بين 12 أيار الماضي و13 حزيران الجاري شهرٌ من الغليان السياسي والإعلامي، كانت المُرتسمات المباشرة لهذا الغليان سيناريوهات مُختلفة، تَباين طرح الأسئلة في خضمها بين حَدّي السؤال عن الحرب، ومتى تقع الحرب؟ فيما كان التحريض ضد إيران القاسم المُشترك للمواد الأكثر تداولاً وتَردداً!.
في أيار تعرضت 4 سفن نفطية للاستهداف بميناء الفُجيرة، وفي حزيران تَكرر الاستهداف لاثنتين ببحر عُمان، تَكاثرت التحليلات والاستنتاجات، ووُجهت أصابع الاتهام لأطراف مُتعددة – من بينها إيران التي لا مصلحة لها بذلك وهي أذكى من أن تمنح العدو ذريعة – وعلى الرغم من أن دليلاً واحداً لم يُكشف عنه، كما أن أحداً لم يَدّع امتلاكه، فإن ذلك لم يَمنع هستيريا التحريض ضد إيران بمُقابل تجاهل الطرف الثالث الذي يُرجح قيامه بالاعتداء والقرصنة في المَرتين!.
وسطَ غليان حرب التصريحات السياسية والإعلامية، في الواقع هناك ما هو مُلفت، لكنّ الكثيرين يَتعمدون عدم الالتفاف إليه! ما هو؟.
أمران مُريبان لا بد من تسجيلهما في مشهد الغليان، الأول الغموض وعدم إبراز الدليل الذي يُدين ويُجرم، والثاني الصمت الإسرائيلي وعدم العثور على أي تصريح باستثناء تصريح وحيد نُسب لمسؤول صهيوني رفيع – بلا اسم – ردد الكثير من الكلام الذي لا جديد فيه سوى الكشف عن أنّ الموساد هو الذي جمع المعلومات التي سَوّقها بتصريحه؟!.
ما سَيَضَعُ مئات إشارات الاستفهام ويُثير الشكوك والتساؤلات هو الأمر الأول: الغموض وعدم إبراز الدليل على قيام طرف بعينه بالتفجيرات والاستهدافات، وهو الغموض الذي لا يتعلق أولاً وأخيراً إلا بأميركا التي يَنتشر سلاح بحريتها بالمنطقة، والتي تُمسك بأمن مَحمياتها الخليجية، والتي تَنهب ثرواتها النفطية والغازية، ليَتعلق ذلك الغموض ثانياً بالمَحميات الخليجية ذاتها التي انكشفت كل عَوراتها باليمن الذي أظهرَ عجزها قبل تَفاهة حكامها، ولتَبدو اليوم في أقبح مشاهد العُري بعد حادثتي الفُجيرة وبحر عُمان!.
أما الثاني: الصمتُ الإسرائيلي المُطبق، فيُعتقد أنه لا يَبتعد عن الأول بل يَرتبط به ارتباطاً عضوياً، ذلك أنه ما من مَعنىً لصمت المُحرض الأساسي ضد إيران سوى أنه هو من قام بالاعتداء على الناقلات النفطية، وسوى أن ذلك تمّ بعلم ومعرفة الأميركيين وربما الخليجيين أيضاً، وسوى أنّ الصمت الإسرائيلي هو مَطلب أميركي، بل ربما هو اشتراطٌ أميركي غربي خليجي كي لا يفسد المخطط الذي ستكون مياه الخليج شاهداً على مراحله التصعيدية اللاحقة!.
مُسلسل الاستهدافات بمياه الخليج يتكون من حلقات أخرى يلعب ترامب ونتنياهو الدور المحوري فيها، وبالتأكيد لن تكون حادثة بحر عُمان حلقته الأخيرة، ذلك أن محاولة استهداف إيران ليست سهلة، تَحتاج تحشيداً من نوع آخر تُحاول واشنطن القيام به، ويُمثل التحاق لندن بها خطوة الغرب الأولى باتجاه مغامرة جديدة فيها من الحماقة مَقادير مُضاعفة عن كل سابقاتها!.. لندن اختبرت طهران سابقاً، والغرب يعرف إيران جيداً، ويُعتقد أنه بعد فوات الأوان سيُعبر مُجتمعاً عن الندم إذا ما تورط وذهب بعيداً مع ترامب ونتنياهو!.
علي نصر الله
التاريخ: الاثنين 17-6-2019
الرقم: 17002