الثورة – ميساء العلي:
يمثل إرسال مصرف سوريا المركزي أول رسالة عبر نظام “سويفت” (SWIFT) للمدفوعات الدولية، نقطة تحول مهمة في تاريخ القطاع المالي السوري، لا سيما في قدرة النظام المصرفي على التعامل مع المنظومة المالية العالمية.

ويقول الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي، لصحيفة “الثورة”، إن الحديث المتزايد عن رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا يبرز الحاجة إلى إعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي الدولي.
ويضيف قوشجي أن انضمام البنوك السورية إلى نظام “سويفت” يشكل خطوة محورية في هذا الاتجاه، ليس فقط بوصفه أداة تقنية للتحويلات المالية، بل كبنية تحتية استراتيجية لتمكين الاستثمار، وتمويل المشاريع، واستعادة الثقة الدولية.
أهمية “سويفت”
ويشرح قوشجي أن نظام “سويفت” هو شبكة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، تتيح تبادل الرسائل المالية بشكل آمن وسريع بين المؤسسات حول العالم، ومن دون هذا النظام تصبح البنوك معزولة ومضطرة لاستخدام قنوات بديلة بطيئة ومكلفة وغير شفافة.

ويؤكد أن أهمية “سويفت” للبنوك السورية تكمن في دوره بتسهيل التحويلات من وإلى الخارج، وتمكين التجارة الخارجية والاستيراد والتصدير، مع تعزيز الشفافية والامتثال للمعايير الدولية وبناء الثقة مع البنوك المراسلة والمستثمرين الأجانب.
جاهزية البنية المصرفية
لكن قوشجي يلفت إلى أن البنية المصرفية شرط سابق للانفتاح، موضحاً أن مجرد الانضمام إلى “سويفت”، رغم أهميته، لا يكفي بحد ذاته. فالعنصر الحاسم هو جاهزية البنية المصرفية السورية من حيث الامتثال للمعايير الدولية، مثل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووجود رقابة مصرفية
فعالة من قبل مصرف سوريا المركزي،
إلى جانب تحديث الأنظمة البنكية وتدريب الكوادر على المعايير العالمية، وإعادة هيكلة المصارف العامة والخاصة لتكون قادرة على تمويل مشاريع تنموية حقيقية.
كما يشير إلى أهمية النظام النقدي الذي يلعب دوراً محورياً في تمويل المشاريع الاقتصادية، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار، فوجود نظام نقدي مستقر وشفاف يتيح للبنوك تقديم قروض طويلة الأجل للمشاريع الإنتاجية، ويعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ويربط السياسة النقدية بالاستثمار الحقيقي بدلاً من المضاربة أو التهريب المالي.
الاستثمار
ويؤكد الخبير المالي أن المناخ الاستثماري والتحويلات عبر “سويفت” عنصران أساسيان لأي مستثمر، إذ لا يمكن وضع الأموال في بيئة ضبابية، بل في بيئة تتمتع بالشفافية المالية، وقابلية تحويل الأرباح من الداخل إلى الخارج والعكس، مع وجود ضمانات قانونية، وبيئة قضائية نزيهة، واستقرار في سعر الصرف وسهولة الوصول إلى العملة الأجنبية.
وهنا، يبرز دور “سويفت” كبوابة لتحويل رؤوس الأموال، بشرط أن تكون البنوك السورية قادرة على التعامل مع هذه التحويلات وفق معايير الامتثال الدولية.
إرادة سياسية
ويشير قوشجي إلى أن فصل الاقتصاد عن السياسة غير ممكن، فكل الاجتماعات الدولية والوعود بإعادة الإعمار والاتفاقيات الثنائية تحتاج إلى بيئة مؤسسية قادرة على التنفيذ، وإرادة سياسية للإصلاح، إضافة إلى مناخ من الثقة المتبادلة بين سوريا والمجتمع الدولي.
ويطرح قوشجي مثالاً من البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي يُعد نموذجاً في قياس التضخم والنمو بدقة، وفي الشفافية بالسياسات النقدية والتواصل المنتظم مع الأسواق.
ويؤكد أن هذه المعايير ليست ترفاً، بل شرط لجذب المستثمرين وضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وهو ما يجب أن تسعى إليه سوريا في المرحلة المقبلة.