الثورة :
في الأسابيع الأخيرة، تكررت التسريبات الإعلامية حول اتفاق أمني مرتقب بين سوريا وإسرائيل، كان آخرها ما نشرته صحيفة “إندبندنت عربية” بشأن توقيع اتفاق في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر المقبل برعاية الولايات المتحدة.
ورغم النفي الرسمي السوري لهذه الأنباء، فإن تزامنها مع تطورات دبلوماسية بارزة، مثل لقاء باريس بين وفد سوري وآخر إسرائيلي، وخطاب مرتقب للرئيس أحمد الشرع في الأمم المتحدة، يطرح تساؤلات عميقة حول خلفيات هذه التسريبات وأهدافها.
يشكل الجنوب السوري، بما فيه هضبة الجولان المحتلة، نقطة ارتكاز في الصراع الإقليمي، فمنذ سقوط نظام الأسد، أصبح الجنوب مسرحاً لتداخل مصالح متعددة منها إسرائيل التي تسعى لتأمين حدودها، والحكومة السورية الجديدة التي تحاول فرض سيادتها الكاملة على المنطقة، مع التأكيد على أن السويداء والجولان جزء لا يتجزأ من سوريا.
وبالتالي فإن أي حديث عن اتفاق أمني هنا يكتسب حساسية استثنائية، لأنه يلامس جوهر السيادة الوطنية، ويمس ملفات معلّقة منذ اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974.
تزامن التسريبات مع الحراك الدبلوماسي السوري في المحافل الدولية ليس صدفة، فعودة دمشق إلى الساحة الأممية، وإعادة تفعيل علاقاتها العربية والدولية، تضعها تحت مجهر إعلامي وسياسي، كما أن لقاء باريس الأخير بين وزير الخارجية أسعد الشيباني ومسؤولين إسرائيليين، بوساطة أميركية ورعاية فرنسية، فُسّر على أنه محاولة لخفض التصعيد جنوب سوريا.
علاوة عن أن مشاركة الرئيس أحمد الشرع في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيلقي خطاباً رفيع المستوى، يضاعف من حساسية أي خبر يُسرب حول تفاهمات مع إسرائيل، وبالتالي، يبدو أن بعض الأطراف تستخدم هذه التسريبات لاختبار ردود الأفعال الإقليمية والدولية قبل الدخول في أي مسار تفاوضي معلن.
تتعدد الأهداف المحتملة وراء هذه الأخبار المتكررة، منها محاولة تقويض ثقة الشارع السوري بالحكومة الجديدة عبر الإيحاء بأنها تسعى إلى صفقات سرية مع الاحتلال على حساب القضية الوطنية.
كذلك قد يكون هدفها إرسال رسائل ضغط دبلوماسي من أطراف إقليمية ودولية تريد أن تضع ملف العلاقات السورية – الإسرائيلية على الطاولة ولو إعلامياً، لتثبيت أن إسرائيل طرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية، وكذلك التأثير على الموقف العربي، خصوصاً في ظل الإجماع العربي على أن أي مسار للتطبيع مع إسرائيل لا يمكن أن يتجاوز الملف السوري وضرورة إنهاء الاحتلال للجولان.
في المقابل يأتي النفي الرسمي السوري لما تردد عن اتفاق أمني يعكس رغبة دمشق في قطع الطريق على أي محاولة لزجّها في ترتيبات خارجية قبل أوانها، فقد أكدت الخارجية السورية أن لا اتفاق أمني مع إسرائيل، ولا لقاء بين الرئيس أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك.
وشددت دمشق على أن أي تفاهمات لن تكون على حساب السيادة الوطنية، وأن اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 يبقى الإطار القانوني الوحيد المنظم للوضع في الجولان والجنوب السوري.
من هنا يظهر أن تكرار التسريبات عن اتفاق أمني سوري – إسرائيلي يعكس تعقيد المشهد الإقليمي وتعدد الأطراف المنخرطة في الملف السوري، فبينما تسعى دمشق لإعادة تثبيت حضورها الدولي وتعزيز خطابها السيادي، تحاول أطراف أخرى فرض سرديات إعلامية تربط أمن سوريا مباشرة بإسرائيل.
لكن المؤكد أن أي تسوية لن تمرّ من خارج دمشق، وأن الحفاظ على السيادة ووحدة الأراضي السورية سيبقى العنوان الأبرز في كل خطاب رسمي، فيما تستمر إسرائيل باستخدام الجنوب والجولان كورقة ضغط إقليمية، وتبقى الأمم المتحدة ساحة التفاعل الأوسع بين كل هذه الأطراف.