هند العرموني
في محافظة السويداء جنوب سوريا، لا تزال أزمة السلاح المنفلت تتصدّر المشهد، مهددةً أمن السكان واستقرارهم، وسط فراغ مؤسساتي وأدوار متباينة بين فصائل محلية، ومرجعيات ، وقوى سياسية متشرذمة. تعيش المحافظة أكثر فصولها سوداوية، فرغم المحاولات المتكرّرة لضبط السلاح وتنظيم حمله، إلا أنّ تعقيدات المشهد المحلي والإرث الأمني للمنطقة، يقفان عائقاً أمام أي تسوية جادّة.
انفجارات عرضية تتكرر أسبوعيًا تقريبًا، بعضها ناجم عن عبث أطفال بقنابل يدوية أو ألغام من مخلفات الحرب، الأمر الذي يفاقم مناخ الخوف والاضطراب. وقد وثّقت منظمات حقوقية محلية عشرات الوفيات والإصابات نتيجة الذخائر العشوائية المنتشرة في الأحياء السكنية والمزارع، مما يؤكد حجم الكارثة الإنسانية المرتبطة بفوضى السلاح.
جذور الأزمة بين الأمن والفصائل..
تعود جذور فوضى السلاح في السويداء إلى نهاية عام 2012، حين بدأت الأفرع الأمنية تتوجّس من صعود بعض الفصائل التي بدأت تتسلّح في المحافظة، وعمدت تلك الأفرع إلى تشكيل مجموعات مسلّحة تابعة لها، في محاولة لمواجهة نفوذ الفصائل .
يقول الناشط السياسي لؤي أبو ترابة في حديث لـ”الثورة”: “مشكلة السلاح في السويداء مشكلة تاريخيّة، بدأت حين أنشأت المخابرات فصائل رديفة لاحتواء أي حراك مسلح معارض، وقد سلّمتهم أسلحة وبطاقات أمنية، وفتحت لهم أبواب التجارة غير المشروعة من مخدرات إلى تهريب وقود وسلاح، مما خلق طبقة مسلحة تحظى بحماية أمنية مطلقة.”
في المقابل، لجأت الفصائل لتمويل وتسليح ذاتي، إما من موارد محلية أو من خلال دعم مغتربين، وظل السلاح يُقتنى بسرية نسبية، حتى سقوط النظام وانهيار السيطرة النظاميّة على عدد من المناطق، الأمر الذي أدّى لاحقاً إلى سرقة أسلحة من مستودعات ومقرّات عسكرية، لتتحوّل السويداء إلى سوق مفتوحة للسلاح.
بعد سقوط النظام فعليّاً في كثير من مفاصل الدولة في المحافظة، بدأت مرحلة الفلتان الكامل، إذ دخل السلاح إلى كل بيت، بل حمله حتى الأطفال، ولم يكن هناك أي تدخّل لضبط السلاح ومنع انتشاره”.
ويشير أبو ترابة إلى أنه حتّى اليوم، لم يتم فرض آليّة واضحة لضبط السلاح في السويداء، كما أنّ غياب القانون، وظهور بعض التصرّفات الفردية من قبل عناصر أمنية، منحت بعض الفصائل المسلحة “حجّة للبقاء خارج سلطة الدولة، ورفض الانصياع لأي أوامر من وزارتيّ الدفاع أو الداخلية”.
وبحسب الناشط السياسي، فقد أدى هذا الانقسام إلى تشكّل مشهد معقّد داخل السويداء: قسم من الفصائل يريد الاندماج ضمن مؤسّسات الدولة ويؤيّد إعادة تفعيل القانون، في حين يرفض القسم الآخر ذلك، خشية المحاسبة على ما ارتكبه من تجاوزات خلال السنوات الماضية.
ويتابع: “هؤلاء الرافضون لتسليم سلاحهم لا يرون في مؤسّسات الدولة حلّاً، بل تهديداً، لأنّ تاريخهم جنائي، وبعضهم مستمرّ حتّى اللحظة في تجارة السلاح ويحظى بدعم من مرجعيّات اجتماعيّة ، وهذا ما يجعل من فوضى السلاح حالة يصعب كسرها”.
وفي هذا السياق، يبرز موقف المجلس العسكري في السويداء، وهو أحد أبرز التشكيلات المسلحة المحلية، حيث يرفض بشكل قاطع تسليم سلاحه، وفي بيان أصدره في مايو 2025، شدد على أن السلاح “حق مشروع للدفاع عن النفس”.
وفي أبريل الماضي، وُقّع اتفاق محلي حمل اسم “البنود الخمسة”، بين وجهاء المحافظة والحكومة ، يقضي بنشر وحدات شرطة محليّة، وتفعيل القضاء المدني، وضبط حمل السلاح في الأماكن العامة، إلا أنّ مراقبين يشككون في إمكانية تنفيذ الاتفاق، في ظل وجود قوى محلية مسلّحة تملك نفوذاً ميدانيّاً .
في موازاة المشهد الفصائلي، برز دور خجول للقوى السياسيّة والمجتمعيّة سابقاً، وبحسب أبو ترابة، فإن الانقسامات الداخليّة بين هذه القوى أضعفت من قدرتها على الضغط أو التأثير، إلّا أنّها بدأت مؤخراً بإطلاق مبادرات مهمّة، من خلال تجمّع القوى الوطنية، الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني، التجمّع المهني، والتجمّع المدني من أجل سوريا وغيرها من القوى السياسيّة الأخرى.
ويوضح أبو ترابة أن هناك إدراكاً متأخرا لخطر السلاح، ولكن لا تزال بعض القوى السياسيّة عاجزة عن التحرّك بفعاليّة على الأرض، وهي بحاجة لتعاون مباشر مع الفصائل الوطنيّة الراغبة في ضبط الوضع وتفعيل الضابطة العدليّة والشرطيّة”.
وحول المستقبل، يعبّر عن قلقه من احتماليّة تصاعد التوتّرات قائلاً: “إذا استمرّت الفوضى، سنرى اقتتالاً محدوداً بين الفصائل، لكنّه لن يتحوّل إلى حرب أهليّة واسعة، لأنّ السويداء محكومة بمنظومة مرجعيّات دينيّة واجتماعيّة لا تسمح بانفلات شامل، رغم كل الظروف الصعبة”.
وفي ختام حديثه، يؤكد أبو ترابة على ضرورة دعم الحكومة الحاليّة ومؤسّساتها، رغم الانتقادات الموجهة لها، معتبراً أنّ المؤتمر العام الذي عُقد مؤخّراً في السويداء يمثّل 60% من مطالب الشارع، ويجب تطويره لدفع الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه المحافظة.
خطير حقيقي
من جهته، يرى القيادي في إحدى الفصائل التي شاركت في “معركة الحسم”، مفيد العقباني، أنّ السلاح في السويداء كان في لحظة ما ضرورة، لكنّه تحول إلى عبء خطير.
يقول العقباني لـ”الثورة”: بات السلاح مصدر خطر حقيقي على حياة المدنيّين، وكثُرت ضحاياه، لا بد من ضبطه بشكل عاجل.”
ورغم قتامة الصورة، لا تزال هناك محاولات حثيثة من أطراف متعدّدة في السويداء لإعادة فرض سلطة الدولة وتوحيد الجهود لضبط السلاح. ومع أنّ الطريق طويل ومعقّد، إلا أنّ تقاطع مصالح المجتمع المدني، وبعض الفصائل الوطنية، والقوى السياسية الجادة، يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل إذا ما توافرت إرادة سياسيّة حقيقية، عند كل الأطراف.
فهل تنجح السويداء في كبح فوضى السلاح، أم أن التجاذبات ستبقيها رهينة الفوضى المسلحة؟.