الثورة :
أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” عن إطلاق برنامج طبي ونفسي جديد لمساندة الناجين من الاعتقال والتعذيب في سوريا، بعد عقود طويلة من الممارسات القمعية التي جعلت معتقلات نظام الأسد البائد توصف من قبل منظمات حقوقية دولية، بينها منظمة العفو الدولية، بأنها “مسالخ بشرية”.
وقالت المنظمة في بيان عبر موقعها الرسمي إن الاعتقالات التعسفية وظروف الاحتجاز غير الإنسانية خلال سنوات الحرب، خلّفت آلاف الناجين يعانون من إعاقات جسدية وصدمات نفسية وحالات مرضية مزمنة. وأضاف البيان أن “ظلام المجهول غطّى عتمة الزنازين”، وأن هؤلاء الناجين يحتاجون اليوم إلى رعاية شاملة تساعدهم على استعادة حياتهم.
من بين الشهادات المؤثرة، ما روته “سهى” (اسم مستعار)، وهي امرأة خمسينية اعتقلت عام 2018 لمدة ست سنوات من دون محاكمة، إذ قالت: “اقتادوني إلى زنزانة انفرادية بينما وُضعت بناتي في زنزانة أخرى. لم أكن أعرف مصيرهن، ولم يكن الضرب الذي تعرضت له يعني شيئاً أمام خوفي عليهن”.
وأوضحت أنها استردت حريتها مع سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، ووصفت سنوات الاعتقال بأنها “حياة على حافة الموت”، حيث عاشت مع غيرها من المعتقلين ظروفاً قاسية تخللتها المجاعة والحرمان من العلاج وسوء المعاملة المستمر.
استجابة لهذه الاحتياجات، بدأت “أطباء بلا حدود” بتنفيذ برنامج تجريبي في إدلب، ثم افتتحت عيادة متخصصة في مستشفى المجتهد بدمشق، وأخرى في كفر بطنا بالغوطة الشرقية، وهي من أكثر المناطق التي تعرضت للحصار والقصف.
ويقدّم البرنامج استشارات طبية عامة، وإحالات إلى مراكز الرعاية المتخصصة، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي، وخدمات العمل الاجتماعي التي تربط المرضى بالجمعيات المحلية لتأمين المساعدات غير الطبية.
وقالت لورا غوارديولا، المستشارة الطبية للمشروع في دمشق، إن “الاعتقال تحت ظروف غير إنسانية يترك جروحاً عميقة ودائمة، تحتاج إلى وقت ورعاية ودعم منتظم كي تبدأ بالتعافي”.
أشارت المنظمة إلى أن نسبة النساء اللواتي يتلقين الدعم ما تزال منخفضة، إذ لم تتجاوز 15% من الاستشارات المقدمة في دمشق خلال الشهرين الأولين، مرجعة السبب إلى خوف كثير من الناجيات من وصمة العار، خصوصاً اللواتي تعرضن للعنف الجنسي. أما الأطفال الناجون، فإن حضورهم أقل حتى من النساء، رغم حاجتهم الكبيرة للدعم والرعاية.
أكدت المنظمة أن إعادة الاندماج في المجتمع السوري تمثل أحد أصعب التحديات للناجين، حيث تلاحقهم ذكريات الزنازين في حياتهم اليومية. وقالت سهى: “ذلك النفق المؤدي إلى المزة ما زال يلاحقني كلما مررت به. أريد التخلص من مشاعر الحقد لأنها تؤذيني وحدي”.