هل تعود واشنطن مجدداً إلى قلب آسيا الوسطى؟

الثورة – نور جوخدار:

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتح ملف الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان بإعلانه في أيلول الماضي، رغبته في استعادة قاعدة باغرام الجوية شمال العاصمة كابل، القاعدة التي شكلت قلب العمليات الأميركية خلال عقدين من الحرب ضد طالبان.

تصريحات ترامب التي جاءت أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في لندن، أثارت موجة رفض حادة من دول مجاورة لأفغانستان هي روسيا والصين وباكستان وإيران، والتي تعتبر أن أي عودة عسكرية أميركية هو تهديد مباشر للأمن والاستقرار الإقليمي.

ففي بيان مشترك صدر عقب اجتماع وزراء خارجية هذه الدول في موسكو في أيلول الماضي، أكدوا فيها رفضهم التام لإقامة أي قواعد أجنبية داخل أفغانستان أو حولها، ودعوا إلى احترام سيادة كابل، واستقلال قرارها السياسي.

في المقابل، ردت الحكومة الأفغانية بلهجة حاسمة، على لسان المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد، “إن بلاده ترفض مطلب ترامب بشأن عودة قواته إلى القاعدة” مؤكداً أن “الشعب الأفغاني لن يقبل تسليم أراضيه لأي جهة كانت”، وأن المفاوضات الجارية مع واشنطن تقتصر على العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات فقط.

كما شدّد قائد الجيش الأفغاني على أن الإمارة الإسلامية “لن تفرّط في شبر واحد من أراضيها”، في تأكيد على استحالة التفاوض بشأن القاعدة أو أي منشأة عسكرية أخرى أجنبية.

وأعادت تصريحات ترامب أجواء ما قبل اتفاق الدوحة الموقع بين حكومة طالبان والإدارة الأميركية في شباط 2020 خلال ولايته الأولى، والذي نص على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، واحترام الولايات المتحدة سيادة أفغانستان.

لكن يبدو أن الرئيس الأميركي غير مكترث بالاتفاقية السابقة، إذ يلوح بسياسة المساومة والتهديد، مصراً على أن بلاده تحتاج إلى القاعدة كما تحتاج طالبان إلى أمور من واشنطن، محذراً من “أمور سيئة” قد تحدث إن لم تعد القاعدة الاستراتيجية إلى سيطرة بلاده.

وفي تبريراته العلنية، أشار ترامب إلى أن القاعدة تبعد ساعة واحدة فقط من المواقع التي تصنع فيها بكين صواريخها وأسلحتها النووية، معتبراً أن بكين تستفيد من الموقع الإستراتيجي لباغرام مما يضر بالمصالح الأميركية في آسيا الوسطى.

ويرى محللون، أن العودة الأميركية إلى أفغانستان، قد تفسر من جانب موسكو تحركاً هجومياً لا دفاعياً، لأنها تمنح واشنطن قدرة مراقبة مباشرة لعمق آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي تعدّها روسيا مجال نفوذها التاريخي.

أما الصين، فترى في القاعدة تهديداً لمبادرة “الحزام والطريق” التي تمر عبر باكستان وآسيا الوسطى، وتشكل حجر الأساس في سياستها الاقتصادية الخارجية.

وفي باكستان، يبدو الموقف أكثر حذراً، إذ تخشى أن يؤدي أي تموضع عسكري أميركي جديد إلى توتر علاقتها مع حركة طالبان، في وقت باتت فيه أكثر قرباً إلى الصين من خلال مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني CPEC، ما يجعل موقفها أقرب إلى بكين من واشنطن.

أما بالنسبة لإيران، فتبدو أكثر قلقاً، إذ تعتبر عودة واشنطن إلى كابل تدخلاً سافراً في الشأن الأفغاني، ويقول السفير الأفغاني السابق عبد الغفور ليوال، أي تمركز أميركي جديد في باغرام يعني وجوداً عسكرياً على بُعد أقل من 600 كيلومتر من العمق الإيراني، وهو ما تعتبره طهران تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

وتخشى إيران أن تمثل هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية تطويقها من الشرق والغرب، خصوصاً بعد تكثيف واشنطن وجودها البحري في الخليج ومياه عمان، واحتمال استخدام باغرام لمراقبة شبكاتها في غرب أفغانستان.

وتُعد قاعدة باغرام الجوية أكبر قاعدة عسكرية استخدمتها الولايات المتحدة و”الناتو” أثناء غزو أفغانستان بين عامي 2001 و2021، وتقع في ولاية بروان، على بعد نحو 50 كيلومتراً شمال كابل، وقد بُنيت في خمسينيات القرن الماضي بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي.

ثم تحولت القاعدة إلى مركز رئيسي للعمليات العسكرية السوفياتية خلال الاحتلال “1979-1989″، ثم أعادت واشنطن بناءها عام 2001 لتصبح العصب اللوجستي لعملياتها ضد طالبان والقاعدة، مزوّدة بمستودعات ضخمة، ومستشفى ومركز احتجاز عرف باسم “غوانتانامو أفغانستان” بسبب تقارير التعذيب والانتهاكات التي جرت فيه.

انسحبت القوات الأميركية من باغرام في تموز 2021، منهيةً بذلك أطول حرب خاضتها في تاريخها الحديث، لكنّ الانسحاب الفوضوي الذي أعقب القرار لايزال أحد أكثر الملفات حساسية في السياسة الأميركية، وقد حمّل ترامب خلفه جو بايدن مسؤولية “الفشل” في إدارة الانسحاب، مؤكّداً أن واشنطن كان ينبغي أن تغادر البلاد مع الاحتفاظ بالقاعدة تحت سيطرتها.

واليوم، بعد أكثر من أربع سنوات من الانسحاب، تعود “باغرام” لتتصدر المشهد مجدداً، في وقتٍ تتبدل فيه موازين القوى في آسيا الوسطى، ويشتد فيه الصراع بين واشنطن وبكين وموسكو على رسم حدود النفوذ في المنطقة.

آخر الأخبار
حوار مستفيض في اتحاد العمال لإصلاح قوانين العمل الحكومي مناقشات استراتيجية حول التمويل الزراعي في اجتماع المالية و"IFAD" الشرع يبحث مع باراك وكوبر دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار العميد حمادة: استهداف "الأمن العام" بحلب يزعزع الاستقرار وينسف مصداقية "قسد" خطاب يبحث في الأردن تعزيز التعاون.. و وفد من "الداخلية" يشارك بمؤتمر في تونس حضور خافت يحتاج إلى إنصاف.. تحييد غير مقصود للنساء عن المشهد الانتخابي دعم جودة التعليم وتوزيع المنهاج الدراسي اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكل المحاور شمال وشمال شرقي سوريا تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً ليست مجرد أداة مالية.. القروض المصرفيّة رافعةٌ تنمويّةٌ بعد غياب أربعة أيام.. التغذية الكهربائية تعود لمدينة جبلة وريفها حدائق حمص خارج الخدمة.. والمديرية تؤكد على العمل الشعبي سوريا في صلب الاهتمام والدعم الخليجي - الأوروبي كوينتانا: معرفة مصير المفقودين في سوريا "مسعى جماعي" العمل عن بعد.. خطوة نحو إدارة عصريّة أكثر مرونة