سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي

الثورة – ميساء العلي:

في خطوة عملية لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي، أطلق مصرف سوريا المركزي مبادرة إنشاء سوق للسيولة بين المصارف، بالتنسيق مع صندوق النقد العربي، بهدف تلبية احتياجات التمويل قصير الأجل للمصارف، وتحسين توزيع الموارد المالية، بما يدعم النشاط الاقتصادي ويحد من المخاطر المصرفية.
كما اعتمد المصرف آلية “المُقرض الأخير”، التي تعمل كموفر سيولة للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى في أوقات الأزمات، لمنع انهيارها المالي وضمان استقرار النظام الاقتصادي.
ويأتي هذا التحرك في سياق سعي الحكومة إلى تحديث البنية المالية وتعزيز قدرة القطاع المصرفي على مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.
ويقول المحلل الاقتصادي شادي سليمان، إن إنشاء سوق السيولة بين المصارف يعد خطوة إصلاحية مهمة تتماشى مع توجهات مصرف سوريا المركزي لتحديث البنية المالية ودعم الاستقرار النقدي.
ويضيف سليمان في تصريح لصحيفة “الثورة”، أن السوق الجديدة ستعمل على تحسين توزيع السيولة ورفع كفاءة الإقراض مع دعم النمو الاقتصادي، فضلاً عن تعزيز قدرة المصارف على مواجهة الأزمات.

فوائد مرتقبة

وأوضح سليمان أن القطاع المصرفي يعاني من تركيز كبير للسيولة في عدد محدود من المصارف، في حين تعاني مصارف أخرى من نقص واضح، وهذا الاختلال يؤدي إلى تعطل عمليات الإقراض وارتفاع تكاليف التمويل وتباطؤ الحركة الاقتصادية.

وأشار إلى أن إنشاء سوق منظمة لتبادل السيولة يضمن توجيه الفائض إلى المصارف المحتاجة ضمن إطار قانوني آمن.
ولفت إلى أن سوق السيولة تعزز الاستقرار النقدي من خلال تمكين المصرف المركزي من مراقبة السيولة بدقة وعلى مدار الساعة، والتدخل عند الضرورة عبر أدوات السوق المفتوحة، ومنع تشكل ضغوط مفاجئة على سعر الصرف نتيجة نقص السيولة.
كما تسهم السوق في خفض مخاطر القطاع المصرفي، إذ تعمل على تقليل احتمالات تعثر المصارف أو توقفها عن تلبية مدفوعات المودعين، إضافة إلى تنشيط الإقراض ودعم النشاط الاقتصادي ورفع مستوى الشفافية، وفق الخبير الاقتصادي.
ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها قد تواجه تحديات عدة، مثل محدودية التكنولوجيا المالية، الربط الإلكتروني بين المصارف، تفاوت مستويات الحوكمة وإدارة المخاطر، والحاجة إلى تدريب الكوادر، وكلها يمكن تجاوزها عبر الدعم الفني والقانوني من قبل مصرف سوريا المركزي.

منصة موحدة

الخبير الاقتصادي الدكتور يحيى السيد عمر، يوضح أن إنشاء سوق للسيولة بين المصارف، يعني منصة موحدة تهدف إلى تلبية احتياجات التمويل قصير الأجل، بما يسمح للبنوك بإدارة مواردها المالية بمرونة أكبر، معتبراً أنها ليست مجرد إجراء تقني، بل مؤشر على وعي الحكومة بأهمية استقرار النظام المصرفي كركيزة أساسية لاستعادة النشاط الاقتصادي وإعادة بناء الثقة بين الجهات الممولة والمستثمرين.
وقال السيد عمر لصحيفة “الثورة”، إن التنسيق مع صندوق النقد العربي يعكس أهمية الانفتاح الإقليمي والدولي في مثل هذه المبادرات، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها سوريا.
ويرى أن الاعتماد على أطر تنسيقية خارجية يساعد على تطبيق أفضل المعايير وتقليل المخاطر على البنوك الصغيرة والمتوسطة، ويضمن استقرار السوق النقدية وتقليل التقلبات المفاجئة.

المقرض الأخير

وحول آلية “المقرض الأخير”، أوضح السيد عمر أنها تمنح المصارف وسيلة مباشرة لتفادي التعثر المؤقت، وتعد شبكة أمان أساسية للنظام المالي السوري، خصوصاً في سياق مواجهة تداعيات العقوبات والأزمات الاقتصادية، بما يمنح المستثمرين المحليين شعوراً بالأمان ويحفزهم على إعادة ضخ الأموال في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وتأتي هذه الإجراءات، كما يرى السيد عمر، في إطار تعزيز قدرة البنوك على تمويل القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة والخدمات، والتي تمثل القلب النابض للاقتصاد السوري.
وأشار إلى أن تعزيز الثقة في النظام المصرفي ينعكس مباشرة على النشاط الاقتصادي، إذ يقلل من مخاطر الركود، ويحفز الاستثمارات، ويساهم في إطلاق مرحلة أولى من التعافي، خصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً التي تحتاج إلى تدفّق نقدي مستمر للحفاظ على العمالة وإعادة تشغيل المصانع.

خطة شاملة

ويشدد السيد عمر على ضرورة التوازن بين المرونة وإدارة المخاطر، فالاستخدام المفرط للسيولة من قبل بعض المصارف قد يؤدي إلى تضخم الإقراض أو مخاطر ائتمانية مستقبلية، وهنا تظهر أهمية الرقابة المصرفية لضمان أن تكون هذه الإجراءات دعامة للاستقرار، لا محفزة لممارسات مالية متهورة.
كما أن تعزيز قدرات البنوك في إدارة السيولة يتيح لها الاستجابة بسرعة لأي أزمات مستقبلية، سواء كانت مرتبطة بتقلبات سوق العملات أو صدمات خارجية.

ويلفت إلى أن ما يميز هذه الحزمة في سوريا، هو الجمع بين الاستجابة الفورية للأزمات وبناء قدرة طويلة الأمد على مواجهة أي صدمات مستقبلية، إذ تحتاج السوق السورية إلى أدوات تمنحها الثقة، وتسمح للبنوك بالاستمرار في تمويل الاقتصاد المحلي دون تعثر، بينما تستفيد القطاعات الإنتاجية من سيولة مستقرة تدفع عجلة التنمية.
ويعتبر السيد عمر، أن نجاح هذه الإجراءات لن يُقاس فقط بقدرة المصارف على مواجهة الأزمات القصيرة، بل بمدى انعكاسها على النشاط الاقتصادي، وزيادة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، وتحسين تدفّق التمويل للقطاعات الأساسية.
ويشير إلى أن هذه “خطة شاملة تعكس وعياً عميقاً” بالدور المركزي للنظام المصرفي السوري في الدفع بعجلة التنمية، وتؤكد أن إدارة السيولة ليست هدفاً في حدّ ذاتها، بل وسيلة لاستقرار الاقتصاد وإعادة بنائه تدريجياً.

آخر الأخبار
استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة خريطة الترميم المدرسي في سوريا.. 908 مدارس جاهزة وألف أخرى قيد الإنجاز دمشق تستضيف اجتماع لجنة النقل في "الإسكوا" لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي وزارة التربية تحدد مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادات العامة لدورة 2026 عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية... مسار لا رجعة عنه إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ"الثورة": دمشق تستعيد زمام المبادرة ... رئيس الأركان الفرنسي يؤكد ضرورة الاستعداد للحرب لبنان وسوريا يتجهان نحو تعاون قضائي مشترك تفعيل البعثة الدائمة.. كيف تطوي سوريا صفحة "الرعب" ومحاسبة مجرمي "الكيميائي"؟ الأردن يعزز التنسيق مع سوريا لمواجهة تحديات إقليمية ما وراء تصريحات ترامب "حزب الله مشكلة كبيرة".. إلى أين سيُدفع لبنان؟ أجواء فنزويلا خالية من الطائرات.. وعملية عسكرية مرتقبة عون: القمة السعودية - الأميركية تحمل إشارات إيجابية لعودة مسار السلام