فردوس دياب:
أطلقت وزارة الداخلية أمس الأول مدونة سلوك جديدة للعاملين لديها، وهي الأولى من نوعها، بهدف تحديد قواعد مهنية وأخلاقية واضحة، وتنظيم علاقة منتسبي الوزارة بالمواطنين بطريقة أكثر شفافية واحتراماً.
وتمثل المدونة خطوة أساسية في إعادة بناء العلاقة بين رجل الأمن والمواطن على أسس من الاحترام المتبادل والمهنية، إذ ترسم إطاراً دقيقاً لأداء عناصر الشرطة، وتحدد التزاماتهم تجاه حقوق المواطنين وواجباتهم.
بدورها، أكدت وزارة الداخلية عبر مكتبها الإعلامي في تصريح خاص لـ “الثورة” أن المدونة تُعدّ تحولاً مهماً في النهج الأمني نحو مقاربة تقوم على احترام كرامة المواطن، وتعزيز دور رجل الأمن كخادم للمجتمع لا سلطة عليه.
واعتبرت أن “تطبيق هذه المدونة يعكس توجهاً واضحاً نحو ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، حتى في الظروف الاستثنائية”.
وتضمن تصريح الداخلية لـ “الثورة” تأكيداً بأن القانون فوق الجميع وأن المهنية أساس العمل الأمني.
وإصدار المدونة في هذا التوقيت يعكس استمرار عملية الإصلاح المؤسساتي، وأن الأمن الحقيقي يبدأ من احترام المواطن وصون حقوقه، والحرب لم تلغِ ضرورة تعزيز الثقة الداخلية وتطوير مبادئ الانضباط المهني داخل المؤسسات الأمنية.
وفيما يتعلق بتطبيق المدونة على الأرض، عبّر عدد من عناصر الشرطة عن أهميتها في توضيح حدود المهام والصلاحيات، وتقليل حالات الاحتكاك الناجمة عن الاجتهاد الفردي.

وفي حديثه لـ”الثورة” قال شرطي المرور هشام ريمي رجب “إن وجود تعليمات مكتوبة وملزمة يسهم في تنظيم العمل اليومي للدوريات، ويحمي العنصر قانونياً، ويمنح العاملين إطاراً واضحاً للتصرف في مختلف الحالات التي يواجهونها أثناء الخدمة”، مؤكداً أن المدونة تشكل مرجعاً يساعد على توحيد الإجراءات ورفع مستوى الانضباط المهني.
من جانبه، أكد سائق الميكرو خالد رمضان لـ”الثورة” أن المدونة تمثل خطوة إيجابية لأنها قد تسهم في تعزيز احترام القانون وجعل تعامل شرطة المرور مع السائقين أكثر تنظيماً ووضوحاً.
وفي المقابل، رأى سائق التكسي محمد أبو عدنان أن تطبيق المدونة قد يبقى شكلياً ما لم يرافقه تغيير حقيقي على أرض الواقع يلمسه المواطنون يومياً.
بينما أعرب السائقون أيمن درويش ومحمد الحلبي وأبو النور عن أملهم في تحقيق قدر أكبر من العدالة والاتساق في التعامل مع المخالفات المرورية، مؤكدين أن احترام القانون يجب أن يكون متبادلاً بين رجل الأمن والمواطن.
ومن الناحية القانونية، أكد المحامي عبد الله العلي، المختص في محاكم الجنايات والعسكرية والمدنية، في حديثه لـ”الثورة” أن إصدار المدونة يمثل تجسيداً لقيم العدالة والحرية والإنسانية التي تتبناها الدولة الجديدة، خاصة بعد انتهاء مرحلة النظام السابق التي شابها انتهاك للحريات.
وأوضح أن توقيت إصدار المدونة يحمل دلالة واضحة على أن عناصر الشرطة في خدمة الشعب، وأن تطبيق شعار «الشرطة في خدمة الشعب» يجب أن يكون فعلياً.
وأضاف العلي أن تحسين الأداء الأمني يتطلب أيضاً رفع المستوى المعيشي للعاملين، إلى جانب تعزيز ثقافة احترام القانون لدى المواطنين، خصوصاً في ظل تزايد الاعتداءات على رجال الشرطة من قبل بعض الخارجين عن القانون، وهذا يتطلب ضرورة إصدار قوانين رادعة للمخالفات، وإطلاق حملات توعية عبر الندوات ووسائل الإعلام وخطب المساجد لتعريف المواطنين بدور رجال الشرطة في حفظ الأمن.
وبين مقاربة المؤسسة الأمنية وتطلعات الشارع، تبدو مدونة السلوك الجديدة محاولة لإعادة ضبط العلاقة بين الطرفين على قاعدة القانون والاحترام المتبادل، مع انتظار انعكاسات التطبيق العملي الذي سيُظهر مدى قدرة المدونة على تحسين جودة الخدمة الأمنية وتعزيز الثقة في هذه المرحلة التي تتطلب إجراءات مؤسساتية واضحة ومستمرة.