حلب بين الذاكرة والتبرعات.. جدل حول تسمية الشوارع

الثورة – جهاد اصطيف:
وسط الدمار الذي طال أجزاء واسعة من أحياء حلب القديمة والحديثة، تتناول المدينة اليوم قضية جديدة شغلت الرأي العام وأثارت جدلاً واسعاً بين المواطنين والنخب الثقافية، تمثلت بإمكانية تسمية أحد شوارع المدينة باسم متبرع بمليون دولار ضمن حملة ” حلب ست الكل”.

هذه الخطوة التي أعلن عنها عضو اللجنة المنظمة، الممثل المسرحي همام حوت خلال اجتماع في اسطنبول، مع وعد بتسهيلات ضريبية قد تصل إلى 100بالمئة، أثارت تساؤلات عن حدود العلاقة بين التمويل وإعادة إعمار المدينة من جهة، وحماية الهوية التاريخية من جهة أخرى.

إعادة الإعمار مقابل الامتيازات

الحملة التي أطلقت في محافظات عدة، تهدف إلى جمع التبرعات لإعادة إعمار المدن المتضررة، ودعم البنى التحتية في القطاعات الخدمية.
وتشير تقديرات المسؤولين إلى أن إعادة إعمار ما هُدم في حلب، بما في ذلك البنى التحتية، قد تصل إلى أكثر من 60 مليار دولار.
خلال الاجتماع في اسطنبول، أكد همام حوت إمكانية تسجيل أسماء كبار المتبرعين على أحد شوارع المدينة، مشيراً إلى تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية محتملة، فيما حضر الاجتماع محافظ حلب عزام الغريب ووفد حكومي، موضحاً أن القرار النهائي لم يصدر بعد، وأن الحديث كان في إطار اقتراحات لجذب تمويل لإعادة الإعمار.

التمويل ضرورة ملحة

بعض الأهالي بحلب يؤيدون الفكرة، باعتبارها وسيلة عملية لجمع الأموال اللازمة لإعادة بناء المدينة.
محمد أحمد، صاحب محل تجاري، يقول: نحن بحاجة لكل قرش لإعادة بناء ما دمرته الحرب، إذا كان هناك من يريد أن يساهم باسم والده أو أي اسم آخر في مشاريع حديثة، فهذا لا يضر تاريخ المدينة طالما لا يمس الشوارع القديمة التي تحمل أسماء مفكرين وعلماء.

وتضيف زهية حمود من حي صلاح الدين: أنا شخصياً أؤيد أي وسيلة تساعد على إعادة الحياة للمدينة، التبرعات المالية ضرورية، ونحن لا نستطيع انتظار الحكومة وحدها، ويمكننا التوفيق بين التمويل وحماية الهوية التاريخية.
رجال الأعمال المحليون يرون في المبادرة فرصة لتقليد نماذج دولية ناجحة، حيث تتم تسمية مشاريع أو منشآت باسم المتبرعين.
يشير وائل إسماعيل، رجل أعمال إلى أن في نيويورك ولندن، تتم تسمية جسور ومحطات مترو بأسماء داعمين ماليين، فالفكرة ليست جديدة، وما يهم هو أن الأموال تذهب لإعادة البناء، وليس لتغيير تاريخ المدينة.

حماية ذاكرة المدينة

في المقابل، عبّرت النخب الثقافية وأهل المدينة عن رفضهم القاطع للفكرة، معتبرين أن تسمية الشوارع مقابل المال، يمثل مساساً بهوية حلب وذاكرتها التاريخية.
يؤكد عمر محمد مهتم بالتاريخ، أن شوارع حلب لم تسمّ يوماً بأسماء أثرياء أو متبرعين، بل بأسماء مفكريها وشعرائها وعلمائها، وأن تختزل هذه القيمة في صفقة مالية، فهذا أمر غير مقبول.
ويتابع: انظر إلى القاهرة، اسطنبول، باريس ولبيروت، كلها تحفظ أسماء الفلاسفة والقادة التاريخيين، لماذا حلب، بعد كل ما مرت به، يجب أن تكون استثناء؟.
وتضيف الناشطة ميمونة قصار: إن الهوية التاريخية للمدينة ليست سلعة، فإذا بدأت الحملة بتخصيص شوارع للمال، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام تجاوزات أكبر مستقبلاً.

الانقسام واضح

في جولة ميدانية بأحياء حلب القديمة والحديثة، وجدنا انقساماً بين مؤيد ومعارض، يرى المؤيدون أن جمع التبرعات ضرورة حيوية، وأن تسمية مشاريع جديدة باسم المتبرعين لا يضر بالمدينة، أما المعارضون فاعتبروا أن التسمية مقابل المال تمس هوية المدينة القديمة وتقلل من قيمة تاريخها.
شاب من حي الجديدة قال : يمكننا أن نجد حلاً وسط، مثل تسمية المباني الجديدة أو الحدائق باسم المتبرعين، أو وضع لوحات تذكارية داخل المشاريع من دون أن تتحول شوارع المدينة القديمة إلى سلعة.
فيما تشير سيدة مسنة من حي الشهباء إلى أن شوارع حلب تحكي قصص أجدادنا، لا يمكن أن تباع أو تمنح لمن يملك المال، هذا تقليل من قيمة المدينة وتاريخها.

رؤية متوازنة

الأكاديمي الدكتور خالد اصطيفي أكد أنه يمكن تشجيع التبرعات باسم المتبرع في مشاريع حديثة، مدارس، مستشفيات، أو حدائق جديدة، المهم ألا نمس ذاكرة المدينة القديمة، وخاصة أن حلب اليوم تواجه مأزقاً مزدوجاً من حيث إعادة البناء بعد الدمار وحماية هويتها، فأي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى استياء شعبي كبير.
بدوره، حسين العلي، خبير تخطيط عمراني يشرح أن الأمر يحتاج إلى قواعد واضحة ومعلنة، بحيث يخصص التمويل لإعادة إعمار المدينة من دون أن تمس الهوية الثقافية والتاريخية للأحياء القديمة.

إذن، الخبراء يشددون على أن حلب يمكنها اتباع نموذج مشابه، يضمن تمويل إعادة الإعمار من دون بيع الهوية التاريخية.

تحديات مزدوجة

الجدل حول تسمية شوارع حلب مقابل التبرعات، يعكس تحديات إعادة الإعمار في ظل الحفاظ على الهوية التاريخية، فالمدينة بحاجة ماسة للأموال، لكن هذا لا يمكن أن يكون على حساب ذاكرة آلاف السنين.
وحلب اليوم أمام معادلة صعبة، حماية حضارتها وذاكرتها التاريخية، وتأمين الموارد المالية لإعادة إعمارها بعد الدمار الهائل، ولعل الحل يكمن في ابتكار آليات تمويل تحترم الماضي وتخدم الحاضر والمستقبل، بحيث تظل المدينة مدينة المفكرين والعلماء، وفي الوقت نفسه تنمو وتزدهر من جديد.

آخر الأخبار
حلب بين الذاكرة والتبرعات.. جدل حول تسمية الشوارع حزمة مشاريع خدمية في عدد من المدن والبلدات بريف دمشق تنظيم ١٥ ضبطاً بعدد من المنشآت السياحية في اللاذقية بدء ري الأراضي للموسم الشتوي من مشروع القطاع الخامس بدير الزور تجهيز 22 حاضنة أطفال في مستشفى الهويدي بدير الزور مشاركون في "سيريا هايتك": فرص استثمارية واعدة بالسوق السورية الرقمية  الزراعة العضوية.. نظام زراعي إنتاجي آمن بيئياً   أجهزة قياس جودة الزيت تدخل أسواق ريف دمشق أربع آبار لمياه الشرب تلبية لاحتياجات سكان بصرى الشام ومعربة  بعد 15عاماً.. سوق الإنتاج بحلب أعاد افتتاح أبوابه بأكبر مهرجان للتسوق  "المركزي" يكشف عن إجراءات جديدة لإدارة السيولة ودعم القطاع المصرفي ضبط أربع سيارات محملة بمواد متفجرة وعضوية في بصرى الشام العودة إلى "سويفت".. اختبار حقيقي لجاهزية البنية المصرفية التسعير والسوق.. هل حان وقت إعادة ضبط الآلية؟ وحدة كردية أم انحسار استراتيجي؟.. سحب أوراق "قسد" وإعادة رسم التوازنات في دمشق  "أمازون": هجمات سيبرانية إيرانية تمهد لعمليات عسكرية مباشرة نقص حادّ بخدمات البنية التحتية في "بابا عمرو" بحمص  "نقل اللاذقية".. جودة بالخدمات وسرعة في إنجاز المعاملات  بمشاركة وفد أردني و233 شركة محلية ودولية.. انطلاق معرض "سيريا هايتك"  بعد جولته في الجنوب السوري.. نتنياهو يتحدث عن الاتفاق الأمني على منصة "أبو علي إكسبرس"