الثورة – محمود ديبو:
فرَّق المهندس أمير البخاري بين الاقتصاد الخطي التقليدي والاقتصاد الدائري، معتبراً أن الحاجة اليوم ملحة جداً في الانتقال إلى اعتماد نظام الاقتصاد الدائري في ظل التحديات المناخية والبيئية الحاصلة اليوم، وتحديات الأمن الغذائي والأمن البيئي، مبيناً أن الاقتصاد الخطي التقليدي ينطلق من تأمين سلسلة المواد الأولية اللازمة للإنتاج وينتهي بالسلعة ثم بعد استهلاكها تصبح نفاية غير قابلة للاستخدام والتحلل وتصبح عبئاً على البيئة والمناخ، بينما الاقتصاد الدائري يبدأ من لحظة التفكير بالاستفادة من الموارد إلى أقصى حد ممكن حتى بعد استهلاكها، حيث يفكر كيف يصنع الموارد ويسوقها ويستخدمها، ومن ثم كيفية الاستفادة منها بعد ذلك بإعادة تدويرها بعد أن تكون قد أصبحت نفاية.
وبحسب م. البخاري فإن الغرض من الاقتصاد الدائري هو تقليل النفايات إلى الحد الأدنى، وقال في محاضرة له أقيمت في نقابة المهندسين بدمشق: عندما يصل المنتج إلى نهاية عمره الافتراضي يتم الاحتفاظ بمواده في الاقتصاد حيثما كان ذلك ممكناً بفضل إعادة تدويرها مراراً وتكراراً، وهنا تبرز علاقة الاقتصاد الدائري بتغير المناخ وحماية البيئة وتقليل النفايات والمواد السامة والأمن الغذائي والبيئي وبقاء ورفاهية الناس والكوكب.
وعن المبادئ الأساسية للاقتصاد الدائري أوضح المهندس البخاري هناك ثلاثة مبادئ أولها المحافظة وتعزيز رأس المال الطبيعي وهذا يتطلب بالبداية اعتماد التصميم المتجدد وأنظمة الحلقة المغلقة والاستفادة من المنتج كخدمة، وثانياً الحصول على أكبر عائد من الاستخدام أي طول عمر المنتج ومتانته واعتبار النفايات كموارد، وثالثاً تقليل الوفورات الاقتصادية السالبة وهذه تحتاج إلى مبادئ داعمة مثل إنشاء نظام بيئي دائري ومحاكاة الطبيعة في مسألة التوازن البيئي.
ولفت المهندس البخاري إلى أن 35 بالمئة من حجم النفايات ما عدا النفايات العضوية يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها، وبالتالي الهدف هنا هو تقليل كمية النفايات الذاهبة إلى المطامر والمدافن، ففي الدول المتقدمة، كالنرويج والسويد وألمانيا انخفضت النفايات المرحلة إلى المطامر بشكل كبير جداً بحيث وصلت نسبتها إلى أقل من 1 بالمئة من حجم النفايات المنتجة وهذا احتاج لسنوات عمل طويلة تطلبت تغيير فكر الإنتاج وعملية التصنيع وآلية التصنيع.
وأشار المهندس البخاري إلى أن الاقتصاد الدائري بدأ عام 1990 مع (بيرس وتيرنر)، ثم بعدها في العام 1996 أصدرت ألمانيا قانوناً باسم دورة المواد وإدارة النفايات وقد كانت دولة رائدة في هذا المجال، وفي العام 2020 وضعت المفوضية الأوروبية خطة عمل للاقتصاد الدائري من خلال تعديل تصميم المنتجات والحد من النفايات وتمكين المستهلكين، وفي 2021 اعتمد البرلمان الأوروبي قراراً بشأن خطة عمل الاقتصاد الدائري الجديدة، وفي 2022 أصدرت المفوضية الأوروبية حزمة من التدابير لتسريع التحول نحو الاقتصاد الدائري وتعزيز المنتجات المستدامة وتمكين المستهلكين من التحول الأخضر، ومراجعة تنظيم منتجات البناء ووضع استراتيجية بشأن المنسوجات المستدامة، وبنفس العام اقترحت المفوضية قواعد جديدة على مستوى الاتحاد الأوربي بشأن التغليف (حيث أن التغليف هو أحد أكبر مصادر النفايات البلدية حالياً) وهذا يوضح أن الدول الفقيرة ليست هي الأكثر إنتاجاً للنفايات وإنما الدول المتقدمة بسبب النمط الاستهلاكي المتبع لديها بالاعتماد على التغليف بشكل كبير.
ويبين البخاري أن الفرد في دمشق ينتج وسطياً نصف كيلو غرام نفايات باليوم، في حين أن الفرد في أميركا ينتج 3.5 كغ نفايات باليوم الواحد، فعملياً التغليف الذي ترافق بتغير الأنماط الاستهلاكية أدى إلى زيادة كبيرة بكمية النفايات، لذلك الاتحاد الأوروبي وضع شروطاً وضوابط للتعامل مع التغليف للتخفيف من كميات النفايات المنتجة والانتقال إلى مواد قابلة للتحليل.
وبالتالي- بحسب المهندس البخاري- فإن النظام الدائري يهدف إلى إعادة بناء النظام البيئي من خلال خفض استخدام الموارد والتقليل من اختلال المناظر الطبيعية والحد من فقدان التنوع البيولوجي وخفض انبعاثات غازات الدفيئة واستخدام المياه والأراضي والمحيطات على نحو مستدام، ودعم صحة الإنسان والمجتمع واستخدام الموارد لتوليد القيمة وتنفيذ خطة التنمية المستدامة.
ومن الفوائد المتحققة نتيجة اعتماد الاقتصاد الدائري بحسب البخاري فإنه على المستوى الاقتصادي يمكن توفير المال والمواد الأولية وتشجيع التصنيع القابل للتدوير وتوفير فرص عمل وقيم أعلى للموارد الاقتصادية، وهناك فوائد بيئية أهمها تخفيف التلوث وتقليل مساحات المطامر ومدافن النفايات، وحفظ المصادر الطبيعية وتوفير الطاقة وتفعيل التقنيات النظيفة.
وعلى صعيد الشركات والمؤسسات وجد المهندس البخاري أن هناك فرصة لتأمين فرص اقتصادية استثمارية أفضل من خلال آلية معينة تعتمد على إنشاء الأسس القانونية والسياسات الصحيحة من قبل الحكومات الوطنية لتشجيع الأموال على التدفق إلى حلول الاقتصاد الدائري، وتبني ممارسات الاقتصاد الدائري وتعزيز الاستخدام الفعال للموارد من أجل الإنتاج والاستهلاك المستدامين، ووضع خرائط طريق وطنية لتمكين الانتقال نحو النموذج الدائري، ووضع نهج مشترك لمعايير تصميم المنتجات من تدوير النفايات، والتمويل الميسر لفرص الأعمال وتحسين مواءمة طرق تقييم الأثر لاستثمارات هذا النموذج وتطوير آليات التخلص من مخاطر الاستثمارات في الاقتصاد الدائري، وتسهيل الوصول بشكل أفضل إلى التمويل المختلط من خلال التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص.
ويواجه الاستثمار في الاقتصاد الدائري جملة من التحديات بحسب المهندس البخاري أهمها نقص البنية التحتية وغياب أو ضعف مرافق الفرز والمعالجة وإعادة التدوير ومحدودية وجود مراكز تجميع النفايات القابلة لإعادة التدوير وعدم توفر مدافن هندسية مطابقة للمواصفات تدعم الفصل والمعالجة، كذلك هناك ضعف بالإطار التشريعي وغياب للقوانين الملزمة لفرز النفايات من المصدر، وعدم وجود سياسات تحفيزية للقطاع الخاص، وازدواجية الأدوار بين الجهات التنظيمية (بلديات، وزارات، هيئات بيئية).
كذلك بحسب المهندس البخاري هناك عوائق اقتصادية تواجه الاستثمار في هذا الاقتصاد أهمها ارتفاع التكاليف الابتدائية لإنشاء مصانع إعادة التدوير وعدم وضوح العائد على الاستثمار بسبب تقلب الأسعار، ونقص التمويل أو عدم وجود نماذج تمويل مبتكرة، إلى جانب محدودية المشاركة المجتمعية بسبب انخفاض الوعي لدى الأفراد وانتشار ثقافة استهلاكية تؤدي إلى زيادة النفايات وضعف برامج التوعية، كذلك فإن ضعف سلاسل القيمة وسوق المواد المعاد تدويرها تؤثر على حجم الاستثمار في الاقتصاد الدائري، فهنا نلحظ قلة الطلب على المنتجات المعاد تدويرها بسبب ضعف الجودة، وغياب الربط بين منتجي النفايات والمصنعين، واحتكار بعض مراحل جمع أو نقل النفايات.