مواقع محددة نعتقد أن بها بقايا أسلحة كيميائية. يجري عمل حثيث وكبير على تأمين هذه المواقع تمهيدا لتدمير أي بقايا نجدها من هذه الترسانة. هناك تحديات جمة، على رأسها السرية الكبيرة التي أحاطت البرنامج الكيميائي للأسد، مما يجعل الوصول للمعلومات معقدا، إضافة إلى وجود ألغام في الكثير من المواقع مما يعرقل وصول فرق المنظمة والفرق التقنية الوطنية.
عدا ذلك يشكل القصف الإسرائيلي والانتهاكات المستمرة والتدخلات البرية والتدخل في الشؤون الداخلية السورية تحديا كبيرا، وهو يدمر مواقع عسكرية استخدمها النظام المخلوع قد تحتوي على أدلة على جرائم حرب.
بالمقابل، ولتجاوز هذه التحديات، هناك جهود حثيثة في التحقيقات وبناء قوائم المواقع المشتبه بها، وبناء قائمة الأشخاص المتورطين وسلسلة القيادة وإصدار الأوامر، وهناك عمل على البدء في التعاون مع آليات تحقيق دولية أممية حول ذلك.
هناك ملفات لا تزال مفتوحة لدى المنظمة (مثل 20 قضية معلقة وردت في تقارير DAT). هل أنتم على استعداد لتقديم إيضاحات جديدة أو وثائق إضافية لحل هذه النقاط العالقة؟
بكل تأكيد، بداية هي 19 قضية عالقة، وهذه القضايا العالقة بعضها إجرائي ونعمل على حله، وبعضها يحتاج لتوفر معلومات حول أماكن تخزين مثلا أو حول مواد صرح عنها النظام المخلوع ولم يسلمها. هناك تعاون كبير، ونعمل مع فرق المنظمة والدول الأعضاء الصديقة على حلها.
* كيف ستتعامل البعثة مع طلبات التفتيش المفاجئ Challenge Inspections إذا طلبتها أي دولة عضو؟
– فرق التفتيش موجودة في سوريا أساسا ونتعامل معها بشفافية كاملة. وكما ذكرت، منذ 6 تشرين الأول بدأت فرق المنظمة تواجدا طويل الأمد سيستمر حتى اكتمال تحقيقاتهم. بالنسبة لنا وجود فرق المنظمة على الأراضي السورية أمر إيجابي لأن لديهم الخبرات التقنية التي ستساعد سوريا على التخلص من مخلفات الحرب الكيميائية.
* بالنسبة للحادث في دوما نيسان/أبريل 2018، والذي لا تزال المنظمة تعتبر النظام السوري السابق مسؤولا عنه، ما هو تعليقكم اليوم على هذا الملف تحديدا؟
– جميع الحوادث الكيميائية مؤلمة، وكل الضحايا والناجين والناجيات تعرضوا لقدر كبير من الألم. ما يزيد في تعقيد هذه القضية بالذات هو حجم الترهيب الذي تعرض له الشهود، وحجم تشويه الحقائق الذي عمد إليه النظام. التقرير الذي أصدرته المنظمة وأدان الأسد شكل للناجين والناجيات والشهود وذوي الضحايا ارتياحا كبيرا بأن الحقيقة لن تضيع مهما حاول المجرمون تشويهها. نحن نرحب بنتائج هذا التحقيق بكل تأكيد.
وعلمنا من تواصلنا مع هيئة العدالة الانتقالية أن المساءة لملف استخدام الأسلحة الكيميائية يقع ضمن أولوياتها.
* بعض الدول الغربية كانت تشترط حل الملف الكيميائي لأي تطبيع مع دمشق. هل تعتقد أن إعادة تفعيل البعثة ستفتح الباب أمام رفع العقوبات المرتبطة بهذا الملف؟
– لنوضح هنا وجهة نظر الحكومة حول هذين الملفين. إزالة العقوبات هي مصلحة أساسية للشعب السوري تتعلق بمعيشته وظروف حياته واقتصاده وحياته الحرة الكريمة، ويجري العمل عليها بكل الجهود الممكنة. وعلى التوازي فإن إزالة مخلفات الحرب من الأسلحة الكيميائية ومحاسبة المجرمين هي مصلحة أساسية للشعب السوري تتعلق بأمنه وسلامته وعدم تكرار الجريمة والانتصاف للضحايا، ويجري العمل عليها أيضا بكل الجهود والإمكانيات المتوفرة. تقاطع ذلك مع مصالح أي دولة أخرى يسهل علينا المهمة، ولكن المسارين يرتكزان على مصالح السوريين والسوريات أولا، وليس على شروط أو رغبات أي دولة. وبالتالي افتتاح البعثة هو خطوة نحو تحقيق التقدم في ملف الأسلحة الكيميائية، وكونه يساعد في أمر إزالة العقوبات هو أمر إيجابي ولكنه ليس الدافع الأساسي.
* كيف سيكون تعاونكم مع الدول العربية الأعضاء في المنظمة (مصر، السعودية، الإمارات، قطر…) في الفترة القادمة؟
– سوريا اليوم أكثر قربا من أي وقت مضى من كل الأشقاء العرب، نبني تعاونا وعلاقات طيبة معهم جميعا. اجتمعت مع السادة والسيدات السفراء العرب بشكل موجز في عدة مناسبات سابقا قبل تعييني، وكل من التقيته منهم يبدي الترحيب بعودة سوريا وفعاليتها في المنظمة. والمثال واضح في هذا الملف بالذات، فما كنا لنصل إلى هنا لولا دعم الأشقاء في البعثة القطرية.
* ما هي الرسالة الأخيرة التي تود توجيهها للدول الأعضاء الـ193 في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من خلال هذه المقابلة؟
– الملف الكيميائي في سوريا كان طوال حقبة الأسد معضلة صعبة الحل شابها التلاعب والتضليل وعرقلة جهود فرق المنظمة. سوريا اليوم لديها مقاربة مختلفة تماما، وهذا الملف يشكل فرصة لنحول الصعاب والتحديات إلى درس مستفاد ونموذج يحتذى به في التعاون بين الدول الأعضاء لترسيخ المبادئ والمعايير التي تنص عليها معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.