الثورة – فردوس دياب:
لطالما كانت المرأة السورية جزءاً لا يتجزأ من النضال الوطني والاجتماعي، إلا أن مشاركتها السياسية بقيت محدودة، تعكس واقعاً من التهميش التاريخي، وفي محاولة لتصحيح هذا الخلل، ظهرت فكرة “الكوتا النسائية” كآلية لضمان تمثيل المرأة في المجالس التشريعية، لكن السؤال الأهم: هل “الكوتا” فعالة فعلاً في تمكين المرأة سياسياً؟
هذا البحث يستعرض واقع “الكوتا” النسائية في سوريا، ويحلل مدى فعاليتها في الانتقال من التهميش إلى التمكين الحقيقي.
حول هذا الموضوع، التقت “الثورة” الباحث والمدرب في القانون الدولي المحامي أحمد عبد الرحمن، الذي استهل حديثه بتعريف “الكوتا النسائية”، أنها نظام يهدف إلى تخصيص نسبة محددة من المقاعد للنساء في المجالس المنتخبة، لضمان تمثيلهن في صنع القرار، وتختلف نسب “الكوتا” من بلد لآخر، وتُطبق إما عبر القوانين الانتخابية أو من خلال التزامات الأحزاب السياسية.
وفي سؤال عن الخلفية التاريخية لمشاركة المرأة السورية في السياسة، بين عبد الرحمن أن المرأة السورية شاركت في الحياة العامة منذ بدايات القرن العشرين، خاصة في التعليم والصحة، وفي خمسينيات القرن الماضي، بدأت النساء بالانخراط في العمل السياسي، لكن بشكل محدود، ورغم وجود نساء في مجلس الشعب خلال فترة النظام البائد، إلا أن تمثيلهن ظل رمزياً، لا يعكس حجمهن الحقيقي في المجتمع.
وعن واقع الكوتا النسائية في سوريا، أوضح أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة 2024، حصلت النساء على نحو 9,6 بالمئة من المقاعد، أي أنه لا توجد نسبة “كوتا” قانونية واضحة ومُلزمة في سوريا، بل يُترك الأمر غالباً لاجتهاد الأحزاب، التي تدرج بعضها نساء في قوائمها الانتخابية، لكن غالباً في مواقع غير فاعلة أو غير قابلة للفوز.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه فعالية “الكوتا” النسائية، أشار المحامي عبد الرحمن إلى أهمها وهو التمثيل الرمزي لا الفعلي، بالإضافة إلى ان “الكوتا ” تستخدم أحياناً لتجميل صورة النظام السياسي دون تمكين حقيقي للمرأة، وكذلك غياب الإرادة السياسية، حيث لا توجد سياسات واضحة لتأهيل النساء وتدريبهن على القيادة السياسية، بالإضافة إلى الصور النمطية المجتمعية، حيث يُنظر إلى المرأة على أنها غير مؤهلة لاتخاذ قرارات سياسية، مما يضعف فرصها في الفوز بالانتخابات.
من التهميش إلى التمكين
وأكد عبد الرحمن ان نظام “الكوتا” يكون فعالاً من خلال تعديل القوانين الانتخابية، وفرض نسبة “كوتا” قانونية لا تقل عن 30 بالمئة من المقاعد للنساء، وضمان أن تكون هذه المقاعد في مواقع فاعلة وليست هامشية، وتوعية المجتمع بدور المرأة السياسي، وحملات إعلامية لتغيير الصورة النمطية عن المرأة، وإشراك رجال الدين والمثقفين في دعم مشاركة المرأة، وتأهيل النساء سياسياً، وإقامة برامج تدريبية للنساء في مجالات القيادة، التشريع، وإدارة الحملات الانتخابية، وكذلك دعم النساء في المناطق الريفية للوصول إلى مراكز القرار، ودعم الأحزاب السياسية الملتزمة بـ”الكوتا”، وتقديم حوافز للأحزاب التي تلتزم بترشيح نساء في مواقع متقدمة، ومراقبة التزام الأحزاب بالكوتا وتقييم أدائها.
وذكر الباحث والمدرب في القانون الدولي، نماذج ناجحة من دول عربية، مثل تونس التي اعتمدت نظام التناصف بين الجنسين في القوائم الانتخابية، مما أدى إلى تمثيل نسائي قوي، والمغرب التي خصصت كوتا نسائية في البرلمان، وارتفعت نسبة النساء إلى أكثر من 20 بالمئة، والعراق التي فرضت كوتا بنسبة 25 بالمئة، مما ساهم في دخول عدد كبير من النساء إلى البرلمان.
وختم عبد الرحمن حديثه بالقول: إن “الكوتا” النسائية ليست مجرد أرقام تُضاف إلى قوائم انتخابية، بل هي أداة للعدالة الاجتماعية والسياسية في سوريا، لا تزال “الكوتا” تُستخدم بشكل رمزي، مما يحد من فعاليتها، لكن مع تعديل القوانين، وتوعية المجتمع، وتأهيل النساء، يمكن للكوتا أن تكون جسراً حقيقياً نحو التمكين السياسي للمرأة، وتحقيق تمثيل عادل يليق بدورها التاريخي والوطني.