الثورة – هنادة سمير:
رغم أن التحول الرقمي في سوريا لا يزال محدوداً مقارنة بالدول الأخرى، إلا أن آثار الأتمتة والتكنولوجيا بدأت تحدث تغييراً تدريجياً في سوق العمل، فوظائف كانت تُعدّ من ركائز الاقتصاد المحلي باتت مهددة بالزوال، أو على الأقل بالتحول الجذري، بفعل صعود الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية ولا بد من التساؤل هنا: هل نحن مستعدون لمواجهة هذا التغيير؟
رغم أن التحول الرقمي في سوريا لا يزال محدوداً مقارنة بالدول الأخرى، إلا أن آثار الأتمتة والتكنولوجيا بدأت تحدث تغييراً تدريجياً في سوق العمل، فوظائف كانت تُعدّ من ركائز الاقتصاد المحلي باتت مهددة بالزوال، أو على الأقل بالتحول الجذري، بفعل صعود الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية ولا بد من التساؤل هنا: هل نحن مستعدون لمواجهة هذا التغيير؟
التحول بدأ
تشهد قطاعات عدة بوادر تحول في طبيعة المهن ففي المؤسسات الحكومية، بدأت برامج الأتمتة تحل محل الإداريين التقليديين، إذ تستخدم برمجيات لإدخال البيانات وأتمتة المعاملات، وفي القطاع المصرفي تراجعت الحاجة لعدد من موظفي خدمة العملاء مع انتشار التطبيقات والبوابات الذكية، أما في قطاع الإعلام، فبدأت بعض المواقع المحلية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تحرير الأخبار وتلخيص المحتوى.
كل هذه التغيرات، وإن بدت متفرقة وبطيئة، إلا أنها تنذر بتحوّل أوسع قد يحدث انقلاباً في مفهوم “الوظيفة المستقرة” خلال سنوات قليلة.
كل هذه التغيرات، وإن بدت متفرقة وبطيئة، إلا أنها تنذر بتحوّل أوسع قد يحدث انقلاباً في مفهوم “الوظيفة المستقرة” خلال سنوات قليلة.

ما هي المهن المهددة فعلاً؟
تشير الدراسات والتجارب العالمية إلى أن المهن الروتينية والمعتمدة على التكرار هي الأكثر عرضة للزوال وفي سوريا قد تشمل القائمة: إدخال البيانات والأعمال الإدارية المتكررة، الترجمة العامة غير المتخصصة، المحاسبة الأساسية، وظائف خدمات العملاء التقليدية، مهن المراقبة والتدقيق اليدوي، لكن بالمقابل كما تختفي وظائف، تولد أخرى تتطلب مهارات جديدة ومختلفة كلياً.
نحتاج تحولاً ثقافياً
يرى الخبير التقني المهندس فادي الجندي أن ما يحدث حالياً ليس مجرد تغيير في أدوات العمل، بل تحول جذري في مفهوم الإنتاج ذاته.
ويبين في حديث لـ”الثورة” أن التهديد لا يكمن في انعدام الوظائف، بل بعدم قدرتنا على إعادة تعريفها وتحديثها، فالأتمتة على سبيل المثال لا تلغي الحاجة إلى الإنسان، لكنها تلغي الحاجة إلى العامل غير المدرب وبنفس الطريقة كثير من المهام التي تشغل اليوم وقت وموارد المؤسسات، ستنجز قريباً بذكاء اصطناعي بكبسة زر، ونحن حتى الآن ندرب أجيالاً على وظائف لم تعد موجودة.
ويضيف: إن الدول المجاورة بدأت فعلياً الاستثمار في التعليم المهني الرقمي، والتدريب على المهارات التقنية، بينما تفتقر سوريا إلى استراتيجية واضحة في هذا المجال، موضحاً: نحتاج إلى تحول ثقافي قبل أن نحتاج إلى بنية تحتية ولابد أن تدرج التكنولوجيا كأولوية في كل خطط الإصلاح الاقتصادي والإداري ويتوقف النظر إليها كترف أو عنصر كمالي.
ويبين في حديث لـ”الثورة” أن التهديد لا يكمن في انعدام الوظائف، بل بعدم قدرتنا على إعادة تعريفها وتحديثها، فالأتمتة على سبيل المثال لا تلغي الحاجة إلى الإنسان، لكنها تلغي الحاجة إلى العامل غير المدرب وبنفس الطريقة كثير من المهام التي تشغل اليوم وقت وموارد المؤسسات، ستنجز قريباً بذكاء اصطناعي بكبسة زر، ونحن حتى الآن ندرب أجيالاً على وظائف لم تعد موجودة.
ويضيف: إن الدول المجاورة بدأت فعلياً الاستثمار في التعليم المهني الرقمي، والتدريب على المهارات التقنية، بينما تفتقر سوريا إلى استراتيجية واضحة في هذا المجال، موضحاً: نحتاج إلى تحول ثقافي قبل أن نحتاج إلى بنية تحتية ولابد أن تدرج التكنولوجيا كأولوية في كل خطط الإصلاح الاقتصادي والإداري ويتوقف النظر إليها كترف أو عنصر كمالي.
توجيه الطاقات
ويؤكد الخبير الجندي أن التحول المهني الذي تفرضه التكنولوجيا لا يعني بالضرورة أزمة بطالة، بل يمكن أن يكون فرصة لإعادة توجيه الطاقات نحو قطاعات إنتاجية جديدة، مثل تطوير البرمجيات، أمن المعلومات، التجارة الإلكترونية، تحليل البيانات، وغيرها، لكن ذلك يتطلب: مراجعة مناهج التعليم العام والمهني، بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص وكذلك توفير تدريب مجاني أو منخفض التكلفة في المهارات الرقمية الأساسية، إضافة إلى إطلاق حملات توعية مجتمعية تغير صورة “المهنة الرقمية” وتجعلها جذابة وواقعية.
التعليم المهني.. فرصة مهدورة
رغم أن التعليم المهني قد يكون الأداة الأسرع لتجهيز الشباب لوظائف المستقبل، إلا أن معظم التخصصات المتوفرة في المعاهد المهنية في سوريا لا تزال تقليدية، مثل الميكانيك والكهرباء والنجارة، في حين تغيب التخصصات الرقمية أو التكنولوجية المعاصرة.
في هذا السياق تبين الخبيرة التربوية رنا محفوظ أن تحديث المناهج بات ضرورياً جداً لكننا كذلك نحتاج إلى تغيير النظرة المجتمعية لهذا النوع من التعليم، وربطه بسوق العمل الفعلي من خلال شراكات مع شركات تكنولوجيا أو منصات تدريب رقمية.
وتلفت إلى أن التعليم المهني يمكن أن يكون “حلقة نجاة” للآلاف من الشباب السوري، خاصة ممن لم تتح لهم فرص التعليم الجامعي، شرط أن يُعاد هيكلته ليخدم المستقبل، منوهة بأن بعض المدن السورية، بدأت مبادرات خجولة من منظمات محلية أو أفراد لإدخال برامج في التصميم والبرمجة وصيانة الشبكات، لكنها تظل غير ممنهجة أو معتمدة رسمياً، ولا تكفي لتأهيل سوق كامل.
في هذا السياق تبين الخبيرة التربوية رنا محفوظ أن تحديث المناهج بات ضرورياً جداً لكننا كذلك نحتاج إلى تغيير النظرة المجتمعية لهذا النوع من التعليم، وربطه بسوق العمل الفعلي من خلال شراكات مع شركات تكنولوجيا أو منصات تدريب رقمية.
وتلفت إلى أن التعليم المهني يمكن أن يكون “حلقة نجاة” للآلاف من الشباب السوري، خاصة ممن لم تتح لهم فرص التعليم الجامعي، شرط أن يُعاد هيكلته ليخدم المستقبل، منوهة بأن بعض المدن السورية، بدأت مبادرات خجولة من منظمات محلية أو أفراد لإدخال برامج في التصميم والبرمجة وصيانة الشبكات، لكنها تظل غير ممنهجة أو معتمدة رسمياً، ولا تكفي لتأهيل سوق كامل.
سواء شئنا أم أبينا فإن التكنولوجيا تعيد تشكيل سوق العمل السوري من جذوره، المهن التقليدية تتراجع، ووظائف جديدة تولد كل يوم مما يجعلنا أمام مفترق طرق.. فإما أن نهيئ أبناءنا لمستقبل رقمي متعدد المهارات، أو أن نبقيهم رهائن ماض مهني بدأ يتجاوزه الزمن.