وصفات صندوق النقد الدولي بين الفرص والمخاطر

الثورة – وفاء فرج :

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا، تتزايد التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على تطبيق “الوصفات الاقتصادية” الدولية، لا سيما تلك التي يطرحها صندوق النقد الدولي، وسط تباين الآراء بين من يرى فيها “علاجاً بطيئاً” لا بد منه، وبين من يحذّر من آثارها على الصناعة والدعم الاجتماعي.

وكان صندوق النقد الدولي أعلن توصله إلى اتفاق مع الحكومة السورية على برنامج مكثف للتعاون في المرحلة المقبلة، وذلك في ختام زيارة فريق من موظفيه إلى دمشق خلال الفترة بين 10 و13 تشرين الثاني الجاري.

وبحثت بعثة الصندوق مع المسؤولين في دمشق خرائط طريق مفصلة لإصلاح القطاع المالي، وتركزت المناقشات على إعداد موازنة عام 2026 التي تهدف إلى توسيع الحيز المالي لتلبية الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك تعزيز دعم القطاعات الاجتماعية وحماية الشرائح الأكثر هشاشة.

كما سيقدم موظفو الصندوق مساعدة فنية شاملة لتعزيز قوة الإطار المالي، ويسعى الصندوق إلى تقديم حزمة واسعة من الدعم الفني تتركز على ثلاثة مجالات رئيسية: المالية والسياسة النقدية والإحصاءات.

الدعم الفني والتقني

يرى الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش، أن الدولة السورية تعتمد مبدأ “الحيطة والحذر” في تعاملها مع المنظمات المالية الدولية، وتسعى لزيادة التعاون معها وتعزيز الثقة المتبادلة، لما في ذلك من مصلحة وطنية.

وأوضح عياش لصحيفة الثورة، أن سوريا تواجه تحدي التعافي وإعادة الإعمار في ظروف صعبة ومعقدة نتيجة حجم الدمار ونقص الموارد وارتفاع التكاليف وحجم التمويل الضخم المطلوب.

وفي مواجهة ذلك، تعتمد الدولة منهجية وطنية تقوم على الاستثمار بدلاً من القروض والمنح والمساعدات، باعتباره أساس السيادة الاقتصادية ومفهوم الاستدامة.


وأضاف: إن هذا التوجه يساعد في تأمين التمويل اللازم للتعافي وإعادة الإعمار بشكل آمن، ويضمن السيادة دون تحميل الأجيال القادمة أعباء ضخمة تعيق تطورها.

وأشار إلى أن الاعتماد على الاستثمار لا يعني عدم التعاون مع المنظمات الدولية، خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، بل تطوير علاقات ثقة قوية والاستفادة من المساعدات الفنية والتقنية الضرورية لإعادة الدمج الاقتصادي مع المنظومة المالية العالمية.

ولفت إلى أن بيان صندوق النقد الدولي حول زيارة فريقه الأخيرة إلى دمشق ركّز على الدعم الفني والتقني، دون أي ذكر لمساعدات مالية مباشرة.

 

 

وبحسب عياش، سيقدم خبراء الصندوق دعماً فنياً لتعزيز الإطار المالي، وتحسين الإدارة المالية العامة، وتشريعات الضرائب، ووضع استراتيجية لمعالجة ديون سوريا القديمة.

أما في السياسة النقدية، فستشمل المساعدة الفنية إعادة تأهيل أنظمة الدفع والخدمات المصرفية، ودعم صياغة قطاع مالي جديد ولوائح تنظيمية، وتمكين البنوك من معاودة دورها الحيوي في الوساطة المالية ودعم الانتعاش الاقتصادي، إضافة إلى إعادة بناء قدرات البنك المركزي.

ووجد عياش أن بيان الصندوق يشير إلى توجه نحو تقديم المساعدات الفنية في السياستين المالية والنقدية مع بوادر تعافٍ اقتصادي تعكس تحسناً في ثقة المستثمر والمستهلك، إضافة إلى إعادة الاندماج التدريجي مع الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
لكن البيان، برأي عياش، يفتقر للبيانات والإحصاءات الدقيقة والموثوقة، وهي نقطة ضعف يجب معالجتها.
وشدد على ضرورة الحذر من وصفات صندوق النقد الدولي الشهيرة وتوصياته حول الإصلاح المالي والنقدي، خصوصاً في ظروف سوريا الحالية.

علاج بطيء

يرى العضو السابق في غرفة تجارة دمشق، مصان نحاس، أن النهوض بسوريا يتطلب تعاوناً عربياً وإقليمياً ودولياً على مستوى العالم، مشيراً إلى أن حجم الخراب والدمار الذي لحق بالوطن “لا يعاد بوصفة أو بقرار”.
واعتبر نحاس أن ما نصح به صندوق النقد الدولي “بداية علاج صحيح”، لكنه “بطيء وليس سحرياً”، متوقعاً أن يحتاج الاقتصاد السوري إلى عقود للنهوض.

وقال نحاس لصحيفة الثورة: إنه يدعم تحرير الأسعار وفتح الاستيراد، معتبراً أنها “خطوة في الاتجاه الصحيح”، لكنه شدد على ضرورة حماية الصناعة المحلية السورية.

وانتقد نحاس القطاع العام، معتبراً أنه “مثقل بالديون ويثقل الاقتصاد الوطني” نتيجة الخسائر الكبيرة، واصفاً “الاقتصاد الاشتراكي البعثي اليساري” بأنه كان قائماً على “معامل خاسرة”.

وأكد نحاس تأييده الكامل للخصخصة والاتجاه نحو تحرير الأسعار وفتح الاستيراد، لكنه طالب بآلية حماية ذكية للصناعة المحلية تتمثل في رفع الجمارك على المستوردات التي يقابلها منتجات محلية، بما يلائم قدرات الصناعة الوطنية.

وأشار نحاس إلى حجم الصعوبات التي تواجه البلد، بما في ذلك “الدمار شبه الكامل”، مشدداً على أن المرحلة المقبلة تتطلب “وقتاً، وهمّة صادقة، ومحبة، وبناء الوطن بعيداً عن أي مناكفات”، معرباً عن تفاؤله بأن “القادم أجمل” رغم التحديات.

قواعد وشروط

يرى النائب السابق في غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، أن مهام صندوق النقد الدولي المتمثلة في تعزيز التعاون النقدي، وتشجيع التوسع التجاري، وتثبيط السياسات الضارة بالرخاء، هي محاور أساسية يجب العمل عليها، لكن التحدي يكمن في مدى قدرة سوريا على تطبيق هذه الوصفات.
وأشار الحلاق في حديثة لصحيفة “الثورة”، إلى أن الانتقال نحو “اقتصاد سوق حر تنافسي” مطلب قديم للفعاليات الاقتصادية السورية، لكنه حذر من أن هذا النوع من الاقتصاد “له قواعد وشروط وضوابط” ضرورية لـ”الاعتناء بالاقتصاد”.

وشدد على حاجة البلاد إلى كفاءات قادرة على وضع خطط دقيقة، مشيراً إلى ضرورة أن تكون خبرة الفريق الاقتصادي كبيرة، مع مراعاة خصوصية كل محافظة، لأن ما ينجح في مكان قد يفشل في آخر.

التنافسية

أكد الحلاق أنه يؤيد بشكل كامل خطوات تحرير الأسعار والخصخصة، مشدداً على أهمية رفع التنافسية، لكنه دعا إلى وضع ضوابط لـ”ثقافة الشكوى” في ظل تحرير الأسعار.
وأوضح أنه مع الشكوى من محتوى المنتج أو مخالفات بطاقة البيانات أو حالات الغش والتدليس مثل الوزن غير الصحيح، لكنه يرى أن الشكوى من السعر “مسؤولية المستهلك”، الذي يتحمل نتائج خياراته في ظل حرية السوق.

واعتبر أن المشاكل التي تواجه الحكومة تشمل “قانون قيصر” والعقوبات الدولية، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في بعض المحافظات، وكلها تضغط على الاقتصاد، وتبقي المستثمرين الأجانب في حالة ترقب رغم وجود رغبة بالاستثمار.

ويعتقد الحلاق أن “الأخطر” مما سبق يتمثل في أن المستثمر الداخلي “ليس لديه شجاعة كافية”، إذ يرى في التجارة فرصة أسهل من الصناعة والزراعة والإنتاج.

ويخلص الحلاق إلى أن سوريا تواجه تحدياً مزدوجاً: ضغوط خارجية (العقوبات)، و”ضعف داخلي في إدارة الملف الاقتصادي”، فبينما تتجه البلاد نحو السوق الحر، يظل النجاح مرهوناً بقدرة الحكومة على تجاوز “الشرخ الفكري”، وتوحيد الكفاءات القادرة على رسم خطط واضحة قابلة للقياس، تضمن تطبيق قواعد بضوابط تحمي الاقتصاد من “الارتجال والفوضى”، مع تفعيل دور المستهلك كرقيب على الجودة والمواصفات لا على السعر.

مفترق طرق

يحذر الخبير الاستشاري في تأسيس الصناديق السيادية، مهند الزنبركجي، من أن الخصخصة في الظروف الراهنة “أسوأ إجراء يمكن اتخاذه”، ويقترح في تصريحه لصحيفة “الثورة” عدداً من الخطوات كعلاج لمشكلات سوريا الاقتصادية والمالية، ترتكز على الشفافية والكفاءة وإعادة هيكلة التمويل.

ويدعو الزنبركجي إلى تأسيس شركات وطنية عملاقة تُدار بعقلية القطاع الخاص لضمان الكفاءة والربحية، مع دمج المؤسسات أو الأصول غير الفعالة، وتأسيس صندوق سيادي جديد يشبه الصناديق السيادية في دول مثل قطر والسعودية والإمارات، إضافة إلى استقطاب المدخرات الداخلية عبر توفير قنوات آمنة للمواطنين، ما يضمن ضخ السيولة المحلية في شرايين الاقتصاد.
ويشدد على ضرورة مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في طرح البيانات الاقتصادية والفرص الاستثمارية، إضافة إلى استقطاب الكفاءات المحترفة في مختلف المجالات، واستثمار مواهبهم بمبدأ “المنفعة المتبادلة”.

كما يشير الزنبركجي إلى أهمية تنظيم الاستثمار عبر إيقاف منح المشاريع القائمة للمستثمرين، وتعويضهم بمواقع جديدة وتسهيلات، مع وقف منح الشركات السيادية المسيطرة على القطاعات الحيوية لمستثمرين بصيغة السيطرة الكاملة، واستبدال ذلك بنموذج “الشراكة”.

وأشار الزنبركجي إلى أن اللجوء إلى البنك الدولي يجب أن يكون “الخيار الأخير”، بعد فقدان الأمل بتمويل ناتج عن الاستثمارات أو الشراكات، معتبراً أن تطبيق المقترحات السابقة يغني عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وما يترتب عليه من فوائد عالية.

ويرى الزنبركجي أن سوريا تقف أمام مفترق طرق: إما اللجوء إلى حلول تقليدية كالخصخصة والتمويل الدولي المشروط التي قد تزيد الأعباء، أو تبنّي حلول “عبقرية” تعتمد على التخطيط الاستراتيجي والخبرة الميدانية، ويبقى التحدي الأكبر توفير الغطاء السياسي اللازم لتنفيذ هذه الحلول بعيداً عن المصالح الخاصة والبيروقراطية، لاستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني.

آخر الأخبار
مع تراجع حضور الكتاب.. الملخصات تفرض نفسها وتعمّق أزمة الدراسة الجامعية إيجارات المنازل في حلب تواصل ارتفاعها.. هل من حلول بالأفق؟ المنتخب الوطني للكيك بوكسينغ يشارك في بطولة العالم بأبوظبي مدونة السلوك الجديدة... خطوة لإعادة بناء الثقة بين المواطن ورجل الأمن تحركات حكومية تمهد لإصلاح مصرفي شامل قاتل في سوريا.. من هو "طبطبائي" الذي قتلته إسرائيل بـ"الضاحية الجنوبية"؟ وصفات صندوق النقد الدولي بين الفرص والمخاطر قوى الأمن الداخلي في حمص تمدد حظر التجوال إثر تصاعد التوترات الطائفية حمص.. اختبار الخوف ومسؤولية النجاة أعطال السيارات في إدلب.. جدل حول جودة المازوت وشركة البترول ترد تحضيرات لإطلاق ملتقى يدعم إبداعات سيدات الأعمال الصناعيات في دمشق وريفها سوريا تشارك في "القمة العالمية للصناعة" بالرياض  حفرة غامضة في درعا تشعل شائعات الذهب.. مديرية الآثار تحسم الجدل وتوضّح الحقيقة داء السكر .. في محاضرة توعوية  استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة