الإنتاج الزراعي .. مشكلات “بالجملة ” تبحث عن حلول وتدخلات الحكومة خجولة ! أكرم عفيف لـ”الثورة”: يحتاج لغرفة إنعاش
الثورة – هناء ديب
تستمر معاناة وصعوبات المزارعين في التعامل مع أهم مرحلة ضمن العملية الإنتاجية، وهي مرحلة التسويق للمنتجات، خاصة المحاصيل والمواسم الاستراتيجية بعد المرور في مراحل لا تقل صعوبة، وتتمثل في تأمين مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات ومواجهة أمراض تصيب المحصول، وقلة وغلاء الأدوية الزراعية ناهيك عن مشكلة النقل والمحروقات.
الواقع و”طبخة “الزراعة
ويمكن القول: إن لا جديداً يذكر على تلك المعاناة خاصة في موجة حرائق صعبة وغير مسبوقة تجتاح مناطق واسعة من الجغرافيا السورية ستزيد وتفاقم من دون شك الوضع تأزماً رغم كل الجهود المبذولة للحد من تداعياتها البيئية والإنسانية، ونحن بالكاد يصلنا جانب من الرؤى والخطط والأفكار التي يفترض أن تكون في مطبخ وزارة الزراعة تعد على نار عالية تستوجبها المرحلة الصعبة والخطيرة التي تواجه القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بعد تراجع يعد غير مسبوق في كميات الإنتاج، ولاسيما بالنسبة للمحاصيل الاستراتيجية والثروة الحيوانية وهي من دون شك ليست وليدة اليوم، وإنما مستمرة منذ سنوات طويلة، وإن كانت “طبخة” الزراعة كما يروج عنها تعد بهدوء وستصل أرض الواقع برامج وخطط تنفيذية إنقاذية تشمل مجالات عديدة تبدأ من تأمين مستلزمات الإنتاج بوقتها للمزارعين بأسعار تنافسية، وليس انتهاء بإعداد خطة تسويقية سريعة للمنتجات في أسواق تقليدية اعتادت وجود المنتج السوري فيها وأسواق جديدة لم تدخلها سابقاً.
الوضع يشير بوضوح إلى أن القطاع الزراعي الذي يعد عمود الاقتصاد السوري والمحقق لأمنه الغذائي لا يزال يطرح بكل معوقاته ومشكلاته بخجل على طاولة الحكومة بشكل عام والزراعة بشكل خاص، وهو أمر غير مقبول في وقت يشهد فيه القطاع خسائر فادحة في إنتاج المحاصيل والماشية ودمار في نظم الري الزراعي وتضرر مناطق زراعية واسعة وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، مثل البذار والأسمدة والمبيدات زيادة حادة ويفاقم الجفاف الوضع سوءاً، ويزيد الهموم على الكارثة الموجودة أصلاً، كما يلعب التغير المناخي دوراً مؤثراً في خروج مساحات من الأراضي الزراعية عن الاستثمار بشكل مستمر.
كما تميل المؤشرات إلى توقع استمرار منحى هابط لنمو الاقتصاد الزراعي على المدى المنظور، ومازال العديد من العاملين في الزراعة يهجرون هذا القطاع للعمل في قطاعات أخرى أكثر استقراراً وربحاً ولهذا الأمر تداعيات مستقبلية أهمها انهيار سلسلة الإنتاج الزراعي التي يحتاج إعادة بنائها لسنوات طويلة.
كل ما تقدم يستدعي ودون مبالغة إعلان حالة الاستنفار والعمل كخلية نحل للحد قدر المستطاع من تداعيات استمرار مشاكل القطاع الزراعي، ويمكن أن تكون أولى الخطوات الجادة بهذا المجال ونحن نقترب من حصاد أهم المحاصيل الاستراتيجية الزراعية السورية، وهي الحمضيات والزيتون وذلك من خلال التحضير الجيد لاستثمار المنتج بالشكل الأمثل خاصة لجهة التسويق.
وضمن هذا السياق وعن الإجراءات والخطوات المفترض العمل عليها من قبل وزارة الزراعة والوزارات الأخرى المعنية للحد قدر الإمكان من صعوبات تسويق المحصولين يقول الخبير الزراعي أكرم العفيف خلال حديث لـ”الثورة”: في عهد النظام البائد كان لم يكن يوجد اهتمام حقيقي بالمنتج المحلي بشكل كبير لمصلحة الاستيراد، فيوجد مصلحة مشتركة بين المسؤولين والمستوردين ولاحظنا بالاقتصاد إجراءات غير منطقية من دعم للمستوردات، بدلاً من دعم التصدير وعادة يحصل حروب اقتصادية لصالح المنتج المحلي المعد للتصدير، وهذا أدى لدمار ممنهج للمنتجات الزراعية خاصة الاستراتيجية منها، وبالمحصلة لم يحظ هذا القطاع بالمرحلة الأهم والأكثر قيمة وهي الاستثمار الصناعي الغذائي، إضافة لزيادة تكاليف ومستلزمات الزراعة وأهمها الأسمدة التي كانت تشهد ارتفاعات كبيرة بسعرها من قبل الدولة قبل بدء الزراعة، مما كان يؤدي لعزوف العديد من المزارعين عن الزراعة، ومادة المازوت مثلاً كان سعر الليتر 2000 ليرة يشتريه المزارع بـ17ألف ليرة، والبنزين كان سعره 5000 يشترى بـ 20 ألف ليرة، كل هذا أدى لخسائر كبيرة بقطاع الإنتاج الزراعي وخروج محاصيل زراعية مهمة من مرحلة التصنيع الغذائي.
إرث ثقيل
ويرى الخبير عفيف أن الإرث الذي ورثته الحكومة في مجال القطاع الزراعي وحجم الصعوبات التي تواجهه جعل منه إرثا ثقيلا ولكن كل ذلك يمكن تجاوزه إذا كانت لدى المسؤولين الإرادة والرغبة بالعمل والقدرة على تقديم الخطط والأفكار الإنقاذية السريعة، وعلى رأس وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي شخص يمتلك خبرة ورؤية جيدة للانطلاق بأولى خطوات تجاوز الصعوبات والعراقيل التي سادت سابقاً، ولجهة الكوادر العاملة بالوزارة أيضاً لديهم خبرات علمية يستفاد منها.
ويشير إلى أن ملف المحاصيل الاستراتيجية من أولوية الملفات التي يفترض أن توجه الجهود والخبرات والإمكانات نحوها خاصة ونحن مقبلين على قطاف أهم محصولين وهما الحمضيات والزيتون، فخلال فترات سابقة كانت تلك المحاصيل ومنها زيت الزيتون والحمضيات في قائمة الصادرات للخارج مقابل استيراد العديد من السلع والمنتجات وغيرها من المستوردات الهامة، وحتى الآن نحن ليس لدينا قدرة على المنافسة، إلا من خلال هذه المحاصيل بعد تحسين جودتها.
تحسين نوعية المنتجات
ويرى الخبير عفيف أن على وزارة الزراعة والوزارات الأخرى المعنية العمل على تحسين نوعية وجودة المنتج السوري من خلال توفير أسمدة طبيعية ومبيدات بدون أثر متبقٍ وتجاوز مشكلة البرتقال غير العصائري، ببساطة مثلاً عبر تطعيم الأشجار لتعطي بعد سنوات قليلة برتقال عصائري وبالتالي تكون منتجاً معدا للتصدير ومنافسا بدلاً من الاستيراد ووضع خطة تسويقية تنفيذية خاصة مع تجاوز أبواب الفساد التي كانت سائدة، أقله إذا أراد المنتجون التصدير فلا يوجد حالياً من يشاركهم التكاليف ونعلم الحصة التي كانت تذهب للحواجز وكانت تفوق قيمة وكلفة تصدير البراد نفسه.
واعتبر أن معالم سياسة الاقتصاد الزراعي كلها لم تتضح رؤية وتوجه الحكومة نحوها وحتى الآن قضايا الانتاج الزراعي ليست بخير، والمحاصيل الزراعية تدار بطريقة يصح القول إنها مشتتة ولم توضع بعد في سكتها الصحيحة، فموسم القمح وهو من أهم المواسم الاستراتيجية السورية دفعت الدولة سعر أعلى من السعر الذي دفعه التجار، فذهب جانب من الإنتاج لهم رغم الحاجة الماسة لكل حبة قمح، ومع إصدار الحكومة سلسلة قرارات منها إيقاف استيراد بعض المنتجات التي تؤثر على المنتج المحلي وهو خطوة مهمة وبداية صحيحة، ولكن الانتاج الزراعي يحتاج أكثر من ذلك وخاصة محصولي الحمضيات والزيتون الذي يستدعي استنفار مختلف الجهات المعنية لإنجاحه، واستثماره أفضل استثمار، بما يحقق الفائدة للمزارعين وللاقتصاد الوطني بشكل عام.