الثورة – جاك وهبه
في خطوة جادة لكشف الحقائق ومحاسبة المتورطين، كشف الجهاز المركزي للرقابة المالية عن تفاصيل صادمة لفساد ممنهج استشرى في مفاصل الدولة خلال العهد السابق، حيث تجاوزت الخسائر المالية مئات الملايين من الدولارات في قطاعات حيوية طالت معيشة المواطنين مباشرة.
في هذا السياق، أعلن نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، وسيم المنصور، أن تحقيقات الجهاز كشفت عن وجود فساد ممنهج انتشر في قطاعات استراتيجية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر خلال عهد النظام السابق، حيث أسفرت هذه الممارسات عن خسائر مالية تجاوزت وفقاً للتحقيقات الأولية مئات الملايين من الدولارات الأميركية.
وأضاف المنصور أن الجهاز تلقى مئات الملفات المتعلقة بقضايا الفساد التي ألحقت أضراراً جسيمة بالمال العام، وتبين تورط مسؤولين سابقين في حكومة النظام البائد فيها، مما استلزم تشكيل أكثر من ثمانين لجنة تحقيق متخصصة للتحقيق في هذه الملفات.
وأشار إلى أن نتائج التحقيقات أكدت أن الفساد كان منظماً ومتجذراً في قطاعات ترتبط مباشرة بمعيشة المواطنين، مما فرض على الجهاز مسؤولية كبيرة في الكشف عن الحقائق ومحاسبة المتورطين، ووضع ضوابط لمنع تكرار مثل هذه الممارسات في سوريا الجديدة.
وبخصوص طبيعة عمل الجهاز وهيكليته واختصاصاته، أوضح المنصور أن الجهاز المركزي للرقابة المالية هو هيئة مستقلة تتبع لرئيس الجمهورية، وتعمل وفقاً لأحكام القانون رقم /64/ لعام 2003 وتعديلاته، ويتكون الجهاز من إدارات فنية متخصصة في الرقابة على القطاعين الإداري والاقتصادي، ومراقبة صكوك العاملين، بالإضافة إلى إدارة متخصصة في الشؤون القانونية والتحقيق، إلى جانب عدد من المديريات المركزية وفروع منتشرة في جميع المحافظات السورية.
وتابع المنصور قائلاً: “يمارس الجهاز اختصاصاته على الوزارات والإدارات العامة والهيئات ذات الطابع الإداري، بالإضافة إلى الشركات والمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، والجهات التي تتلقى إعانات من الدولة أو تسهم الدولة في رأس مالها”.
وأضاف: “كما يضطلع الجهاز بمهامه الأساسية في تدقيق الإيرادات والنفقات العامة والمنح والهبات والتبرعات المحلية والدولية، ومراجعة وتدقيق الحساب العام الإجمالي للدولة، وتدقيق القوائم المالية للقطاع العام الاقتصادي، بالإضافة إلى الرقابة على صكوك العاملين، والتحقق من استخدام الموارد بكفاءة دون هدر أو إسراف أو ضياع، والتأكد من أن نشاط هذه الجهات العامة قد نُفذ وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة”.
وأكد المنصور على أهمية عمل الجهاز كونه الأداة الرئيسية لحماية المال العام، والتأكد من استخدام الموارد الوطنية بكفاءة وشفافية، مشيراً إلى أن دوره لا يقتصر على اكتشاف الخلل، بل يمتد إلى رفع مستوى الأداء في الجهات العامة وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة، إلى جانب دعم جهود التنمية من خلال توجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية ومكافحة الفساد والحد من الهدر في المال العام.
وبخصوص خطّة عمل الجهاز الحالية، بين المنصور أن هناك عدة محاور رئيسية يأتي في مقدمتها تنفيذ خطة الجهاز لعام 2025 الخاصة بتدقيق حسابات الجهات العامة عن سنة 2024 وفق برنامج زمني محدد وأولويات واضحة.
وأضاف: “تشمل خطّة الجهاز استكمال التحقيق في ملفات الفساد التي تورط فيها مسؤولون سابقون خلال عهد النظام البائد، وتعزيز كوادر الجهاز بالعناصر المؤهلة لسد الشواغر في الجانبين الرقابي والإداري، بالإضافة إلى تطوير الكوادر عبر برامج تدريبية متخصصة تنفذ من خلال المعهد الفني للرقابة المالية الذي أنشأته الإدارة الجديدة ليكون الذراع الأساسية لتأهيل ورفع الكفاءات”.
وتتضمن خطّة الجهاز أيضاً وفقاً للمنصور تعزيز التواصل المجتمعي من خلال برنامج المنصّات الإلكترونية لاستقبال الشكاوى، ونشر تقارير دورية عن عمل الجهاز، بالإضافة إلى تكثيف التعاون مع الأجهزة الرقابية النظيرة وبناء الشراكات المهنية والمشاركة الفاعلة في الفعاليات والمؤتمرات والاجتماعات المشتركة، كما تشمل الخطة اعتماد منهجية التدقيق القائمة على المخاطر وضمان جودة الأعمال الرقابية من خلال مديرية المخاطر وضمان الجودة التي تسهم في توجيه التدقيق في الجهات العامة بناءً على مستويات الخطورة والتأكد من جودة التقارير وانسجامها مع معايير التدقيق المعتمدة.
ولفت المنصور إلى أنه تم تشكيل لجنة مختصة لإعادة النظر في القانون المنظم لعمل الجهاز، بهدف تحديثه بما يتوافق مع متطلبات سوريا الجديدة، ومعايير الحوكمة الرشيدة، والالتزام بالمعايير الدولية، وبما يعزز استقلاليته وفعاليته في مكافحة الفساد وحماية المال العام.
وفيما يخص التعاون الدولي، أوضح المنصور أن الجهاز أولى منذ تسلم الإدارة الجديدة أهمية كبيرة للتعاون الدولي والانفتاح على الأجهزة الرقابية النظيرة سواء العربية أو الدولية، وعمل على تعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف وتبادل الخبرات والمشاركة الفاعلة في الندوات والمؤتمرات، مما يمكنه من الاطلاع على أفضل الممارسات ⁷الرقابية والاستفادة من التجارب الناجحة.
واختتم المنصور حديثه بالتأكيد على أن الجهاز شريك داعم للجهات الحكومية في تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد وحماية المال العام، ويعمل معها انطلاقاً من هدف مشترك يتمثل في تعزيز الكفاءة من دون أي تعارض أو ندية. وأكد أن الجهاز يعمل بكامل الاستقلالية والمهنية من أجل حماية المال العام، وملتزم بالمعايير الدولية للشفافية، ونشر نتائج أعماله بما يعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.