الثورة أون لاين – ترجمة: ميساء وسوف :
في ضوء التطورات الأخيرة شهدت العلاقات الصينية/ الأمريكية المزيد من التوترات العسكرية والدبلوماسية قد تكون جميعها إشارات إلى بداية اندلاع حرب باردة بين قوتين عظميين في العالم، والتي يمكن لها أن تقلب نظام الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويبدو من الواضح الآن وبشكل كبير بالنسبة للكثيرين أن جهود الولايات المتحدة لاستخدام النظام الليبرالي العالمي والذي يتميّز بالتعددية والتبعية الاقتصادية المتبادلة لاستيعاب صعود الصين قد تم استبداله بالعديد من الاحتكاكات العسكرية والخلافات الدبلوماسية.
فقد أدّى الخلاف الدبلوماسي بين الدولتين إلى تبادل إغلاق القنصليات، كما كان هناك موقف أمريكي بشأن النزاع في بحر الصين الجنوبي، إذ قامت الولايات المتحدة بنشر مجموعتين قتاليتين وتضمنتا حاملتي الطائرات الأمريكية، “يو إس إس رونالد ريغان” و “يو إس إس نيميتز”، لإجراء مناورات عسكرية في المنطقة، وقد صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان رداً على ذلك بالقول: “أنّ الولايات المتحدة تخلق انقسامات بين الدول في المنطقة وتحاول عسكرة بحر الصين الجنوبي”.
وكما يبدو فقد بدأت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة بالتراجع عن النظام العالمي الليبرالي، بدءاً من انسحابها من الشراكة عبر المحيط الهادئ في اليوم الثاني بعد استلام دونالد ترامب الرئاسة، كما أن الوعود المتمثّلة بسحب القوات العسكرية الأمريكية من ألمانيا، ووقف دعم نفقات الناتو، والقرار الأخير بإلغاء العضوية من منظمة الصحة العالمية، تُظهر جميعها أن الولايات المتحدة بدأت تقلل من التزاماتها تجاه الدبلوماسية متعددة الأطراف.
إنّ عقيدة ترامب والتي هي “أمريكا أولاً”، وعلى الرغم من انتقادها إلى حد كبير واعتبارها مظهراً من مظاهر استراتيجيته الشعبوية ، هي رد منطقي على التكاليف التي ادّعى أن الولايات المتحدة تحملتها لجهودها العالمية.
وقد أدت تكتيكات ترامب الدبلوماسية وازدرائه التعددية والتعاون إلى خلق كتلتين عالميتين جديدتين، وما نشهده الآن هو انتقال من عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة إلى عالم ثنائي القطب مع قوتين عظميين: الولايات المتحدة والصين.
يبدو جليّاً أن الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب الصين الآن، وما من شك أن الصين تكتسب القوة من خلال استثماراتها الضخمة في الاتحاد الأوروبي وبخطط كثيرة أهمها مبادرة الحزام والطريق. ومن جهة أخرى يعتقد معظم المراقبين أنّ العديد من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تتجذر في الصين، وأنّ ما يدفع هذه الدول للانضمام إلى الكتلة الصينية، على الأقل في الوقت الحالي، ليست القيم ولا الهويات المشتركة ولا المؤسسات السياسية، بل هو العداء المشترك تجاه حكم الهيمنة الأمريكية وسلوكها الأخير تجاه الكثير من القضايا العالمية، ويبدو أن الواقعيين على حق هنا، فهم يرون أنه ما دامت الكتلة الصينية قادرة على الحفاظ على مصالحها المشتركة ضد الوضع المهيمن للولايات المتحدة، فإن استمرار التعاون أمر متوقع، وبصراحة تعتبر الصين أفضل رهان لدول الاتحاد الأوروبي لتخليص نفسها من سيطرة الولايات المتحدة ما قد يمكّنها من استعادة مجدها وقوتها الماضية، وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع دول الاتحاد الأوروبي للسعي إلى تكامل اقتصادي أوثق مع الصين.
إنّ المسارات الحالية المتوترة للعلاقات الأمريكية الصينية لا تدعو إلى التفاؤل، فالنزاعات يمكن لها أن تنشأ في حال حدوث أي خطوات خاطئة أثناء التدريبات العسكرية الأمريكية أو الصينية في بحر الصين الجنوبي. بالإضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن يستخدم ترامب إجراءات تحويلية لإنقاذ احتمال إعادة انتخابه حيث تظهر استطلاعات الرأي أنه متخلف عن خصمه جو بايدن.
إنّ احتمال دخول العالم في حرب باردة جديدة سيزداد خلال الأشهر القادمة، ولكن قد يسمح الرّدع النووي وسيناريو القتال لكل من الولايات المتحدة والصين بأن تكونا أكثر استعداداً للتفاوض، فليست كل الحروب تبدأ بحرب نووية، وقد تتصاعد مناوشات صغيرة في بحر الصين الجنوبي، وإذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح، فإنها ستؤدي إلى نتائج كارثية لا شكّ فيها. لا أحد يعرف بالتأكيد متى سيحدث ذلك وربّما لن يحدث أبداً، إلّا أنّ ما يمكن معرفته حالياً هو أن الدول ستتعجل بشكل كبير للانضمام إلى كلتا الكتلتين وسيصبح العالم ثنائي القطب، تماماً مثلما حدث بعد الحرب الباردة الأولى.
المصدر
The National Interest