بخدمات متواضعة… 350 عائلة تعود لمنازلها في عين الفيجة وسط تخوف من تلوث مياه النبع 

الثورة – لينا شلهوب وثورة زينية:

على كتف نهر بردى تتكئ بلدة وادعة لطالما كانت مقصداً لكل زائر ومصطاف، وتميّزت هذه البقعة الجغرافية بخصوبة أرضها ما جعلها مهداً للزراعة، فالشمس كانت لا تُرى لكثافة الأشجار التي كانت تظلل هذه البقعة الجميلة، لكن اليد الآثمة حولتها إلى أرض مقفرة تتنازعها ذكريات ماضيها الجميل، وقساوة المشهد الذي باتت عليه اليوم.

عين الفيجة.. بلدة وناحية تقع غرب دمشق وترتفع عن سطح البحر حوالى 890م، وهي تقع في بيئة جبلية، تحيط بها مجموعة من الجبال، ويجتازها نهر بردى في طريقه إلى العاصمة التي تبعد عنها حوالى 18 كيلو متراً، ومن سفوح جبالها يتدفق نبع الفيجة الذي يزود مدينة دمشق بالمياه.

خيبة أمل

على الرغم من أن مشاهد الدمار والخراب تروي قصص الأوضاع التي كانت سائدة في بلدة عين الفيجة خلال الفترة الماضية، إلا أن هذه المشاهد اخترقتها معالم الحياة التي انتفضت مجدداً، ونهضت عبر إعادة مختلف الخدمات إليها والتي أدت إلى عودة الأهالي، بعد فترة تهجير قسري دامت لسنوات، واستقرت نحو 350 عائلة ممن وجودوا منازل صالحة للعيش، فقاموا بترميمها، والبعض رمّم أجزاءً فقط من تلك المنازل نتيجة التكاليف العالية لعمليات الترميم، فيما عاد آخرون يجرّون أذيال الخيبة، لم يجدوا حتى أطلالاً يقفون عليها بعد أن مسحت منازلهم وممتلكاتهم بالكامل من على خريطة البلدة.

من جنة غناء إلى أرض مقفرة

لم تكن بيوتنا إرهابية، كانت تلك هي الكلمة التي بادرنا بها أحد المواطنين وهو دكتور جامعي من الذين عادوا إلى البلدة- فضّل عدم ذكر اسمه- أكد أنه عندما غادر الأهالي نتيجة قصف قوات النظام المخلوع بالبراميل المتفجرة من الطائرات كانت المباني والمرافق لا يزال معظمها سالماً، وسيطرت قوات النظام المخلوع آنذاك على المنطقة، في مطلع كانون الثاني عام 2017، ضمن حملة عسكرية واسعة مصحوبة بالطيران، وأغلقت منافذ القرى بشكل كامل وأعلنتها “منطقة عسكرية”، ومنعت بذلك دخول أي أحد من السكان إليها مهما كان السبب.

مضيفاً: لكن بعد خروج الأهالي قامت عناصر قوات النظام المخلوع بنهب الممتلكات، و”تعفيش” كل ما يمكن نقله، ومن ثم تفخيخ جميع المباني والمرافق حتى محطة القطار الأثرية لم تسلم، ودمروا كل شيء، فتحولت البلدة الجميلة التي كانت توصف بالجنة الغناء إلى أرض مقفرة لا حياة فيها.

وأوضح “عندما عدنا لم نتبين ملامح البلدة التي مسحت بالكامل، ووجدنا جداراً ضخماً قد اقتطع معظم مساحتها وجعله حرماً عسكرياً لنبع الفيجة، بناء على مرسوم أصدره الرئيس المخلوع، فقمنا بتكسير وهدم ما استطعنا منه، والذي امتد لمسافات كبيرة، للدخول إلى أراضينا وما تبقى من أطلال منازلنا.

كما أفاد عدد من الأهالي الذين التقتهم “الثورة” أن النظام المخلوع منعهم من العودة إليها، بالإضافة إلى منع العائدين، وهم أعداد لا تكاد تذكر من ترميم بيوتهم أو إعادة إعمارها، ولاسيما أن المنطقة مدمرة بشكلٍ كبير.

ويقدر أهالي المنطقة نسبة الدمار في بلدة عين الفيجة بنحو 90 في المئة، وإن الأجزاء غير المدمرة من هاتين المنطقتين، سرقت فيها المنازل ونهبت حتى بلاط الأرضيات تم اقتلاعه.

وعود كاذبة

وأشار أحد الأهالي- والذي لا يزال يقطن في بلدة الهامة، بعد أن هجر من بلدته عين الفيجة، إلى أن عدداً من الأهالي حاولوا أكثر من مرة الدخول إلى مناطقهم بشكل جماعي عبر مسؤولين في الدولة حينذاك حاولوا لقاءهم، لكنهم رفضوا لقاء الأهالي أو عودتهم إلى بيوتهم، كما أن هناك مسؤولين قابلهم الأهالي، لكن وعودهم كانت كاذبة ولم يفعلوا شيئاً لأجلهم، فيما ظلوا يكابدون صعوبات جمة من ارتفاع إيجارات المنازل التي قصمت ظهورهم إلى تشتت العائلات داخل وخارج سوريا وخسارة كل ما يملكونه.

وكان النظام المخلوع أصدر المرسوم التشريعي رقم 1 للعام 2018، والقاضي بتنظيم الحرم المباشر وغير المباشر لنبع عين الفيجة، ونص القانون على إنشاء حرمين على طول نفقي جر المياه من نبع الفيجة إلى دمشق، وحدد عرض الحرم المباشر لنفقي جر المياه بمسافة عشرة أمتار لكل طرف من النفق.

فيما حدد عرض الحرم غير المباشر لنفقي جر المياه بمسافة 20 متراً لكل طرف من النفق، اعتباراً من محور النفق متضمناً الحرم المباشر، ومنع القانون امتلاك الأهالي لأي عقارات الأهالي في تلك المناطق منذ بداية العام 2018 واستملاك كل العقارات الموجودة في منطقة حرم النبع، من دون أن يتم تعويض سكانها بعد فرض السيطرة على بيوتهم وتدميرها، ووفق هذا القانون منع بناء أي من المنشآت السكنية، أو الصناعية، أو التجارية، أو السياحية، ومنع حفر الآبار، أو إحداث مقالع الأحجار، أو إقامة مستودعات ومستوصفات ومخابز، أو أبنية سكنية مهما كان الهدف من بنائها، وإقامة الطرق وتعبيدها، بالإضافة إلى إقامة أي تمديدات أو خزانات مهما كان الغرض من استعمالها، في الحرم المباشر لنبع الفيجة، ويعاقب مخالفو

الأحكام السابقة بالحبس من سنة إلى ثلاث وبغرامة قدرها 500 ألف ليرة سورية.

ويعرف الحرم المباشر لنبع الفيجة وفق القانون بـ “الأرض الواقعة حول المصدر المائي التي تتيح الوصول إليه لصيانته والحفاظ على سلامته ومنع تلوثه”.

بنية تحتية مدمرة وتخوف

أكد عدد من أهالي عين الفيجة الذين التقتهم “الثورة” أنه خلال الفترة الماضية سعت بلدية عين الفيجة بالتعاون مع محافظة ريف دمشق إلى بذل الجهود لإزالة الأنقاض والردميات، وكان ذلك الخطوة الأولى التي من خلالها يتمكّن الأهالي من العودة إلى منطقتهم، لتأتي في مرحلة لاحقة إزالة الدمار الناتج عن المنازل والأبنية المهدّمة خلال فترة الحرب، مضيفين: فيما بعد كان هناك متابعة لواقع البنى التحتية من مشاريع: الصرف الصحي والكهرباء والمياه والمشاريع الصغيرة، من خلال لجنة تم تشكيلها من المحافظة، وتم تقديم مذكرة بأهم احتياجات البلدة وأهمها موضوع الكهرباء، والصرف الصحي، والمياه، وجملة من الاحتياجات، تمهيداً لعودة الخدمات إليها.

ولفت عدد من الأهالي إلى أن بلدية عين الفيجة رغم سعيها لتوفير مختلف الخدمات الأساسية، وتأمين البنى التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحي، إلا أن هناك معاناة وتخوّفاً من مسألة الصرف الصحي التي قد تسبب تلوثاً للحرم المباشر وغير المباشر للنبع، حتى أن أهالي بلدة دير مقرن المجاورة لعين الفيجة في منطقة وادي بردى تقدّموا بعدة شكاوى إلى مؤسسة مياه دمشق وريفها، بسبب تردي شبكة الصرف الصحي في المنطقة، وتكسّر أجزاء منها جراء سيول العام الماضي، وعبّروا عن مخاوفهم من اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه نبع الفيجة وتلويثها إذا لم يتم ترميم الشبكة على الفور، علماً أنهم تلقوا الوعود بالإسراع في ترميم شبكة الصرف، ولم تشهد المنطقة حتى الساعة أي مبادرة لمعالجة المشكلة، وما زال الأهالي يعتمدون على الشبكة القديمة المهترئة أولاً، أضف إليها التعرض للتدمير والتخريب في بعض أجزائها خلال فترة الحرب ثانياً، لكن الجهات المعنية آنذاك وبدلاً من استبدال الشبكة بشكل كامل، لجأت إلى عمليات الترميم والترقيع، الأمر الذي يحسّن الخدمة ولكن بشكل مؤقت.

وطالب الأهالي بإجراء حلول جذرية وليست إسعافية، لضمان تأمين الخدمة بشكلها الصحيح، بالإضافة إلى الحد من التكلفة المادية التي تترتب على ذلك، إذ أن تكلفة الترميم ربما تتجاوز تكلفة الاستبدال، لأنها ستتعرض بين الحين والآخر.

وبالنسبة لخدمات الصرف الصحي، فإنه يتم استخدام الشبكة القديمة، لكن كان من المفروض استبدال القديمة بأخرى جديدة ذات أنابيب كتيمة (أنبوب ضمن أنبوب) حماية من التلوث، لكن حتى الآن لم يتم العمل بذلك، علماً أنها تحتاج إلى ترميم نتيجة وجود تضرر فيها إلا أن الشبكة القديمة لا تزال مستخدمة لتأمين الخدمات للأهالي، ولا نيّة بإجراء استبدال حالياً، بحسب مصادر في المؤسسة العامة للصرف الصحي.

محولتان للكهرباء

وفي سياق آخر، أشارت المصادر ذاتها إلى تزويد المنطقة بمحولتين لوصول التيار الكهربائي، إذ تم تركيب محولة لتغذية ما تبقى من الأحياء الغربية بالتيار الكهربائي، وهي شارع المدرسة الابتدائية، والرملة، والدوار التحتاني، فيما تُغذي المحولة الأولى الأحياء الشرقية من البلدة، وهي: المحطة، وشارع المدرسة.

كذلك تم خلال الفترة الماضية ترحيل كميات كبيرة من الأنقاض التي تجاوزت الـ 100 ألف م مكعب، قامت البلدية بترحيلها بدعم من محافظة ريف دمشق، فيما تتجه عمليات الترحيل إلى مكب المزة آخر الصبورة، لكن العمل متوقف لوجود بعض الصعوبات، منها تأمين مادة المحروقات، وبُعد المسافة، وهذا أعاق تنفيذ العمل، حيث تقطع الآليات مسافة 60 كم ذهاباً وإياباً، وبذلك تستهلك في كل ترحيل كمية 60 ليتراً من المازوت لكل (نقلة)، وبالتالي تكلّف مبالغ مالية كبيرة، لأنه يتم الترحيل أكثر من مرة باليوم، لذا تمت مخاطبة المحافظة لترحيل النفايات والأنقاض إلى مكب الدريج وهو يبعد عن عين الفيجة 15 كم فقط.

التزوّد بالمياه

أما بالنسبة لواقع المياه فالبلدة تتغدى بالمياه بنسبة الـ 90 في المئة، باستثناء حي جالية الذي كان يتغذى من الخزان الجديد، وهذا الخزان تدمر بالكامل خلال الحرب، لكن هناك خططاً لوضع خطة لتغذية الحي من الخزان القديم الذي يبعد عن الحي 500 م، بعد تأمين المواد الأساسية المتمثلة بالأنابيب والمواد الصحية والإكسسوارات، وبهذا الشأن تم تقديم طلب للمؤسسة العامة للمياه لتأمين المطلوب، علماً أن الأهالي القاطنين بالحي يعتمدون على الصهاريج لتزويدهم بالمياه، ريثما تصل المياه إليهم.

وعبر التواصل مع أحد المعنيين في البلدية سابقاً أكد أن المحافظة عملت على تنفيذ مخطط تنظيمي جديد لبلدة عين الفيجة بما لا يتعارض مع التعليمات التنفيذية لمرسوم نبع الفيجة، بحيث يضمن هذا المخطط الحفاظ على حرم النبع والأقنية الناقلة للمياه، وسيتم بعد ذلك العمل على إعادة تأهيل البنى التحتية للبلدة بشكل كامل تمهيداً لعودة المواطنين إلى منازلهم.

حماية النبع

وهناك مطالبات من الأهالي بالتشديد على حماية النبع، فالأمور اليوم لا تزال غير منضبطة لجهة السماح بدخول الأشخاص إلى النبع المباشر وهذا يشكل خطراً على سلامته، مشددين على ضرورة وجود حماية حقيقية ومنع ترك مصير النبع لحفنة من الأفراد العاديين الذي لا يقدرون خطورة المساس به.

يتدفق نبع الفيجة من سفح جبل القلعة، لينضم إلى نهر بردى، الذي يُعتبر الشريان المائي الأساسي لمدينة دمشق، أما جيولوجياً، فإن الصخور الكلسية التي تشكّل خزانات طبيعية للمياه في هذه المنطقة تسهم في ترشيح وتنقية المياه، مما يجعلها خالية من الطفيليات والجراثيم.

وقد أشارت الفحوص العلمية إلى أن مياه الفيجة تتمتع بدرجة نقاوة استثنائية، مما يضعها في مصاف أنقى الينابيع العالمية، إضافة لخصائص فيزيائية وكيميائية مميزة، حيث إنه منخفض العسرة، ويحتوي على نسب متوازنة من المعادن المفيدة للصحة، مثل الكالسيوم والمغنيسيوم، كما أن حموضته الطبيعية تتوافق مع المعايير الصحية العالمية، مما يجعله ماءً صالحاً للشرب دون الحاجة إلى معالجة كيميائية.

لعب نبع عين الفيجة دوراً محورياً في تاريخ دمشق، ويعود استخدامه كمصدر أساسي للمياه إلى العصور الرومانية، إذ شيّدت قنوات لنقل مياهه إلى المدينة، ومع تطور الحضارات الإسلامية، تم تحسين هذه القنوات لتوفير المياه النظيفة لسكان دمشق، وفي العصر العثماني، استمر الاهتمام بالنبع عبر توسيع شبكة التوزيع، فيما شهدت الفترة الحديثة إنشاء مشاريع لضخ المياه مباشرةً إلى دمشق، ما ساهم في استدامة هذا المورد الحيوي.

آخر الأخبار
تأمين الكهرباء إسعافياً للمناطق المتضررة في اللاذقية من الحرائق قريباً.. تأمين الكهرباء لريف حلب ضمن خطة شاملة لإعادة الإعمار تأهيل مدرسة عندان.. خطوة لإعادة الحياة التعليمية نحو احترافية تعيد الثقة للجمهور.. الإعلام السوري بين الواقع والتغيير خبير مصرفي لـ"الثورة": الاعتماد على مواردنا أفضل من الاستدانة بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. مفوضية اللاجئين تتوقع عودة نحو 200 ألف سوري من الأردن بحلول نهاية 2025 السيف الدمشقي.. من فولاذ المعركة إلى برمجيات المعرفة إعادة دمج سوريا بمحيطها العربي مؤشر على تشكيل تحالفات جيوسياسية واعدة عبر البوابة البريطانية.. العلاقات السورية الأوروبية نحو انطلاقة جديدة امتحان الرياضيات لطلاب البكالوريا المهنية- المعلوماتية: بين رهبة المادة وأمل النجاح الخبيرمحي الدين لـ"الثورة": حركة استثمارية نوعية في عدة قطاعات الرئيس الشرع يتقلد من مفتي الجمهورية اللبنانية وسام دار الفتوى المذهَّب حرب إسرائيل وإيران بين الحقائق وإدعاءات الطرفين النصرالمطلق ألمانيا تدرس سحب الحماية لفئات محددة من اللاجئين السوريين "قطر الخيرية" و"أوتشا".. تعزيز التنسيق الإنساني والإنمائي في سوريا بعد 14 عاماً من القطيعة .. سوريا وبريطانيا نحو شراكة دبلوماسية وثيقة 10 مناطق لمكافحة اللاشمانيا بدير الزور الاقتصاد الدائري.. إعادة تدوير لموارد تم استهلاكها ونموذج بيئي فعال الحرائق في اللاذقية .. التهمت آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية