الثورة – نيفين أحمد
في ظل التصعيد المستمر والتدهور المتسارع للأوضاع المعيشية تواجه غزة اليوم واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في تاريخها الحديث فالمجاعة التي بدأت ملامحها تتشكل في القطاع المحاصر لم تعد مجرد تحذيرات أممية بل واقع يومي يعيشه السكان، حيث بات تأمين الغذاء تحدياً وجودياً لعشرات الآلاف من الأسر.
حصار طويل.. ونتائج كارثية
منذ أكثر من 17 عاماً يعيش قطاع غزة تحت حصار مشدد أثّر بشكل مباشر على جميع مناحي الحياة من الغذاء والدواء إلى الكهرباء والمياه. ومع تصاعد العمليات العسكرية وتقييد دخول المساعدات تفاقمت الأزمة بشكل غير مسبوق لتصل إلى مستويات تهدد الأمن الغذائي لسكان القطاع، خاصة الأطفال والمرضى وكبار السن.
مؤشرات مقلقة
تقارير منظمات دولية بينها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية تشير إلى أن أكثر من 80% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة وأن معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في ارتفاع مستمر. كما أن نقص المواد الأساسية وارتفاع أسعارها بشكل جنوني جعل من الحصول على وجبة متكاملة أمراً شبه مستحيل لكثير من العائلات.
قال مارتن غريفيثس وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: “الوضع في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه كارثي. المدنيون وخاصة الأطفال يدفعون الثمن الأكبر لهذا الصراع ونحن بحاجة إلى تحرك عاجل لإيصال المساعدات دون عوائق.”
وصرّحت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي: “نحن نشهد انهياراً كاملاً في سلاسل الإمداد داخل غزة إذا لم يتم فتح ممرات إنسانية آمنة، فإن المجاعة ستصبح حقيقة لا يمكن إنكارها.”
كما أشار تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى أن: “النظام الصحي في غزة على وشك الانهيار، ونقص التغذية الحاد يهدد حياة آلاف الأطفال يجب أن تكون الاستجابة الإنسانية فوق أي اعتبار سياسي.”
وفي بيان أكدت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو):
“هناك تسارع في مؤشرات المجاعة في غزة، والدعوة إلى التصرف اليوم أمر بالغ الأهمية.”
“133 ألف شخص يعانون المجاعة حالياً، ونتوقع أن يتجاوز العدد 640 ألفاً بحلول سبتمبر المقبل.”
“نحن أمام مجاعة كاملة في غزة وهناك سوء تغذية على نطاق واسع وانهيار لشبكات المياه.”
“إعلاننا المجاعة في غزة تضمن توصيات بإجراءات ملموسة يجب اتخاذها، ونأمل أن يتم التعامل معها بجدية.”
البُعد السياسي للأزمة
رغم أن المجاعة تُصنّف كأزمة إنسانية إلا أن جذورها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع السياسي المعقّد فاستمرار الحصار وتعطيل الممرات الإنسانية وغياب الحلول السياسية المستدامة كلها عوامل ساهمت في تحويل غزة إلى منطقة منكوبة، حيث يُستخدم الغذاء أحياناً كورقة ضغط في الصراع.
ومع ذلك فإن تحميل المسؤولية لا ينبغي أن يُغفل أهمية التحرك الدولي العاجل بعيداً عن الحسابات السياسية لإنقاذ أرواح المدنيين وضمان وصول المساعدات دون عوائق.
نداء إنساني
في وجه هذه المأساة ترتفع الأصوات المطالبة بفصل المسار الإنساني عن التجاذبات السياسية وتوفير ممرات آمنة لإدخال الغذاء والدواء وتفعيل دور المنظمات الدولية في الرقابة والتوزيع. فالمجاعة لا تعرف الانتماء والجوع لا يميز بين طرف وآخر.
إن ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرد أزمة محلية بل اختبار حقيقي لضمير العالم ولقدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين في مناطق النزاع بعيداً عن الاصطفافات والمصالح.