أي مستقبل نريده.. يضمن اتزان الأطفال قبل تعليمهم؟

الثورة – ميسون حداد:

أثار مقطع فيديو انتشر مؤخراً لمعلمة في إحدى مدارس المرحلة الابتدائية بحي كرم الزيتون، وهي توجه عبارات مهينة وتهديدات لفظية لتلاميذها داخل الصف، موجة استياء واسعة بين الأهالي، ولاسيما مع ظهور علامات الخوف على وجوه الأطفال واعتياد المعلمة تصويرهم دون موافقة ذويهم.

هذا السلوك غير التربوي دفع مديرية تربية حمص إلى التحرك فوراً، إذ أعلنت – عبر مقطع مصوَّر نشر على صفحة المديرية في التاسع عشر من الشهر الجاري — فتح تحقيق عاجل بالواقعة، كما صرحت مديرة التربية الدكتورة ملك السباعي بإنهاء تكليف المعلمة لكونها وكيلة من خارج الملاك، وعدم تكليفها لاحقاً.

وبيّنت السباعي حينها أن لجنة مختصة توجّهت إلى المدرسة في اليوم ذاته للتحقيق وتقديم الدعم النفسي للطلاب، مؤكدة حرص المديرية على توفير بيئة تعليمية آمنة وترسيخ قيم الاحترام المتبادل بين الطالب والمعلم.

وتفتح هذه الحادثة الباب واسعاً أمام نقاش اجتماعي أعمق حول آثار الإساءة اللفظية على الأطفال، ومسؤولية الأسرة والمدرسة في حماية حقوقهم وصون كرامتهم.

الأثر الاجتماعي والقانوني

تجمع آراء المختصين على أنّ ما جرى لا يمكن النظر إليه كحادثة عابرة، بل كشفت خللاً تربوياً ونفسياً وقانونياً يتقاطع في أكثر من مستوى، وتشير الدكتورة رشا شعبان، الأستاذة في كلية الآداب بجامعة دمشق قسم الفلسفة، لـ “الثورة” إلى أن الإهانة أمام الزملاء تترك آثاراً قصيرة المدى تظهر في نفور الطفل من المدرسة وتراجعه الدراسي وشعوره بالنقص وربما تحوّل هذا الشعور إلى كراهية.

وأما على المدى البعيد، فتقول: “إن الطفل قد يفقد ثقته بذاته ويضعف تقديره لنفسه، وصولاً إلى العدوانية تجاه المجتمع، لأننا أمام شخص قد لا يكون منسجماً مع ذاته، وغير محب لها”.

وتشير شعبان إلى أن التهديد اللفظي يترك جرحاً أعمق من العنف الجسدي، معتبرةً أن المدرسة في مثل هذه الحالات تتحول إلى مكان غير آمن، فيما يصبح المعلم ـ المفترض أن يكون مصدر طمأنينة ـ “مركز تهديد ورعب”.

وتشدد على أن بيئة الصف القائمة على التخويف تنتج عنفاً وإحباطاً داخل المدرسة وتغذي الكراهية بين الطلاب، وترى شعبان أن تصوير الطفل في لحظة خوف ثم نشر المقطع يزيد من حدّة الأثر النفسي، لأن الطفل يدرك أنه مكشوف أمام جمهور واسع ويخضع لقراءات الآخرين لمشهد ضعفه، وهو ما يضاعف إحساسه بالخجل والتهديد.

من الجانب القانوني، تؤكد المحامية رنيم حسون لصحيفة الثورة أن التهديد والإهانة اللفظيـة يُعدّان شكلاً من أشكال العنف وفق القانون السوري واتفاقية حقوق الطفل، مشيرة إلى وجود “قوانين ملزمة تمنع أي شكل من الإساءة”.

وتوضح أن هذه الأفعال تدخل تحت بنود القدح والذم والإساءة والسبّ، ما يعرّض مرتكبها لعقوبة قد تصل إلى الحبس ثلاثة أشهر وغرامة ماليـة، إضافة إلى إجراءات إدارية تبدأ بالإنذار، وقد تنتهي بالفصل إذا تكرر الفعل.

وفيما يتعلق بالتصوير داخل الصف، توضح حسون أن التقييم القانوني يعتمد على الغايـة من التصوير، قائلةً إن استخدام المقطع بغرض التشهير قد يندرج ضمن الجرائم الإلكترونية كالقدح أو التحقير عبر الشبكة.

ومع ذلك، تؤكد أن من حق الأهالي التقدّم بشكوى سواء تعلق الأمر بإساءة لفظية موجّهة للطفل أو بنشر صورته دون إذن، مضيفةً: “حق الأهل في تقديم شكوى ثابت ومباشر”.

المسؤولية التربوية والقانونية للمدرسة

أما عن مسؤولية المدرسة، فتشير حسون إلى وجود التزامات قانونية عامة بتوفير بيئة آمنة للطلاب، وإن كان إثبات الضرر النفسي يحتاج إلى مختصين وإلى تعاون وثيق بين الأسرة والإدارة، لأن الآثار النفسية ليست بسهولة الإثبات الجنائي.

وتشدّد الدكتورة شعبان على دور المرشد النفسي والاجتماعي داخل المدرسة لمعالجة مثل هذه الحالات ومتابعتها بشكل منهجي، مؤكدةً أن احتواء الطفل يبدأ من البيت عبر الحوار والدعم وتعزيز الشعور بالأمان.

وتوضح أن على الأهل طمأنة طفلهم بأن سلوك المعلمة تصرف فردي وليس انعكاساً للمدرسة كلها، وأن عليه إدراك أن “المعلم يجب أن يكون مصدر أمان لا مصدر خوف”.

وتضيف شعبان: “إنّ الدعم العاطفي أساسي، لكنه لا يكفي دائماً، لأن الطفل في هذه المرحلة يبني شخصيته، وبالتالي لابد من الدعم النفسي والعاطفي معاً”.

وبالحديث عن سلوك المعلمة نفسها، ترى شعبان أن الضغط النفسي على المعلّم ينعكس مباشرة على طريقة إدارة الصف، داعيةً إلى تأهيل نفسي وتربوي للمعلمين قبل السماح لهم بالوقوف أمام الطلاب.

وتشير إلى أن العمل التربوي عمل إنساني عالي المستوى يتطلب ظروفاً مناسبة وتدريباً مستمراً، محذّرةً من انجراف بعض الكوادر وراء ظواهر “الترند” السلبي التي لا مكان لها داخل الصف.

آخر الأخبار
وزارة التنمية تبدأ إعداد قادة التحول الرقمي عبر برنامج أكاديمي يستهدف الإداريين والتقنيين 1.65 مليون برميل.. منحة النفط السعودية تشغل المصافي وتخفف أزمة الطاقة الإعلان عن تظاهرة "أفلام الثورة السورية" في دورتها الثانية.. جهاد عبده: على الأفلام المشاركة تحقيق س... "هدية" رحلة التحدي نحو سينما تسعى للتغيير أي مستقبل نريده.. يضمن اتزان الأطفال قبل تعليمهم؟ الوزير الشيباني: شروط سوريا ثابتة وهذا موعد توقيع الاتفاق الأمني مع إسرائيل تضمنت 28 بنداً.. ما الذي نعرفه عن خطة ترامب لوقف الحرب الروسية الأوكرانية؟ بنية هشة وإمكانات محدودة تثقل كاهل سكان ريف دمشق مع قدوم الشتاء وزارة الدفاع تشارك في فعاليات هيئات التدريب بالجامعة العربية بيت سحم بين تراجع الخدمات وجهود المعالجة.. الأهالي بانتظار حلول جذرية بعد القمع والحرب.. المرأة السورية تصوغ مستقبلها الآمن الطريق إلى الوعي الغذائي.. يبدأ بمسح وطني شامل أذربيجان وتركيا تعمقان تعاونهما في الملف السوري إضرابات على بعض خطوط دمشق بعد تخفيض التعرفة.. ومؤسسة النقل تتدخل لضمان الخدمة بعد انقطاع لأعوام.. عبور أول قافلة ترانزيت من سوريا إلى الخليج عبر باب الهوى مع تراجع حضور الكتاب.. الملخصات تفرض نفسها وتعمّق أزمة الدراسة الجامعية إيجارات المنازل في حلب تواصل ارتفاعها.. هل من حلول بالأفق؟ المنتخب الوطني للكيك بوكسينغ يشارك في بطولة العالم بأبوظبي مدونة السلوك الجديدة... خطوة لإعادة بناء الثقة بين المواطن ورجل الأمن تحركات حكومية تمهد لإصلاح مصرفي شامل