ريشة الشاعر وألوان الفنان

ثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
هل تهيأ لك يوما ما ان ترى قصائد الشعراء وقد تحولت إلى لوحات تشكيلية؟..
ماذا لو حدث ذلك وكيف ومن سيفعل.. أسئلة كثيرة ليست وليدة اليوم ولا الامس بل مع قدرة الفنان المبدع شاعرا كان ام تشكيليا أن يزاوج بين الفنون وهذا ما ما عبر عنه النقد الفرنسي بتداخل الفنون الذي ينطلق من تداخل الحواس..
ولكن بشار بن برد كان الأسبق في ذلك حين عشقت أذنه قبل عينه ..
ترى ماذا لو وقف فنان تشكيلي امام قول الشاعر بوصف الفرات ..وما الفرات اذا فاضت غواربه يوما ..وحاول أن يرسم ذلك..
أو أن قول عنترة ..فوددت تقبيل الرماح لأنها…
وغير ذلك كثير كثير في الشعر الذي رسم الكون بالحرف قبل اكتشاف الريشة واللون ..أليس الرسم بالكلمات ذروة الابداع كما عند نزار قباني وتحولاته العميقة بعد هذه القصيدة ..
أو الشاعر سليمان العيسى في مجموعته ..همسات ريشة متعبة …
جولة نقدية ممتعة تسحر القارىء في تواشج الابداع والقدرة على نسج لون جديد في النقد لا يقل بهاء ونضرة عن النص الشعري واللوحة..
هذا ما انجزه الناقد والشاعر السوري المعروف الدكتور ثائر زين الدين في كتابه الجديد الصادر عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق وحمل عنوان ..ضوء المصباح الوحشي عن الشعر والفن التشكيلي ..ومثل هذه الدراسات التي تذهب الى العمق وتتبع اللوحة والقصيدة حرفا حرفا وضربة ريشة وراء الأخرى..تحتاج الاناة والصبر والقدرة على إعادة النسج وبالتالي يستغرق الأمر زمنا قد يطول لكنه يأتي بمنجز على غاية من الأهمية..
هذا ما حدث مع هذه الدراسة التي بدأت خيوطها منذ عام ٢٠١٠ م ولبنة لبنة وعلى اساس التفاعل والتكامل وتجديد أدوات البحث والقراءة اكتملت بشكلها هذا الذي بين أيادي القراء..
يمضي الباحث مع القارىء قدما منذ آلاف السنين التي عرفت الفن بألوانه وفي تمهيده يورد كيف شبه هوراس الشاعر والناقد الأدبي في عمله الشهير فن الشعر شبه عمل الشاعر بعمل الفنان التشكيلي ورأى أن الشعر هو الصور. ..وفي التراث العربي قال الجاحظ إنما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير …
ويشير إلى ما قاله النحات تشارلز انطوان كويبل أمام الأكاديمية الملكية للرسم والنحت عام ١٧٤١م ..على الرسام في اسلوبه الراقي أن يكون شاعرا …عليه أن يعرف قوانين الشعر التي هي قوانين الرسم ذاتها ..عليه أن يفعل بالعين ما يفعله الشعر بالاذن …..
وايضا كان قال ليوناردو دافنشي ..الرسم شعر يرى ولايسمع والشعر رسم يسمع ولا يرى.. وبهذا المعنى عبر بيكاسو …الرسم هو الشعر وهو دائما يكتب على شكل قصيدة ذات قافية تشكيلية وهو لا يكتب بالنثر ابدا …
تأسيسا على مثل هذه المنطلقات التنظيرية في التأسيس للعلاقة بين الشعر والفنون ولاسيما التشكيلي يبني الناقد زين الدين دراسته الخصبة والثرة مع الكثير من المحطات التطبيقية فيها وتفكيك اللوحة والنص المقابل مع إعادة بناء معمارية جمالية تضع القارىء أمام تفاصيل لم تكن لتخطر في باله لولا ريشة الناقد التي تجمع بين رقة الشعر ورهافة اللون ليصبح النص النقدي ثالثا ولونا جديدا يجمع بين خصائص الشعر والتشكيل واللغة هي السحر في ذلك يذوب فيها المصطلح كما نور مصباح وحشي كاشف لكنك لا ترى إلا ضياءه..
يقع الكتاب في ٤٠٠ صفحة من القطع المتوسط ويناقش الكثير من العناوين المهمة في هذه العلاقة الجمالية والجدلية نذكر منها ..الأعمال التشكيلية تغذي خيال الشاعر بصورة مباشرة../قصيدة العمل الفني التشكيلي ../الشاعر يستلهم الفنان التشكيلي/الشاعر يستلهم موضوع الرسم /القصيدة البصرية /الشاعر فنانا تشكيليا/ ملحق الأعمال الفنية ..
الشاعر فنانا تشكيليا..
في هذا الفصل يقدم زين الدين رؤية نقدية جمالية تأخذ منحى تصاعديا مع سرد الكثير من القصائد التي تبدو لوحات خالدة ..هنا يطمح الشاعر كما يقول ان يتعامل الشاعر مع قصيدته أو مع الورقة البيضاء التي سيكتب عليها كما يتعامل الفنان التشكيلي مع لوحته ..
ويقدم الناقد أمثلة للتراسل بين التشكيل والشعر والنموذج الأول هو لأبي تمام ويختار من قصيدته..
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر..
وغدا الثرى في حليه يتكسر ..
..القصيدة طويلة يمكن الاطلاع عليها في الكتاب ..
وايضا يختار لابن نباتة قصيدة جميلة جدا
وقد يتساءل القارىء لماذا لم يقدم الناقد قصائد من العصر الجاهلي لاسيما عند امرئ الفيس ووصف الفرس والنابغة ووصف الليل وغيرهما..
قد تكون الإجابة أن الدراسة تضيء على غير المضاء عليه وتريد أن تبحث في كنوز جمالية لم تلق ما تستحق من اهتمام ..
ويتابع زين الدين رحلته النقدية هذه كاشفا عن جماليات التشكيل في الشعر العربي والعالمي من خلال تقديم نصوص
للشعراء الذين تقف الدراسة عندهم ..
باختصار ..الكتاب عمل نقدي مهم يتابع البحث في التنقيب والتأسيس للفكرة النقدية التي بدأها الباحث منذ زمن حول العلاقة بين الشعر والتشكيل ..
بقي أن نذكر أن للكاتب اكثر من ستين كتابا بين النقد والشعر ..وقد حقق حضورا عربيا وعالميا من خلال أعماله هذه فقد فاز بجائزة مجمع اللغة العربية بدمشق عن كتابه النقدي المهم ..مرايا الظلال دراسات في الشعر العربي المعاصر ..وايضا نال ميدالية الكتاب الروس العام الماضي حول قصيدته مشاهد سورية المكتوبة بحبر الألم والامل السوريين.

--013M.jpg--014M.jpg

آخر الأخبار
تحذير أمني عاجل: حملة اختراق تستهدف حسابات WhatsApp في سوريا سوريا تبحث طباعة عملة جديدة...   تبديل العملة بداية الإصلاح أم خطر الانهيار ؟قوشجي لـ"الثورة": النجا... إخماد حريق في وادي الأشعري الذهب يعاود صعوده على وقع ارتفاع الدولار م. الأشهب لـ"الثورة": طحن الكلنكر حل مرحلي لمصانع الإسمنت المتقادمة من الثمانينيات إلى اليوم.. هل ينجح المجلس السوري - الأميركي هذه المرة؟ جامعة حمص تبحث آفاق التعاون الأكاديمي والتقاني مع تركيا الخيول العربية الأصيلة في القنيطرة رمز للأصالة والتاريخ "الفيجة" إنذار لا مركزي إصلاح أبراج التوتر المخربة مستمر بدرعا العدالة الانتقالية في سوريا: خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار ومنع الانتقام "إدلب" ورمزيتها في فكر الرئيس الشرع.. حاضرة في الذاكرة وفي كل خطاب قرار لدعم صناعة الإسمنت الأسود وتحفيز الاستثمار مبادرة مجتمعية لإنارة شوارع درعا المحامي تمو لـ"الثورة": رفع العقوبات نقطة تحول اقتصادية   عميد كلية الحقوق "لـ"الثورة": العدالة الانتقالية لا يمكن تجاوزها دون محو الآلام ومحاسبة المجرمين روبيو يؤكد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب سوريا.. الشيباني: وضعنا بنية تحتية لبناء علاقات استراتيجية... ربط آبار بعد تأهيلها بالشبكة الرئيسية في حماة القمح المستورد أول المستفيدين.. عثمان لـ"الثورة": تراجع الطن 10دولارات بعد رفع العقوبات الخزانة الأميركية: بدأنا خطوات رفع العقوبات عن سوريا