الثورة- نور جوخدار:
أثار اتفاق السلام الأخير بين أرمينيا وأذربيجان، الذي تضمن تطوير ممر “زنغزور” بإشراف أميركي ومنح حقوق حصرية للشركات الأميركية لمدة 99 عاماً، مخاوف متصاعدة في إيران، التي اعتبرت هذه الخطوة تهديداً مباشراً لأمنها القومي وتقويضاً لدورها الاستراتيجي في منطقة القوقاز.
ويهدف الاتفاق إلى إنهاء النزاع المزمن حول إقليم ناغورني قره باغ، الذي شهد حربين منذ تسعينيات القرن الماضي، كان النصر في الأولى لأرمينيا، وفي الثانية عام 2020 لأذربيجان، قبل أن تستعيد الأخيرة كامل الإقليم بعملية عسكرية سريعة في أيلول/سبتمبر 2023.
كما فتح الاتفاق ممر “زنغزور” لربط أذربيجان بتركيا عبر أرمينيا، وهو ما تعتبره طهران خطوة تهمش دورها في طرق التجارة بين الشرق والغرب وتقلص من أهميتها الجيو-سياسية كما يقطع الاتصال البري المباشر مع أرمينيا، وهو المنفذ التاريخي لها نحو شمال القوقاز وأوروبا.
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية شدد على أن طهران “لا تقبل إغلاق حدودها مع أرمينيا تحت أي ظرف”، فيما حذر علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، في مقابلة مع وكالة “تسنيم، من أن بلاده “ستمنع إنشاء الممر الأميركي سواء بالتعاون مع روسيا أو بدونها”، معتبراً أنه “تهديد لأمن المنطقة ويغير خريطتها الجيو-سياسية”.
الاتفاق الجديد نص أيضاً على إنهاء عمل “مجموعة مينسك”، التي شكلتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1992 برئاسة مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، ما يمنح واشنطن تفرداً بالملف على حساب موسكو وبروكسل.
ويرى مراقبون أن ممر “زنغزور” يتجاوز كونه شأناً ثنائياً بين أذربيجان وأرمينيا، إذ يحمل أبعاداً إقليمية معقدة. فإسرائيل، التي تستورد أكثر من 40% من نفطها من أذربيجان وتزودها بنحو 80% من أسلحتها، استخدمت الأراضي الأذربيجانية خلال السنوات الماضية لتنفيذ عمليات ضد إيران، بما فيها تسيير طائرات مسيرة وصلت إلى منشآت حساسة داخل البلاد.
كما أن إعادة التموضع الأميركي جنوب القوقاز أثار تساؤلات حول أهداف واشنطن في هذه المرحلة الانتقالية من النظام الدولي، إذ تسعى بحسب تصريحات السفير الأميركي في أنقرة، توم باراك، إلى تحويل المنطقة الممتدة من المحيط الهندي جنوبا إلى القوقاز شمالا، ومن البحر المتوسط غربا إلى آسيا الوسطى إلى ممر تجاري آمن يربط آسيا بأوروبا.
تعد أوراسيا “قلب العالم” و”مركز القوة العالمية الجديد”، على حد وصف المستشار السابق للأمن القومي الأميركي زبغنيو بريجينسكي، ما يفسر سعي الولايات المتحدة لتثبيت حضورها في القوقاز بهدف تقليص نفوذ روسيا وإيران، في وقت تتغير فيه موازين القوى الدولية باتجاه إعادة تشكيل النظام العالمي.
ورغم تهديدات طهران بالتحرك عسكرياً على حدودها الشمالية، تبدو خياراتها محدودة أمام توافقات دولية، ما يضعها أمام معادلة صعبة: إما القبول بالأمر الواقع، أو مواجهة محفوفة بالمخاطر.
وبين الطموحات الأميركية – التركية، والهواجس الإيرانية – الروسية، يتحول “ممر زنغزور” إلى ساحة اختبار كبرى لإعادة تشكيل توازنات القوة في جنوب القوقاز.