الثورة – رولا عيسى
لم تكن اجتماعات الرئيس أحمد الشرع مع مسؤولي المصارف، وعلى رأسهم حاكم المصرف المركزي، حدثاً بروتوكولياً أو خطوة معزولة، بل تمثل “مؤشراً قيادياً مركباً” يعكس توجهاً اقتصادياً جديداً ويمهد لمرحلة إعادة ضبط السياسات النقدية والمالية وفق معايير أكثر مهنية وشفافية، بما يهيئ بيئة حقيقية للنمو وجذب الاستثمارات، بحسب الخبير المالي والمصرفي عامر شهدا.
ويقول شهدا لصحيفة “الثورة”: إن اللقاءات جاءت تتويجاً لجملة إشارات دولية وإقليمية وداخلية تدفع نحو إصلاح القطاع المصرفي وتمكينه ليكون “العصب” الذي يرافق أي تحول اقتصادي مقبل.
ويرى شهدا أن الحدث الأول الذي دفع إلى الاجتماع هو تقرير صندوق النقد الدولي حول الحوكمة الرشيدة وإعادة تأهيل القطاع المصرفي السوري، وضرورة إعادة هيكلة المصارف، وتأهيل كوادرها وأدواتها، مع أهمية إقرار قانون استقلالية مصرف سوريا المركزي، وتشكيل مجلس نقد وتسليف قادر على العمل بخبرة ومهنية.

ويشير إلى أن هذه الخطوات ضرورية لضمان سلامة تنفيذ السياسة النقدية الجديدة المرتقبة بعد طرح العملة الجديدة، والتي تتطلب جهازاً مصرفياً قادراً على تطبيقها وضبط متطلباتها.
ويعتبر شهدا أن مؤتمر الاستثمار أخيراً كان مفصلياً، لا سيما البيان الختامي للوفد السعودي، الذي خلص إلى أنه “لن يأتي أي مستثمر إلى سوريا ما لم تكن هناك شفافية في العمل المصرفي”.
ويؤكد أن القطاع المصرفي هو بوابة الاستثمار، وغياب الشفافية أو ضعف القواعد المصرفية يعني غياب المستثمرين، لافتاً إلى أن المصارف السورية تعاني ضعفاً في تكوينها المالي وقدرتها على المواكبة، ما يجعل إصلاحها ضرورياً قبل أي حديث عن استثمارات عربية أو أجنبية.
ويضيف شهدا أن المؤشر الثالث يتمثل في لقاء الرئيس الشرع مع مسؤولي صندوق النقد الدولي، حيث طُرحت على سوريا قروض بمليارات الدولارات مع تسهيلات وشروط مخففة، لكن الإجابة كانت واضحة “الرفض”.
ويؤكد أن هذا الرفض يعكس توجهاً نحو الاعتماد على الذات، وحماية القرار الوطني من شروط القروض، وتعزيز العمل بالموارد المحلية، لكن هذا التوجه يضع مسؤولية ضخمة على المؤسسة المصرفية، التي يجب أن تمتلك الاستقلالية الكاملة والقدرة العملية على إدارة السوق وتمويل الدورة الإنتاجية.
مفتاح التوازن
يشدد شهدا على أن منح مصرف سوريا المركزي استقلاليته هو الشرط الجوهري لإنقاذ القطاع المصرفي وإعادة بناء الثقة به. فالاستقلالية تعني قوة حيادية في ضبط التضخم وسعر الصرف، والقدرة على اتخاذ القرار دون ضغوط، إضافة إلى دور فعال في إدارة أسواق الأوراق المالية عبر أدوات السياسة النقدية، لا سيما عمليات السوق المفتوحة التي تحدد اتجاهات السوق وتوقعاته.
ويرى أن هذه الخطوة ضرورية لنجاح أي خطة لجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية، وتحسين ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
ويحذّر الخبير المصرفي من تكرار أخطاء الماضي، حين أدت التدخلات والضغوط على المصارف العامة والخاصة إلى منح تسهيلات غير مدروسة لرجال أعمال نافذين، ما تسبب بموجة تعثر لا تزال آثارها مستمرة، مشيراً إلى ضرورة حماية استقلالية المصارف وعدم التدخل في عملها.
ويؤكد شهدا أن شح السيولة أحدث ضغطاً كبيراً على المصارف وأضعف قدرتها على إعادة تكوين رأس المال، ويربط ذلك بتراجع الادخار الأسري والقلق العام من مستقبل السياسة النقدية.
ويقترح أدوات عدة محتملة لتعزيز الادخار، منها رفع أسعار الفائدة، إصدار شهادات استثمار جديدة، طرح سندات حكومية قابلة للتداول، وإنشاء صندوق سيادي استثماري يُطرح أسهماً في الأسواق المالية.
خارطة طريق
يعارض شهدا بشكل واضح فكرة زيادة عدد المصارف حالياً، معتبراً أن الاقتصاد يحتاج ثلاث سنوات ليظهر تعافيه الحقيقي، وأن زيادة المصارف قبل ضبط الكتلة النقدية ستربك السياسة النقدية، وتنقل الحسابات والتحويلات بين المصارف قد يرفع نسبة فقدان السيطرة.
ويؤكد أن قرار فتح مصارف جديدة يجب أن يستند إلى كتلة نقدية متوازنة، رأس مال قوي للمصارف الحالية، واحتياجات السوق الفعلية.
ويختتم شهدا قراءته بخمس توصيات أساسية، أولها تشكيل مجلس إصلاح اقتصادي للقطاعات كافة لتحديد أولويات الإصلاح، إصدار قانون استقلالية مصرف سوريا المركزي ومنحه مساحة واسعة لاتخاذ القرار واستخدام أدوات السياسة النقدية بحرية، وتشكيل مجلس نقد وتسليف من خبراء مصرفيين ذوي خبرة مهنية وتقنية عالية لدعم البنك المركزي.
ويشير أيضاً إلى أهمية دراسة شفافة للكتلة النقدية واحتياجات السوق قبل طرح العملة الجديدة أو تطبيق أي سياسة نقدية، وإعادة تشكيل مجالس إدارات المصارف الخاصة مع إلزامها بتعيين مستشارين مصرفيين ذوي خبرة لا تقل عن 20 عاماً، وتعزيز الحوكمة والشفافية في تقاريرها.
ويعتقد أن تحقق هذه الشروط، قد يحول القطاع المصرفي من “عبء” إلى “قاطرة” في عملية التعافي الاقتصادي المرتقبة.