الثورة – إيمان زرزور
أحدثت المقاطع المتداولة من مقابلة الرئيس أحمد الشرع على شبكة “سي بي إس” الأميركية ضمن برنامج “60 دقيقة” تفاعلاً غير مسبوق على المنصات السورية والعربية، حيث أظهرت المقابلة جانباً جديداً من شخصية الشرع، التي بدت أكثر انفتاحاً وجرأة في مخاطبة الرأي العام الدولي، في لحظة فارقة من مسار العلاقات بين سوريا والغرب.
وتزامن نشر المقاطع مع نقاش واسع حول الطريقة التي قدّم بها الشرع نفسه كقائدٍ واثقٍ يوازن بين الواقعية السياسية والقدرة على استيعاب الماضي، في مقابل حرصه على إبراز نموذج القيادة السورية الجديدة القائمة على المصارحة والتواصل المباشر مع الإعلام الدولي.
من أبرز المقاطع التي أثارت الجدل سؤال الإعلامية مارغريت برينان، حول تصنيف الشرع السابق من قبل الحكومة الأميركية “كإرهابي”، والمكافأة التي كانت مرصودة للقبض عليه بقيمة 10 ملايين دولار.
ردّ الرئيس الشرع كان حاسماً وسريعاً بقوله: “خسروها، لم يكن مجدياً تبذير تلك الأموال. نحن نتحدث عن 25 سنة مضت، كنت في الـ17 أو الـ18 من عمري آنذاك، ومستوى الوعي لديك الآن مختلف عما كان عليه قبل 20 عاماً”.
هذا الجواب – وفق معلقين – الذي اتّسم “بهدوءٍ وثقةٍ عالية”، أعاد تعريف صورة الشرع لدى المشاهد الأميركي والعربي على حد سواء، إذ قدّم نفسه كزعيم يعترف بالماضي دون أن يُقيّد به، ويؤكد أن التجربة والوعي السياسي هما نتيجة تطور طبيعي يمرّ به الإنسان والمجتمع والدولة.
في مقطع آخر، طرحت المذيعة سؤالاً حول اللقاء الذي جمع الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه “وسيم وصلب وصاحب ماضٍ قوي”، فأجاب الشرع مبتسماً: “هل تشكون في ذلك، لترد المذيعة: “ليس لدي أدنى شك في قوة ماضيك”.
هذا الحوار القصير أظهر قدرة الشرع على استخدام روح الدعابة السياسية لتخفيف حدة الأسئلة، وتحويل الموقف إلى مساحة تواصل إنساني ذكي، وهو ما يعكس نضجاً دبلوماسياً في إدارة المقابلات الحساسة أمام الإعلام الغربي، الذي غالباً ما يعتمد على الأسئلة الاستفزازية لاختبار ردود الفعل.
تأتي هذه المقابلة في سياق مرحلة سياسية جديدة تعيشها سوريا بعد الحرب، إذ تسعى القيادة الجديدة إلى إعادة بناء صورتها الدولية على أسس من الشفافية والانفتاح، في مقابل تجاوز مرحلة العزلة والعقوبات التي رافقت النظام السابق.
ويرى مراقبون أن ظهور الرئيس الشرع عبر واحدة من أكثر البرامج تأثيراً في الإعلام الأميركي يعكس تحولاً استراتيجياً في طريقة تعامل دمشق مع الإعلام الدولي، إذ تسعى الحكومة السورية إلى تقديم خطاب متوازن يوجّه رسائل طمأنة للخارج، دون التنازل عن الثوابت الوطنية.
حظيت المقاطع التي تداولها السوريون على منصات التواصل الاجتماعي بتفاعل واسع وإشادة بخطاب الشرع الهادئ والواثق، حيث اعتبره البعض مثالاً للقائد المتزن الذي يمتلك القدرة على مخاطبة الجمهور العالمي بلغة عقلانية ومباشرة.
كما أشار آخرون إلى أن هذه المقابلة تمثل محطة رمزية في مسار سوريا الجديد، حيث تسعى الدولة إلى استعادة دورها كفاعل سياسي مسؤول في المنطقة والعالم، بعد سنوات من الحرب والتهميش الإعلامي.
يمكن القول: إن مقابلة الرئيس أحمد الشرع على “سي بي إس” كانت إعلاناً مدروساً عن ولادة مرحلة سياسية جديدة تسعى من خلالها دمشق إلى إعادة تموضعها على الساحة الدولية عبر أدوات ناعمة، أبرزها الخطاب الإعلامي المنفتح والثقة الدبلوماسية العالية، فمن خلال إجاباته المختصرة والذكية، أعاد الشرع رسم حدود العلاقة بين الماضي والمستقبل، مؤكداً أن القيادة الجديدة في سوريا لا تُعرّفها التهم القديمة، بل مشروعها الوطني في بناء الدولة بعد الحرب.