عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة

الثورة – عزة شتيوي:

اللحظة الإنسانية التي فاضت بأبعادها السياسية والاقتصادية كان ملف اللاجئين السوريين وهو العنوان الدولي الأبرز، خاصة بعد انتصار الثورة وحلم العودة لـ14 مليون سوري هربوا عبر قوارب الموت إلى احتمالات الحياة بعيدا عن الظلم والقهر في الوطن.

وبعد 14 عاماً بات الحلم السوري بالعودة واقعا يفرض معادلاته داخل سوريا وعلى الدول المضيفة. فقضية عودة اللاجئين السوريين واحدة من أكثر الملفات المطروحة على الطاولات السياسية والدبلوماسية بين دمشق والدول المضيفة، كما أن تهيئة الظروف الملائمة للعودة تعد من أولويات الحكومة السورية الجديدة، خاصة أنه، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 80% من اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان ومصر والعراق يرغبون في العودة إلى ديارهم، بينما تتفاوت هذه النسبة في الدول الغربية نظرا لارتفاع مستوى المعيشة والرفاهية.

الهروب الجماعي

منذ اندلاع الثورة في سوريا ارتكب النظام المخلوع أفظع الجرائم بحق السوريين، ففتح السجون على مصراعيها ووجه سلاح جيشه إلى صدور المدنيين.

وأدى هذا الإجرام على مدى 14 عاما إلى تهجير ملايين السوريين من منازلهم ومدنهم، حيث كان عدد سكان سوريا في عام 2010 نحو 24 مليون نسمة، هجر منهم ما يقارب 14 مليوناً.

وبحسب إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بلغ عدد النازحين واللاجئين السوريين، حتى مطلع عام 2024، نحو 13.7 مليون لاجئ، منهم 7.2 مليون نازح داخل سوريا، و6.5 مليون لاجئ في الخارج.

وقد توزع اللاجئون خارج سورية ضمن قسمين: الأول في دول الجوار التي استضافت 73% منهم، وهي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، والقسم الآخر في الدول الأوروبية وغيرها من الدول.

ووصفت الأمم المتحدة الحرب السورية بأنها “أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية 1939-1945”.

وكان سلوك النظام المخلوع المحرك الأكبر لهذا التهجير الذي غرق فيه الكثير من السوريين في بحار الهرب من القتل والاعتقال، حيث شن حملات قمع شديدة، مستخدما وسائل القصف الجوي، والأسلحة الكيميائية، وحصار المدن، والتجويع والمجازر.

وأدى ذلك إلى تهجير الملايين وخلق جو من الرعب النفسي، وجعل مسألة العودة حلماً مؤجلاً لكثيرين.

كما أن العقوبات التي استجرها النظام على سوريا والحرب الدائرة أوقفت عجلة الاقتصاد، فهربت رؤوس الأموال من البلاد ودمر الاقتصاد السوري، الذي شهد تدهوراً حاداً شمل مختلف قطاعاته، الأمر الذي أدى إلى تصاعد معدلات البطالة، وانتشار الفقر بين السكان المحليين والنازحين على حد سواء.

كما أن استراتيجيات النظام السوري المخلوع في استخدام العنف الممنهج والمتواصل في مختلف المحافظات السورية أسفرت عن تدمير ما لا يقل عن 40 في المئة من البنية التحتية.

العودة للوطن بين الرغبة والضرورة

لا تكف رغبة المهجر في العودة عن السعي لتحقيق شروط هذه العودة، لكنه يحتاج إلى بيئة مستقرة لها. وحتى الآن قد يكون جزء من هذا الاستقرار قد تحقق من خلال ضبط الأمن وإتاحة العودة إلى المنازل والبيوت دون خوف أو تهديد، مع تأمين الخدمات الأساسية.

فقبل سقوط نظام الأسد كانت المخاوف من الاعتقال والعنف والتجنيد الإجباري تعوق عودة اللاجئين، ومنذ سقوط هذا النظام المخلوع في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 بدأت موجات عودة تدريجية، معظمها من دول الجوار، لكن وتيرة مغادرة مخيمات شمال غرب سوريا ظلت منخفضة بسبب دمار المنازل، وتراجع الخدمات، وخطر الذخائر غير المنفجرة.

وعلى الرغم من هذه التحديات بدأ الوضع الأمني بالتحسن بشكل عام، ما شجع أعداداً متزايدة من السوريين على التفكير في العودة.

ثمة رغبة كبيرة لدى معظم السوريين الذين لجؤوا خلال الحرب في سورية بالعودة إلى بلادهم، وربما من أهم دوافع العودة استقرار الأوضاع في سوريا والحرص على أن ينشأ الأطفال السوريون والأجيال الجديدة في بيئة اجتماعية صحية تتناسب مع العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية.

وهذا ما بدا واضحاً من خلال كثافة العودة، خاصة في الأشهر الأولى من انتصار الثورة. وهنا يقول المحلل السياسي بسام الكرمي، في لقاء خاص مع “الثورة”، بأن عودة اللاجئين هي المؤشر الأكبر على قبول السوريين للحكومة السورية الجديدة بعد أن هربوا من النظام السابق ولجؤوا نتيجة رفضهم الذل والقمع والفساد.

بالتالي فإن هذه العودة تعطي شرعية للدولة السورية، وفي الوقت نفسه تحملها الكثير من المسؤوليات تجاه العائدين الذين سيدعمون اقتصاد البلد من خلال ضخ رؤوس الأموال والقوة البشرية التي تقوي اقتصاد البلد وتفتح أسواقا جديدة تنعش الاقتصاد وحركة البيع والشراء، وتنشط سوق العقارات وأسواق الاستيراد والتصدير.

كما أن للعودة آثاراً كبرى على النسيج الاجتماعي، حيث سيجتمع شمل الأسر التي شتتها قهر النظام المخلوع، وربما كان العامل الاجتماعي من أهم العوامل في عودة السوري إلى بلاده.

ويضيف المحلل السياسي بسام الكرمي: “رغم رغبة معظم السوريين بالعودة، إلا أننا أمام عثرات حقيقية بالنسبة لعودة اللاجئين إلى بلدهم سواء من الأردن أو من بقية دول الجوار.

وهذه العثرات الأساسية تتمثل بالصعوبات المعيشية والاقتصادية، وتهدم البنى التحتية التي سببتها الحرب خلال الأربعة عشر سنة أو حتى التي كانت نتيجة الفساد والإهمال في النظام المخلوع”.

ويوضح الكرمي أن هناك غلاء معيشيا في سوريا مقارنة بالأجور والرواتب في الدول المجاورة والدول الغربية، منها غلاء العقارات والإيجارات، بالإضافة إلى ضعف تسهيلات النقل للعودة إلى سوريا، وهي مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو حتى وزارة الخارجية، فالمهجرون العائدون لم يخصص لهم حتى إعانات للعودة.

ويؤكد الكرمي أن جميع المهجرين بحاجة إلى بنية تحتية متكاملة من مسكن إلى خدمات في مختلف مناحي الحياة، خاصة بالنسبة للأطفال العائدين.

وعلى الرغم من رغبة الكثير من السوريين بالعودة، إلا أن عددا منهم يتمهل حتى يتسنى للحكومة السورية توفير الخدمات وتحسينها، وهذا مرتبط بإعادة الإعمار وتكافل الجهود الدولية التي بدأت منذ عام، إلا أنها تحتاج وقتا أكثر.

قرار العودة الطوعية للسوريين، والذين بلغ عددهم اليوم مليون مهجر عائد إلى الوطن منذ سقوط النظام المخلوع، لم يعد مجرد خيار شخصي بل أصبح استراتيجية تعيد تعريف المواطنة في سوريا وتبني علاقة ثقة بين السوريين ودولتهم من خلال جملة التسهيلات التي تقدمها الحكومة ومدى قدرتها، بالتعاون مع المجتمع الدولي، على تفكيك خيمة اللجوء وتحسين مستوى المعيشة وإعادة الإعمار.

آخر الأخبار
استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة خريطة الترميم المدرسي في سوريا.. 908 مدارس جاهزة وألف أخرى قيد الإنجاز دمشق تستضيف اجتماع لجنة النقل في "الإسكوا" لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي وزارة التربية تحدد مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادات العامة لدورة 2026 عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية... مسار لا رجعة عنه إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ"الثورة": دمشق تستعيد زمام المبادرة ... رئيس الأركان الفرنسي يؤكد ضرورة الاستعداد للحرب لبنان وسوريا يتجهان نحو تعاون قضائي مشترك تفعيل البعثة الدائمة.. كيف تطوي سوريا صفحة "الرعب" ومحاسبة مجرمي "الكيميائي"؟ الأردن يعزز التنسيق مع سوريا لمواجهة تحديات إقليمية ما وراء تصريحات ترامب "حزب الله مشكلة كبيرة".. إلى أين سيُدفع لبنان؟ أجواء فنزويلا خالية من الطائرات.. وعملية عسكرية مرتقبة عون: القمة السعودية - الأميركية تحمل إشارات إيجابية لعودة مسار السلام