نفي سلطات أربيل وجود الموساد وتحركاته في إقليم كردستان، لا طائل منه، لا مكان له، وهو ثرثرة لا قيمة لها، ذلك مع توفر الكثير من القرائن والأدلة الحسية: مقرات ترفع العلم الإسرائيلي، سيارات عليها أعلام العدو تتحرك بحماية قصوى، ومربعات أمنية يمنع الاقتراب منها وتحديداً هي للإسرائيليين وللأميركيين.
الوجود الإسرائيلي في أربيل، التعاون بين سلطات الإقليم والإسرائيليين وبين ميليشيا قسد والإسرائيليين قائم ومتجذر، نفيه لا ينفع، وهو وجود يقع مباشرة تحت الحماية الأميركية.
هذا الوجود الإسرائيلي ليس هامشياً، بل هو وجود متجذر ويتنامى، وبالتالي فإن توجيه الضربات الموجعة المدمرة له هو أمر لازم، وتفكيك الشبكات التجسسية وتلك التي تنخرط بتنفيذ أعمال عدائية ضد سورية، العراق، وإيران، هو وجوب واجب ينطوي على أبعاد سياسية أمنية، ومن شأنه أن يرسم معادلات ردع جديدة وأن يفرض تحولات جذرية فيها، ويوجه رسائل حاسمة لمنظومة العدوان.
في لحظة الاشتباك الدولي على أوسع نطاق بسبب أوكرانيا، وعلى خلفية توقف مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني، ربما اعتقد الأميركي والإسرائيلي أن الفرصة مواتية لتنشيط شبكات التجسس والتخريب، فكان لا بد من رد معلن، قوي ومتعدد، الإعلان عن تفكيك شبكة تجسسية في لبنان مؤخراً، الإعلان عن تفكيك شبكة أخرى في محافظة أذربيجان الغربية ( شمال غرب إيران )، الضربة الصاروخية الإيرانية للمقر الرئيسي للموساد في أربيل، يأتي ذلك لتصحيح الاعتقاد الأميركي الإسرائيلي الخاطئ، وكي يؤسس لفرز واضح للأوراق التي يسعى العدو لبعثرتها ومحاولة اللعب بها.
الضربة الصاروخية الإيرانية للمقر الاستخباراتي الصهيوني ربما لن تكون الأخيرة في إطار الرد على الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية السيبرانية والعملياتية التي تنطلق من دول الجوار الجغرافي، وهي الضربة التي تنطوي على رسائل لتركيا وأميركا كما لإقليم كردستان، فالمعلومات المتوفرة تشير لاجتماعات تجري بين الإسرائيليين والأتراك في هذا المقر الرئيسي بالحضور الأميركي وتحت غطاء منه.
تركيا – أردوغان، ليست بعيدة عن واقع الاستهداف، بل هي في صميمه، شراكتها مع الإسرائيليين تتعمق على جميع المستويات وفي كل الجبهات، وها هي الاصطفافات التي تبرز كنتيجة للحرب الأوكرانية تفضح الجانبين الإسرائيلي والتركي.
الضربة القاسية التي تلقاها العدو الإسرائيلي في أربيل، تعيد تعريف الصراع وتحدد خطوطه، وقد تجعل أنقرة تفكر مرتين قبل أن تغرق في حسابات أخرى خاطئة، إذا كانت ارتكبتها في إدلب وتصر عليها في منطقة الجزيرة السورية وصولاً إلى الموصل العراقية، بل وفي إحياء وهم ما تسميه العالم العثماني التركي تحرشاً بروسيا، فعليها أن تصحو من أوهامها قبل فوات الأوان.
في تقرير الاستخبارات الأميركية السنوي لعام ٢٠٢٢ تضع الولايات المتحدة إيران مع الصين وروسيا في قائمة الخصوم الأكثر تأثيراً وتهديداً لمصالحها، لكنها تقحم إسرائيل في التقرير وتتحدث عن تهديدات له رغم أنه من المفترض أن يكون مخصصاً فقط للأمن القومي الأميركي، وهو الأمر الذي يؤكد أن إسرائيل تمثل الكثير لها في ما تعده أمناً قومياً، بينما تبقى تركيا الشريك الاستراتيجي الأهم في المنطقة.
لكل هذه الاعتبارات وتلك العناصر المتشابكة، فإن الضربة لمقر الموساد تعد من حيث الأهمية ودلالاتها الرسالة الأكثر بلاغة ربما من تلك التي استهدفت قاعدة عين الأسد في العراق رداً على جريمة اغتيال قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني.
معاً على الطريق – علي نصر الله